Skip to content
أغسطس 2, 2025
  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
Video
  • Home
  • الجوعُ بين غرائزيةِ الأمْعاء ورِفْعةِ الإِباء….محمد جميل خضر….المصدر :ضفة ثالثة
  • مقالات رأي

الجوعُ بين غرائزيةِ الأمْعاء ورِفْعةِ الإِباء….محمد جميل خضر….المصدر :ضفة ثالثة

khalil المحرر أغسطس 2, 2025

في مستهلِّ روايةِ “جوع” للمصري محمد البساطي، عبارةُ “ادخلوها بسلامٍ آمنين”. فهل هي، في حالة جوعِ أطفال غزّة، ما يقوله الحكّام الخونة للعدوّ الصهيونيّ؟ الآن وقد قتلتم الشجاعةَ المقاوِمةَ بالتّجويع: ادخلوها بسلامٍ آمنين؟ أم لعلها عبارة على باب الجنّة للصابرين المعذَّبين المجوَّعين من أهلِ غزّة: ادخلوها بسلامٍ آمنين؟
استخدام العدوّ الصهيونيّ للتجويع بوصفه سلاحًا يفرض مروحةً من أسئلة الوجود المتنقّلة بلا حدود؛ ويضع المنظومة الدولية أمام استحقاقات ومحددات تبناها العالم المنتصر في الحرب العالمية الثانية بعدما ضمن هزيمة النازية والفاشية إلى غير رجعة، هزيمة ماحقة لا لُبس فيها، فأراد (هذا الغرب المنتصر المدّعي) أن يرتقي بقيم الحياة فوق كوكب الأرض، ويُشرْعِن تفوقه بإفرادِهِ مساحةً لا بأس بها لقوانين دولية وإنسانية على الجهات المُتنازعة أن تحْتكم لَها وتلْتزم بِها وَتضعها في حساباتِها بقدرِ ما تضعُ في حساباتِها اعتباراتِ الربحِ والخسارَة! وفق هذه المعطيات فقد تراجع سلاح التجويع بعد الحرب العالمية الثانية التي شهدت عددًا من الحصارات والتجْويعات المهُولة المُفزعة (حصار لينينغراد، على سبيل المثال، وتجويع أهلها ما نتج عنه موت مليون من أبناء المدينة)، ومن يدري فلعلنا لو لم نشهد ونتابع حصار سراييفو الذي طال وامتد لعدةِ سنواتٍ متواصلةٍ (من عام 1992، إلى عام 1996)، لما كنّا مضطرين اليوم للحديث عن أي حصار أو تجويع باستثناء ما يقوم به العدو الغاشم بحقِّ أطفال غزّة الصابرين المحتسِبين المجوّعين تحت نظر أهلهم في (بلاد العُرْب أوطاني) وصمتهِم وخذلانهِم، وربما، من يدري، مباركتهِم في حالاتٍ وإحالاتٍ بعينِها؟
ولكن، لماذا التجْويع على وجه الخصوص؟ سؤالٌ يتجوّل هذه الأيام من أقصى مشارقِ الأرض حتى أبعد استعمار في مغارِبها، ومن أعالي شمالِها حتى أدنى بُقعةٍ في جنوبِها. في سياقِ محاولاتِ الإجابة عنه، فإن أول ما يحضرني هو أن العدو لا يتقصّد شكلًا محددًا من أشكال قتلنا (قتْل الفلسطينيّ على وجه الخصوص، والعربيّ على وجه العموم، والمسلم في مدى أبعد قليلًا)، هو، في الأساس، يتقصّد فناءنا، جميعنا، فإن تحقق ذلك بالتجويعِ والتعطيشِ فليكن، أو تحقق بالقصف العشوائي فلا بأس، أو تحقق بقتْلِ طالبي الطعام الراكضين نحو أي فرصة يُطعمون عبْرها أولادهم الجوعى فـ(خير وبركة)، المهم أن يموت أكبر عددٍ منّا، هذا ليس طموح يمينهم المتطرّف كما يظنّ الآثمون من الذين لا يحلّلون ولا يحرّمون (تعليقًا على من يصفون أنفسهم بالمحلّلين والخبراء ويدوّخوننا على امتداد الشاشات جميعها)، بل هو طموحهم جميعهم، أما من آذته منهم طموحاتٌ مجرمةٌ إلى هذا القدر من الوضاعةِ والبشاعةِ والصفاقةِ فقد غادر بلادَنا فلسطين من زمان، ولم يعد منهم، ولم يعُد أفراد العصابة في فلسطين يمثّلونه.
بعد تأكيد هذه الحقيقة حول جُرْميةِ العدوّ الذي يواجهه شعبنا الفلسطينيّ، وخسّته، وجُبنَهُ الموثّق اليوم صوتًا وصورةً، وهو ما تؤكده تصريحات وزراء في حكومة القتل المدججة بالحقد والكراهية والعماء والخرافة، وما تعززه أفعال فوق أرض الواقع، فإن من أسباب اعتماد التجويع كسلاحٍ، باعتقادي، إذلال أهل غزّة بعدما أذاقوا العدوَّ ما أذاقوه من هزائم ونكساتٍ، وبعدما أظهروه من رباطةِ جأشٍ وصبرٍ واحتسابٍ وصمودٍ وتماسكِ نسيجٍ اجتماعيٍّ. وربما أرادَ أهلنا هناك أن ينتقلوا من رُقيّ فكرة المقاومة، ورفعةِ إباءِ التحدّي، إلى غرائزيةِ البحث عن لقيماتِ بطونٍ وكسيراتِ بقاءٍ، كما لو أنّ هذه الدافعية تُدين المجوَّع ولا تُدين المجوِّع (بالفتحةِ فوق الواوِ المشدّدةِ في الأولى، والكسرةِ فوقَها في الثانية)! ودائمًا في سياق أسباب استخدام التجويع سلاحًا، يرى مراقبون أن استهداف طوابير المساعدات يخدم أغراضًا عسكرية ونفسية لـ(إسرائيل)، أبرزها: 1- ترهيبُ السكّان، و2- منْعُ التجمّعات، و3- إذلالُ الناس، و4- ربطُ البقاء بقبولِ شروطِ الاحتلال، و5- تفكيكُ التّضامن الداخليّ، و6- تحويلُ الغِذاء إلى أداةِ تحكُّم.
على كل حال حصار شعب غزّة لم يبدأ منذ شهرين فقط، هو حصارٌ ممتد منذ عشرات السنين، والتجويع بوصفه سلاحًا حقيقةٌ يواجهها الناس هناك بمختلف شرائحِهم منذ مغادرة العدو للقطاع في عام 2005. وحديثًا، ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أي بعد إعلان المقاومة انطلاق “طوفان الأقصى”، يتعرّض قطاعُ غزّة إلى واحدةٍ من أقسى حملات الحصار والتجويع الجماعي في العصر الحديث، بحسب توصيف منظمة العفو الدولية التي أصدرت بيانًا بتاريخ 12 آذار/ مارس 2024، قالت فيه: “تستخدم إسرائيل التجويع سلاحَ حربٍ بشكلٍ مُمَنْهَجٍ، وهو انتهاكٌ خطيرٌ للقانون الدوليّ الإنسانيّ وجريمةُ حربٍ موثّقة”. الشاعر الزميل حسين جلعاد يستشهد في تقريرٍ له نشره على موقع “الجزيرة نت” بتصريح للباحثِ في القانون الدولي مايكل لينك، المقرر الأمميّ السابق لفلسطين، أدلى به خلال مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة الإنكليزية، يقول فيه: “حين يُقتل الناس وهم يركضون وراء شاحنة طحين، فهذه ليست حالة فوضى، بل سياسةٌ ممنهجةٌ تسعى إلى إذلال الإنسان الفلسطيني وطمس كرامتِه”.

