–
شكلت وزارة العدل السورية، أول من أمس الخميس، لجنة للتحقيق في أحداث السويداء الأخيرة، وذلك بعد 10 أيام من تسليم لجنة التحقيق الخاصة بأحداث الساحل السوري تقريرها للرئيس أحمد الشرع. يأتي ذلك وسط تساؤلات في كلتا الحالتين عن جدوى تفرد الحكومة بعمليات التحقيق في قضايا الانتهاكات التي ترافق عملياتها العسكرية، من دون مشاركة أطراف أخرى محلية أو دولية، في ظل تدني الثقة بين الحكومة والمجتمعات المحلية التي تتعرض لتلك الانتهاكات.
بالمقابل ردد مئات الأشخاص ممن احتشدوا، أمس الجمعة، في “ساحة السير” (والتي سميت ساحة الكرامة خلال الاحتجاجات في عهد النظام السوري السابق) هتافات ضد حكومة دمشق، مطالبين بخروج جميع القوات التابعة لها من محافظة السويداء. كما رفضوا لجنة التحقيق في أحداث السويداء التي أعلنتها الحكومة، مطالبين بتحقيق دولي مستقل. ويسري في السويداء وقف لإطلاق النار منذ مساء 19 يوليو/ تموز الماضي، وذلك عقب اشتباكات مسلحة دامت أسبوعاً بين القوات الحكومية ومجموعات عشائرية موالية من جهة، وفصائل درزية محلية في السويداء من جهة ثانية. ووثق تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أمس الجمعة، مقتل 1013 سورياً من المدنيين والعسكريين من مختلف الأطراف على خلفية تلك الأحداث.
وحددت وزارة العدل، في قرارها أول من أمس، مهام لجنة التحقيق في أحداث السويداء الأخيرة، في “كشف الظروف والملابسات التي أدت إلى الأحداث، والتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات التي تعرض لها المواطنون، وإحالة من يثبت مشاركته في الاعتداءات والانتهاكات إلى القضاء”. وحول آلية عمل اللجنة، أوضحت الوزارة أن اللجنة سترفع تقارير دورية بنتائج أعمالها، على أن يرد تقريرها النهائي خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها، و”لها أن تستعين بمن تراه مناسباً من الخبراء والمتخصصين والجهات المختصة”. وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن اللجنة تتألف، وفق القرار، من القضاة: حاتم النعسان، وحسان محمد الحموي، وميسون حمود الطويل، وجمال الأشقر، والعميد محيي الدين هرموش (لم تذكر منصبه)، والمحاميين طارق الكردي، وعمار عز الدين. من جهته قال وزير العدل، مظهر الويس، في بيان، إن قرار تشكيل اللجنة جاء “انطلاقاً من التزام الدولة السورية تجاه جميع مواطنيها، وبتوجيه من الرئيس أحمد الشرع”، لافتاً إلى أن اللجنة مؤلفة من “خبرات قضائية وحقوقية، للتحقيق في ملابسات الأحداث الأخيرة، وإحالة المتورطين إلى القضاء، لحفظ حقوق جميع المواطنين”.
القاضية ميسون حمود الطويل هي الوحيدة في اللجنة التي تنحدر من السويداء
قاضية من السويداء في اللجنة
تتكون اللجنة من سبعة أشخاص، هم أربعة قضاة، ومحاميان، وضابط شرطة، بينهم شخص واحد على الأقل من محافظة السويداء القاضية ميسون حمود الطويل، والتي تنحدر من مدينة شهبا في ريف محافظة السويداء الشمالي. وقد تدرجت الطويل خلال عملها في دمشق في عدة محاكم، بين نيابة عامة، ثم قاضية صلح، ثم البداية (محكمة ابتدائية)، ثم مستشارة محكمة استئناف وبعدها رئاسة محكمة استئناف ثم مستشارة محكمة نقض، ولا تزال على رأس عملها. كما عملت في محاكم محافظة السويداء ومحاكم دمشق وريف دمشق، في منطقة داريا.
وبينما تردد أن الطويل رفضت إدراج اسمها في هذه اللجنة، حاولت “العربي الجديد” التواصل مع القاضية، عبر رئيس فرع مجلس نقابة المحامين بالسويداء السابق، باسل المهتار (قدّم استقالته أخيراً)، لكنها اعتذرت عن الحديث، لـ”أسباب أمنية”. من جهتها، قالت المحامية ديانا مقلد، الموجودة في مدينة السويداء، لـ”العربي الجديد”، إنها “وكل المحامين في المحافظة يرفضون أي تحقيق من قبل الدولة بسبب استحالة أن تكون محايدة”. ووفق مقلد “لا يمكن للحكومة أن تكون السيف والحكم في آن واحد”، مطالبة بـ”لجنة تحقيق حقيقية”، وليس على غرار لجنة التحقيق الخاصة بالساحل التي لم تحدد حتى الآن من قام بالانتهاكات في الساحل. واعتبرت أن الحكومة لا تقوم بتحقيقات فعلية وإنما تطلق الوعود فقط، مضيفة: “نحن كنقابة محامين في السويداء نرفض هذه اللجنة، ونطالب بلجنة تحقيق دولية”.