 

ملصق الفيلم التايلاندي

إن تبنّي العدو الصهيونيّ سياسة العقاب الجماعي بحق أهل غزّة، يعرّي مجمل المنظومة الدولية، خصوصًا الغربية منها، إذ لولا استفادةِ العدوّ المجرم من الحصانة الدولية والدعم السياسي والعسكري من الولايات المتحدة ودول غربية كثيرة، لَما تعزّز في قناعاتها المريضة كل هذا الشعور (المطمئنّ) بالإفلات من العقاب. على أن الطمأنينة الحقيقية جانبت عدوّنا الغاشم من زمان، من يوم قرّر كبير مجرميه مواصلة الحرب على جبهات (الأمّة) كافّة. ومنذ أن أوهمته قدراته الجويّة العدوانيّة أن الحروب يمكن أن تُحسم من السماء. على كل حال هي يمكن أن تُحسم من السماء، ولكن ليس من سماء الطائرات، ولكن من سماء الذي إن أراد أمرًا فإنما يقول له كن فيكون. أما متى يمكن أن يفعل الله ذلك فهو الأعلم، والأحكم، والأقدر، ولنا في سورة الكهف دلالة، لا بل دلالات.

“إن تبنّي العدو الصهيونيّ سياسة العقاب الجماعي بحق أهل غزّة، يعرّي مجمل المنظومة الدولية، إذ لولا الحصانة والدعم الغربي، لَما تعزّز شعوره بالإفلات من العقاب”

 

لا أدري لماذا قوّست مفردة (الأمّة)؟ هل عنديَ شكٌّ أننا نمثّل أمّة؟ هل باتت مفاهيم من قبيل الأمّة والقوميّة لا تجدي هذه الأيام نفعًا إنْ لم تترافق مع معطيات على الأرض تمنح هذه الروابط الكبرى (أو التي كانت كبرى) قيمة؟ حيث أن المنطق الحسابيّ البسيط يفرض أن يتجنّب الجميع موضعَ الصّفر على يسار الرقم. إنه المنطق نفسه الذي يخلُص إلى أن المحتوى في ألف وباء وجيم يأخذنا إلى نتيجةٍ تسلسليةٍ واحدةٍ مفادُها أن الثور مهما كان لونه ليس بمأمَنٍ إن كان العدو يرانا جميعَنا حشرات غير نافعة (مع احترامي للحشرات جميعِها نافِعها وضارِّها).
تقول الباحثة في معهد الدراسات الدولية في جنيف، إليزابيث بروسيت: “إن الغذاء الذي يُمنح ضمن شروط الاحتلال بات رمزًا لانهيار النظام الأخلاقيِّ العالميّ، و(إسرائيل) تستغلّ هذا الانهيار لفرض شروط استسلامٍ جماعيّ”.

تجليّات الجوع…
قد يلحظ القارئ تناقضًا بين مفردة “الجوع” ومفردة “تجليّات”، على أنني تقصّدتُ الجمعَ بين المفردتيْن لاعتباراتٍ كثيرةٍ ليس أوّلها أن كتاب “الجوع” لأبي بكر عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا المتوفى في عام 281 هجرية، يرتقي بوصفه تمجيدًا بليغًا بمآثر عدم الشبع (وبالتالي، إن بالغنا قليلًا، مآثر الجوع)، وفضائلهُ وارتباطه المباشر برقّة النفسِ، وتشْذيبها، وتعزّزها، وتعفّفها، وزهدِها، وتعمّقِ إيمانِها، وصفاءِ فكرِها، ولا آخرها أن الجوع في غزّة، وعلى عكس ما أريد له عزّز من تكافلِ أحبّتنا هناك، وَأعادهم إلى بوصلتهم الأنقى أن من يفعل كل هذا بِهم هو عدوّهم الصهيونيّ المشترك وليس (أخطاء مقاومتهم) كما حاول بعض المجنّدين (أصحاب الأجندات) إيهامَهم وما تزال شرذمةٌ مارقةٌ منهم تحاول دونَ كللٍ أو مَلل، فَواعجبي كيف يستعذب أشقياء الخيانةَ على خساراتها، ويديرون الظهرَ للشرفِ على كل ما فيه من عزّةٍ وربحٍ وراحةٍ وتفوّقٍ وَمعنى. هذا لا يعني أنني أدعو إلى مزيد من تجويع أحبّتنا هناك، بل يعني أن على المتباكين أن لا يغمغموا فلا نفهم إلى أين يريدون المضيَّ بِنا.

الجوع في السينما…
في سياق تجليات الجوع أنتجت السينما العربية والعالمية عددًا من الأفلام التي دار موضوعها حول الجوع، وحول تداعياته. ولعل فيلم “الجوع” للمصري علي بدرخان يشكّل أنموذجًا لِكيف كانت عليه أحوال مصر في نهايات القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين، وكيف كان الناس يحْتكمون لمنطقيْن لا ثالث لهما؛ إما منطق البلطجة التي تعتدي على الناس وتفرض عليهم الأَتاوات الجائرة، وتسْتقوي على ضعفهِم وتستبيحُ تشرذمَهم، وتغتال كراماتِهم، أو منطق الفتوة التي تدافع عن هؤلاء الضعفاء وتواجه البلطجة، ولكنها لا تفعل هذا من دون مقابل، فالفتوّة هو، في نهاية المطاف، رجل يريد أن يأكل وينفق على أهل بيته، وما إلى ذلك، لذا يقترح الفيلم منطقًا ثالثًا بالغ الحكمة عميق الدلالات: أن يدافع الناس جميعُهم عن حقوقهِم وأنفسهِم ومكتسباتِهم ومحلاتِهم وأرزاقِهم. اللافت في فيلم “الجوع” الذي أدى دوريّ البطولة فيه عبد العزيز مخيون وسعاد حسني هو ربطُهُ بين الجوع وبينَ الخوف، وهما اللذان ما انْفكّت وشائج ارتباطهما على مرّ الدهور. حيث يظهر واضحًا في الفيلم أن الجوع هو أحد تداعيات الخوف، وأن الخوف يفضي مع تكرّسه للجوع… علاقة جدلية متبادلة. وفي محكمِ كتاب الله ربطٌ في غير سورةٍ وآيةٍ بين هاتيْن المعضلتيْن الإنسانيّتيْن: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (سورة البقرة، آية: 155). وهو ما تكرر في آية: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (سورة النحل، آية: 112). وفي سورة “قريش” يورد الله ما جاد به على قبيلة قريش عندما أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف: ﴿لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ ﴿1﴾ إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ ﴿2﴾ فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ ﴿3﴾ ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ ﴿4﴾﴾. إنه فيلمٌ عن الفرق بين الفتونة والبلطجة… عن عوض الجبالي وأدهم الشرقاوي… عن أن الجوع ليس للطعام فقط ولِما يسدّ الرمق… بل هناك جوعٌ للجنس… والعاطِفة… والمُواساة… والمُشاركة… وجبْر الخواطر… وجوعٌ للعدلِ والمساواةِ… إلى ذلك، يربط الفيلم بين الجوع ومصادر المياه وموائل الزرع… فحين كان لا يفيض النيل، على سبيل المثال، كما ينبغي، كان يجوع الناس… وحين يسْتفحل القحْط فوق أرضٍ يعمُّ الجوع… وحين يسْتشري الظلم يصبح الجوع تحصيل حاصل.

 