أحداث السويداء: فتنة من النظام أم خروج عليه؟
أما بالنسبة لبقية أعضاء اللجنة، فالقاضي حاتم النعسان، يعمل مستشاراً في محكمة النقض بمنطقة الراعي بريف حلب الشمالي، فيما كان القاضي جمال الأشقر، يشغل منصب رئيس المحكمة العسكرية في الشمال السوري قبل سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وكان العميد محيي الدين هرموش وزير الداخلية في الحكومة السورية المؤقتة، والتي كانت قائمة في الشمال السوري وتابعة للائتلاف الوطني، قبل سقوط نظام الأسد، وهو ضابط منشق عن جيش النظام السابق، وينحدر من دوما في ريف دمشق. أما المحامي عمار عز الدين فهو عضو مجلس نقابة المحامين في حمص حالياً، وعضو “رابطة المحامين السوريين الأحرار” التي تشكلت قبل سقوط النظام السوري السابق، في تركيا. وتتشكل اللجنة من المحامي طارق الكردي وهو مسؤول المكتب القانوني في الائتلاف الوطني السوري المعارض سابقاً، وكان عضو هيئة التفاوض التابعة للمعارضة مع النظام السوري السابق، وحائز على ماجستير في القانون الدولي، إضافة إلى القاضي حسان الحموي.
انتقادات قانونية للجنة التحقيق في أحداث السويداء
لم تقتصر الانتقادات الموجهة للجنة التحقيق على محافظة السويداء، بل شملت محامين وقانونيين من خارج المحافظة أيضاً. وقال المحامي والخبير القانوني، غزوان قرنفل، إن المطلوب من اللجنة “الاستقلالية والحياد والنزاهة في عملها رغم أني أشك في قدرتها على ذلك”. وعزا ذلك في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنه “ليس لأنه مطعون في نزاهة أعضاء اللجنة…
غزوان قرنفل: القضاة تابعون لوزارة العدل وسيخشون غضبها
ولكن غالباً لأن لديها وفق قناعتي سقفاً لا تستطيع تجاوزه وهو ما سيقيد عملها”. وأوضح قرنفل أن القضاة “تابعون لوزارة العدل وسيخشون غضبها، والمحامون سيخشون غضب نقابتهم الممسوكة من السلطة والمعين مجلسها تعييناً”، وبرأيه فإن “الضابط الوحيد في اللجنة غير قادر على تجاوز حدود التعليمات العسكرية التي لديه”. وفي رأي قرنفل “كان الأفضل لضمان النزاهة إما تطعيم اللجنة بممثلين عن منظمات حقوقية دولية مستقلة ومشهود لها بالحيادية والنزاهة مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، أو السماح لهاتين المنظمتين ولممثلين عن مجلس حقوق الإنسان (التابع للأمم المتحدة) بتولي تلك المهمة بكليتها”.
وحول الفارق بين لجنة تحقيق السويداء واللجنة التي سبقتها بشأن أحداث الساحل السوري، رأى قرنفل أن مرسوم تشكيل لجنة أحداث الساحل “كان معيباً من الناحية الدستورية باعتبار أن الرئيس لا يملك حق إصدار مراسيم أصلاً وفق الإعلان الدستوري (مارس/آذار الماضي)”. واعتبر أن قرار إنشاء لجنة للتحقيق في أحداث السويداء من قبل وزير العدل، أصوب من الناحية القانونية والدستورية وهو من ضمن صلاحيات الوزير.
من جهته، قال المحامي، عارف الشعال، لـ”العربي الجديد”، إن اللجنة عبارة عن “ذر للرماد في العيون”، مشدداً على أن لديه عليها “مآخذ جمّة، ولكن لا أريد فتح باب الجدل في هذا الوقت الذي تمر به الدولة بأضعف مراحلها”. أما المحامي باسل سعيد مانع، فاعتبر في حديث لـ”العربي الجديد”، أن قرار وزارة العدل تشكيل لجنة تحقيق في أحداث السويداء خطوة ضرورية، و”لكنها لا تكفي وحدها لضمان العدالة، خصوصاً أن تشكيل اللجنة من قضاة وضابط ومحامين يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية التحقيق وحياده، لا سيما في القضايا التي يكون للأجهزة الأمنية دور فيها”.