الجوع في الأمعاء والحزن في العيون

وبالاسم نفسه “الجوع” عُرِض في عام 2008، فيلمٌ إيرلنديٌّ مستندٌ إلى أحداثٍ واقعيةٍ حقيقيةٍ تاريخيةٍ حدثت في عام 1981، عندما أضرب ناشطون ومعارضون سياسيون عن الطعام في أحد سجون النظام الحاكم. في الفيلم يعمّق المخرج ستيف ماكوين (بالتنسيق مع الكاتب إندا والش) من التناقضات الجذرية بين الحاكم والمحكوم، بين السلطة والشعب، بين القوة الباطِشة والإرادةِ المتحدّية. وبالاسم نفسه، أيضًا، وأيضًا “الجوع”، يطرح الفيلم التايلاندي أفكارًا وتحدياتٍ وأسئلةً وجوديةً وفلسفيةً مُلحّةً. في الفيلم تضطرّ فتاةٌ فقيرةٌ للبحث عن ذاتها خارج أحياء بانكوك الفقيرة، ميممةً وجهَها صوبَ أحد أشهر الطهاة في المدينة، لتتعلم على يديه حرفة الطّهْي وفنونَه وآدابَ تقديم الطعام، وحينما نجحت وتميزت، بل وتفوّقت عليه، شعرت بأن هناك أشياء أهم من الجوع للشهرة لا يمكنها أن تتوافر في أوساط الأثرياء والمتْرفين والمشهورين.
لا يبتعد الفيلم الأميركي “قائمة الطعام” The Menu (2022) عن محور العلاقة بين الشبع والغرائز، بين الشراهة والخطيئة. في الفيلم يتبيّن أن قائمة الطعام التي أعدّها الشيف كأنها جزءٌ من رحلة دانتي أليغري في المَطهَر داخل ملحمته الشهيرة “الكوميديا الإلهية”. ففي الجحيم، الذي شبهه مخرج الفيلم ومؤلفوه بحياتنا المعاصرة، دان دانتي كل هؤلاء الذين فقدوا القدرة على التفكير والإدراك والفهم، وكل أولئك الذين تآكلت قلوبهم نتيجة الحسد والبخل والطمع والجشع، لقد سقط كل هؤلاء في الجحيم، وكذلك سقطوا من حساب مؤلفي فيلم “قائمة الطعام”، وبقيت النخبة مُمثَّلة في أولئك القادرين على الإدراك والفهم الذين اختاروا الخيانة أو الكذب أو الغش مع إدراكهم ذلك، وساروا وراء الغرور والشهرة والهوس بغرائزهم وذواتهم، وهؤلاء هم الذين أتى بهم “الشيف” كي يطهّرهم ويطهّر المجتمع منهم، كما أتى دانتي بنظرائهم إلى جزيرة المَطهَر في ملحمته. إن الشراهة هي إحدى الخطايا في فيلم “سبعة” Seven (1995) الذي أبدع فيه براد بيت ومورغان فريمان أداءً وتشظيًا وربطًا بين القيم العليا والزهد والتعفّف والقناعة. حتى في الفيلم الإسباني “المنصّة” (2019)، فإن الصراع على مخصصات الطعام المحدودة التي تصل إلى طوابق السجناء في الشريط، تكشف عن غرائزيةِ الجوع وغرائزيةِ المُنعكسات الإنسانية واللا/إنسانية المرتبطة به.

هَوَس الجوع…

وعلى سيرة المُنعكسات والتّداعيات التي قد تصل إلى حدود اللاتوقّع كما حدث مع ركاب الطائرة الكولومبية المنكوبة التي سقطت في جبال الأنديز وبقيت مفقودة 72 يومًا، عندما أكلوا لحم من مات منهم، فأذكر خلال خدمتي العسكرية الإلزاميّة ما بين عام 1986، وعام 1988، أن المقدم محمد بيك الطلافحة، قائد كتيبتنا في فترة التدريب في منطقة “خَوْ”، كان يقول لنا إننا قد نأكل لو تم تجويعنا لمدة يوميْن اثنيْن فقط، الخبز العسكريّ الناشف الملقى في حاويات القمامة. الطريف في الموضوع أن محمد بيك كان لديه لازمة (صح شباب) وعلينا أن نجيبه وعددنا في الكتيبة ألف مجنّدٍ (نعم سيدي)، فكان يقول: (الآن صح شباب، نحن الألْف: نعم سيدي، لو جوعناكم يومين، صح شباب، نعم سيدي، وبعدين فلتناكم، صح شباب، نعم سيدي، رح تهجموا، صح شباب، نعم سيدي، على الخبز الناشف في الحاويات، صح شباب، نعم سيدي). ولاحظوا مفردة (فلتناكم) وبلاغة تشبيهها للجوعى الذين قد يتحوّلون في لحظة جوعٍ كافرةٍ إلى قطيعٍ هائجٍ من كائناتِ الغرائز. على كل حال أعلن الراحل زياد الرحباني ذات بوح أن الجوع هو الكافر وليس صاحبنا المشاكس زياد: “أنا مش كافر بس الجوع كافر… أنا مش كافر بس المرض كافر… أنا مش كافر بس الفقر كافر والذلّ كافر… أنا مش كافر… لكن شو بعملِّك إذا اجتمعوا فيّي كل الإشيا الكافرين”.

الجوع في عيونهم…

ذاتَ مرّةٍ صرخ الأديب والناشط الأميركي من أصل أفريقيّ لانغستون هيوز (1901-1967) معريًا النفاق الامبرياليّ الغربيّ جميعه: “لقد رأيتُ الجياعَ في الشوارع، والخبز في النوافذ المغلقة، رأيتُ القلوب تموت قبل الأجساد”. وذات مرّة ثانية رأى الأديب الإنكليزي جورج أورويل (1903-1950) أن الجوع ليس مجرّد “حالة بيولوجية، تُشعر الإنسان بالضعف، بل هو أداة قمع سياسي واجتماعي، قادرة على تدمير الفكر الحر، وتقييد إرادة الإنسان. عندما يتعرّض الإنسان للجوع، يصبح عقله مهووسًا بالحصول على لقمة العيش، مما يمنعه من التفكير في أي شيء آخر، كالتعليم، أو الحرية، أو حتى الكرامة”. بدوره صرخ ذات وجعٍ الشاعر العراقي المخضرم محمد مهدي الجواهري طالبًا من الجياع النوم (لا أدري لماذا): “نامي جياعَ الشعب نامي… حرستكِ آلهةُ الطعامِ”. أما مواطنه بدر شاكر السيّاب فإن الجياعَ والعُراةَ يشغلون بالَه في قصيدتهِ الأشهر “أنشودة المطر”:
“في كلّ قطرةٍ من المطر
حمراءُ أو صفراءُ من أجنّة الزهر
وكلّ دمعةٍ من الجياعِ والعُراة
وكلّ قطرةٍ تُراقُ من دمِ العبيد
فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد
أو حلمةٌ تورّدتْ على فمِ الوليد
في عالمِ الغدِ الفتيّ واهبِ الحياة
مطرٌ مطرٌ مطَر
سيعشبُ العراقُ بِالمطر”.

“الجوع ليس مجرّد حالة بيولوجية، بل أداة قمع سياسي قادرة على تدمير الفكر الحر وتقييد إرادة الإنسان، فالعقل المهووس بلقمة العيش لا يفكر في الحرية أو الكرامة”

 

عن مدن الموت والجوع يتحدث الشاعر الأميركي ت. س. إليوت (1888-1965) في ديوانه الأشهر “الأرض اليباب”: “في مدينة الموت، الجياع يسيرون بأعينٍ مُنطفئة، يبحثون عن كسرةٍ من الماضي”. أما الشاعر الإسباني بابلو نيرودا فيرى، من جهته، أن الجوع “ليس له صوت”، لكنه “يقرع أبواب القلب، حتى ينْكسر”.
الجوع في عيون الفنان التشكيلي المصري عبد الهادي الجزّار (1925-1966) تجلّى في لوحته الشهيرة “الجوع”، بوصفه منعكسًا عميقًا لعديد القضايا الاجتماعية والإنسانية المُلحّة، وفقَ منظورٍ ماركسيٍّ يسلّط الضوء على السياقات الاقتصادية والاجتماعية المعَبَّر عنها في العمل الفني. في اللوحة الأيقونة يستخدم الجزّار الألوان القاتمة والتشكيلات التعبيرية لنقل الصراع الطبقي والتعاسة التي يعيشها الفقراء. كما تعبّر الشخصيات في اللوحة عن الهموم والآلام الناجمة عن الفقر والجوع، مما يعكس حالة الاغْتراب الذي يشعر به الضعفاء في مواجهةِ قسوة الحياة. الجزّار هنا لا يمثّل فقط معاناة الفرد، بل يعكس أيضًا تلك الضغوط الهيْكلية التي يسهم النظام الاجتماعي والاقتصادي في تعميقها.