باسل سعيد مانع: على السلطة وضع سياسات وبرامج تكفل عدم الانزلاق مجدداً إلى مثل هذه الأحداث
وفي رأيه فالمطلوب اليوم “ليس فقط كشف الملابسات، بل تقديم ضمانات علنية بأن كل من يثبت تورطه مهما كانت صفته سيُحال إلى القضاء، وأن نتائج التحقيق ستكون علنية وشفافة أمام الرأي العام”. ولفت إلى أنه في الشق القضائي من تقرير لجنة التحقيق بأحداث الساحل، “أحالت اللجنة بعض المشتبه بهم إلى النائب العام، لكن يُستحسن أن تودع رئاسة الجمهورية نسخة من التقرير لدى النيابة العامة لتتولى استكمال التحقيقات القضائية، والتوسع فيها، ومحاكمة المتورطين أمام القضاء، وضمان محاكمات علنية عادلة تُراعى فيها كل ضمانات المحاكمة للمتهمين”.
أما في الجانب السياسي من التقرير، الذي يحدّد الأسباب التي أدّت إلى الانتهاكات، فينبغي وفق الشعال، على السلطة معالجته بناء على التوصيات التي قدّمتها اللجنة، و”وضع سياسات وبرامج تكفل عدم الانزلاق مجدداً إلى مثل هذه الأحداث، وتساهم في استعادة السلم الأهلي وتكريسه من خلال اعتماد التوصيات السياسية فوراً، وتضمينها في برنامج عمل حكومي واضحٍ بأطر زمنية محددة”. إلى جانب “إطلاق حوار وطني يشمل ممثلي المجتمع المدني والجهات المحلية والأحزاب السياسية، لتفعيل دور المواطنين في متابعة تنفيذ الإصلاحات، وتعزيز مؤسسات الدولة عبر خطط تنموية تستهدف البنية التحتية وخلق فرص عمل، باعتبارها ركيزة للسلم الأهلي، وتصميم آليات شفافة للمساءلة والرقابة، بما يكفل طرحها أمام المواطنين والاستماع لملاحظاتهم”. واعتبر أن المضي بهذه الخطوات يُعد “خطوة حاسمة نحو استعادة الثقة بين المواطن والمؤسسات الرسمية، وتحقيق استقرار سياسي مستدام يرعى التعايش ويصون السلم الأهلي، وترسيخ دولة القانون والمؤسسات في كل أرجاء سورية”.
الحكومة تتوعد بالمحاسبة
ودانت وزارة الداخلية السورية في بيان يوم 22 يوليو الماضي، ما أظهرته تسجيلات متداولة لتنفيذ إعدامات ميدانية خلال أحداث السويداء الأخيرة، من قبل أشخاص وصفتهم بمجهولي الهوية. واعتبرت أن هذه الأفعال تمثّل “جرائم خطيرة يُعاقب عليها القانون أشد العقوبات”. ومن جانبها، قالت وزارة الدفاع إنها تابعت تقارير حول انتهاكات “صادمة وجسيمة ارتكبتها مجموعة غير معروفة ترتدي الزي العسكري”. وتعهدت باتخاذ “أقصى العقوبات بحق الأفراد المرتكبين للانتهاكات في مدينة السويداء، بعد التعرف إليهم، حتى لو كانوا منتسبين إلى تشكيلات الدفاع”. وكانت انتشرت مقاطع مصورة تداولها ناشطون، تظهر عمليات إعدام ميدانية بحق أشخاص غير مسلحين من جانب أشخاص يشتبه بانتمائهم لقوات الحكومة السورية من جيش أو أمن داخلي أو مجموعات عشائرية موالية.
وبدأت أحداث السويداء الدامية بعمليات اختطاف متبادلة بين فصائل محلية في السويداء، وعشائر من البدو، ما دفع القوات الحكومية للتدخل في 14 يوليو الماضي، والتي تصدت لها الفصائل المحلية بعد ورود أنباء عن انتهاكات من قبل القوات الحكومية. وبحسب تقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” الشهري، أمس، فقد أسفرت هذه الأحداث عن “مقتل 1013 سورياً، مدنيين وعسكريين من مختلف الأطراف”، وذلك “خلال الفترة الممتدة من 13 تموز 2025 وحتى تاريخ نشر هذا التقرير”. وأضاف التقرير أن من بين هؤلاء “تم توثيق 26 طفلاً و47 سيدة، إضافة إلى 6 من الكوادر الطبية (بينهم 3 سيدات)، و3 من الكوادر الإعلامية”، فيما “أسفرت أعمال العنف عن إصابة ما لا يقل عن 986 شخصاً بجراح متفاوتة الخطورة من مختلف الأطراف”.