الأمعاء الخاوية…

كما في رواية البساطي “جوع” التي جاء استهلالُنا بِها، ورواية “الجوع” للنرويجي كنوت همسون (1859-1952) صاحب نوبل في عام 1920، وفي عديد الأعمال الأدبية والفنية والدراسات الإنسانية، فإن معاينةَ كيف تسير حياة الناس بأمعاءٍ خاوية شغلت بالَ المبدعين والباحثين والسياسيين. في رواية “الجوع” وخلال رصده يوميات بطل الرواية الذي لا نكاد نعثر له على اسم وهو في كل مرّة يدّعي اسمًا له غير اسمه الحقيقي، إما خجلًا من فقره، أو هروبًا من استحقاقات لحظاتِ جوعِه، يدين همسون “الحضارة المادية” وجميع مظاهرها التي “لوثت الحياة الإنسانية” وجعلتها “غير محتملة”.

 

سلاح التجويع الوضيع

يحاول بطل الرواية الكاتب الصحافيّ الحفاظ على كرامته حتى آخر رمق، ويحاول أن يصمد أمام حاجته الماسة للطعام التي كانت تبدو كما لو أنها حاجة حيوانية، ويحاول، أيضًا، وأيضًا، أن يظلَّ إنسانًا رغم جوعه، فيعطي ما قد يملكه من نقود لأي شخص مَعوز قد يصادفه رغم حاجته الشديدة لهذا المال، والأهم من كل هذا وذاك يحاول أن لا يفقد سويّته وهو يسير في شوارع المدينة بأمعاءٍ خاويةٍ وجيوبٍ فارغةٍ وديونٍ متراكمةٍ وآمالٍ مثقوبَة.
في سياق غير متّصل ولكن التطرق إليه، وبمنتهى الصدق والصراحة، يطيب لي كثيرًا، أصدر همسون عام 1889 كتابًا حمل عنوان “الحياة الثقافية في أميركا الحديثة” ثم نشر في السنة التالية (أي في عام 1890) مقالًا بعنوان: “الحياة اللاواعية للروح” وفي الكتاب المذكور، كما في المقال، هاجم الروائيّ الإنسانيّ بحدّة “المادية الأميركية الصاخبة”.‏ وفي بلاده ألقى العديد من المحاضرات في العاصمة أوسلو، وفي مدن نرويجية كثيرة حول الموضوع نفسه رائيًا أن “المادّيّة الأميركية ضدّ الإنسان وضدّ الطبيعة، وأن الديمقراطية في بلاد العم سام مزيّفة”.
يقولون “مَا قَلَّ طُعْمُ امْرِئٍ قَطُّ إِلَّا رَقَّ قَلْبُهُ، وَنَدِيَتْ عَيْنَاهُ”، وأقول إن أهلَ غزّة أرقُّ الناس قلوبًا، قدوتُهم رسولُهم الذي لم يشبع حتى مرتقى أنفاسِهِ من خبزِ الشعير يومين متتالييْن، يَظَلُّ يَلْتَوِي، مَا عِنْدَهُ مَا يَمْلَأُ بَطْنَهَ مِنَ الدَّقَلِ، وعبرتُهم في عَمْلَقةِ صبرهِم كيف يهزمون بهذا الصبر عدوَّ الله وعدوَّهم، وحكمتُهم أن البَطَنَةَ تقسّي القلب. وفي كتاب “الجوع” الذي سبقت الإشارة إليه يقول الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما: “إِنَّ الْمُؤْمَنَ يتَقَلَّبُ فِي الْيَقِينِ؛ يَكْفِيهِ مَا يَكْفِي الْعُنَيْزَةَ: الْكَفُّ مِنَ التَّمْرِ، وَالشَّرْبَةُ مِنَ الْمَاءِ. (ص145). أما والده علي فيؤكد أنه كان يربط مع رسول الله الحجرَ على بطنه (ص 147)، ولقد رأى الناس الحسن والحسين وهما يَأْكُلَانِ خُبْزًا وَخَلًا وَبَقْلًا (ص 148). فالزهد لا بأس به، أما التجويع فلعنة الله عليه، كما أن ما يحتاجه الكبير لا يشبه ما يحتاجه الصغير، ومشاهد أطفال غزّة الجوْعانين بهياكلهِم العظميّةِ المجروحةِ الفؤاد، تُدمي قلوب الحياة، وتُغرق البشريةَ بعارٍ لا قرارةَ لَه.

 

About the Author

khalil المحرر

Administrator

Author's website Author's posts

Continue Reading

Previous: لجنة التحقيق الحكومية في أحداث السويداء: تساؤلات حول الاستقلالية والحيادية تقارير عربية دمشق عدنان علي….المصدر :العربي الجديد
Next: رحلة في تاريخ الشوارب … سوسن جميل حسن………المصدر :ضفة ثالثة

Related Stories

  • مقالات رأي

ترسانة «حزب الله» العسكرية تتآكل مع خروجه من حدود جنوب لبنان.بيروت المصدر: الشرق الأوسط.

khalil المحرر أغسطس 2, 2025
  • مقالات رأي

إبادة جوّالة من الساحل إلى السويداء هل هذا القتل الجماعي حدث أم نمط؟ ياسين الحاج صالح..المصدر :موقع الجمهورية .نت

khalil المحرر أغسطس 2, 2025
  • مقالات رأي

ما تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على عشرات الدول؟ عاطف عبد الحميدالمصدر :موقع البي بي سي

khalil المحرر أغسطس 2, 2025

Recent Posts

  • «غرفة عمليات» لدروز إسرائيل لمساعدة أبناء طائفتهم في سوريا………تل أبيب المصدر: الشرق الأوسط
  • ضغوط على بوتين وتحريك لـ«غواصات نووية»… ماذا وراء تحذير ترمب المزدوج؟ واشنطن المصدر:الشرق الأوسط
  • ترسانة «حزب الله» العسكرية تتآكل مع خروجه من حدود جنوب لبنان.بيروت المصدر: الشرق الأوسط.
  • إبادة جوّالة من الساحل إلى السويداء هل هذا القتل الجماعي حدث أم نمط؟ ياسين الحاج صالح..المصدر :موقع الجمهورية .نت
  • إيران: السلطات تقطع أصابع ثلاثة سجناء، ما يشكّل تعذيبا ينبغي محاسبة المسؤولين جنائيا  مركز عدل لحقوق الإنسان..المصدر: موقع المنظمة

Recent Comments

  1. Boyarka-Inform.Com على قمة دولية في مصر حول القضية الفلسطينية السبت. الشرق الاوسط

Archives

  • أغسطس 2025
  • يوليو 2025
  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • «غرفة عمليات» لدروز إسرائيل لمساعدة أبناء طائفتهم في سوريا………تل أبيب المصدر: الشرق الأوسط
  • ضغوط على بوتين وتحريك لـ«غواصات نووية»… ماذا وراء تحذير ترمب المزدوج؟ واشنطن المصدر:الشرق الأوسط
  • ترسانة «حزب الله» العسكرية تتآكل مع خروجه من حدود جنوب لبنان.بيروت المصدر: الشرق الأوسط.
  • إبادة جوّالة من الساحل إلى السويداء هل هذا القتل الجماعي حدث أم نمط؟ ياسين الحاج صالح..المصدر :موقع الجمهورية .نت
  • إيران: السلطات تقطع أصابع ثلاثة سجناء، ما يشكّل تعذيبا ينبغي محاسبة المسؤولين جنائيا  مركز عدل لحقوق الإنسان..المصدر: موقع المنظمة

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

You may have missed

  • الأخبار

«غرفة عمليات» لدروز إسرائيل لمساعدة أبناء طائفتهم في سوريا………تل أبيب المصدر: الشرق الأوسط

khalil المحرر أغسطس 2, 2025
  • الأخبار

ضغوط على بوتين وتحريك لـ«غواصات نووية»… ماذا وراء تحذير ترمب المزدوج؟ واشنطن المصدر:الشرق الأوسط

khalil المحرر أغسطس 2, 2025
  • مقالات رأي

ترسانة «حزب الله» العسكرية تتآكل مع خروجه من حدود جنوب لبنان.بيروت المصدر: الشرق الأوسط.

khalil المحرر أغسطس 2, 2025
  • مقالات رأي

إبادة جوّالة من الساحل إلى السويداء هل هذا القتل الجماعي حدث أم نمط؟ ياسين الحاج صالح..المصدر :موقع الجمهورية .نت

khalil المحرر أغسطس 2, 2025
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.