جوناثان باول، الذي عينه رئيس الوزراء السير كير ستارمر، مستشارا جديدا للأمن القومي في المملكة المتحدة في نوفمبر/تشرين الأول 2024، هو أحد الشخصيات البارزة من عهد رئيس الوزراء الأسبق توني بلير، الذي تولى مناصب رئيسة في حكومة “حزب العمال”. شغل باول منصب كبير موظفي مكتب رئيس الوزراء، في عهد بلير بين عامي 1997 و2007، ما جعله المساعد الأطول خدمة لبلير. ومن بين الشخصيات البارزة التي شغلت مناصب هامة في تلك الحقبة بيتر ماندلسون، الذي تولى عدة مناصب وزارية في عهد بلير، ويشغل حاليا منصب سفير المملكة المتحدة لدى الولايات المتحدة.
يعد منصب مستشار الأمن القومي في المملكة المتحدة حديث العهد نسبيا، وكان جميع شاغلي هذا المنصب منذ إنشائه في عام 2010 من الموظفين الحكوميين المحترفين.
إن تعيين باول في هذا المنصب، بعد عمله كمساعد رئيس سابق لبلير، إلى جانب خبرته في التفاوض، على اتفاق السلام مع أيرلندا الشمالية والمسمى “اتفاق الجمعة العظيمة” يعني أن دوره الجديد يعتبر تعيينا سياسيا.
وسارع نواب “حزب المحافظين” المعارض، مع عدد من المنتقدين، إلى تسليط الضوء على هذا التطور الجديد داخل البنية الأساسية للأمن القومي في المملكة المتحدة، إضافة إلى انتقادهم اللاذع لدور باول في الصفقة الأخيرة التي أبرمت في سبتمبر/أيلول 2024 وأسفرت عن تخلي المملكة المتحدة عن سيادتها، على جزر تشاغوس إلى موريشيوس، في خطوة مثيرة للجدل، نظرا لأن الجزر هي موقع القاعدة العسكرية الأميركية فائقة السرية دييغو غارسيا.
بعد مغادرته الحكومة عمل باول، المولود في عام 1956، في شركة “مورغان ستانلي”، وأسس لاحقا في عام 2011، منظمة “إنترميدييت” غير الحكومية، للتفاوض من أجل إحلال السلام، موظفا خبرته كمفاوض بريطاني رئيس في المحادثات، التي أفضت إلى اتفاق الجمعة العظيمة في عام 1998، للعمل في مجال حل النزاعات المعقدة، حيث تولى مهمة مبعوث خاص للمملكة المتحدة إلى ليبيا عام 2014 في عهد ديفيد كاميرون.
يعد مستشار الأمن القومي، هو المستشار الرسمي الرئيس لكل من رئيس الوزراء ومجلس الوزراء في شؤون الأمن القومي، وتشمل مسؤولياته تقديم المشورة لرئيس الوزراء، ومجلس الوزراء في الأمور المتعلقة بالأمن القومي، وله دور كبير في صياغة وتنسيق السياسات والاستراتيجيات، وإدارة الأزمات، وتحديد القدرات لمواجهة التهديدات المختلفة والطوارئ المدنية.
تغطي المهام الأخرى لمستشار الأمن القومي، طيفا واسعا من الأعمال، يأتي في مقدمتها العمل كأمين عام لمجلس الأمن القومي، وقيادة وإدارة فرق الأمن القومي في مكتب مجلس الوزراء، وجمع دوائر المسؤولين عن الأمن القومي الأوسع في شارع وايت هول، حيث تجتمع معظم الدوائر الحكومية الرئيسة، وتجميع شبكة المملكة المتحدة الخارجية، وتنمية شبكة من أصحاب المصلحة الدوليين والحفاظ عليها، إلى جانب الاتصال مع النظراء، ذوي الصلة والشركات والصناعيين ومجموعات المجتمع المدني.
تلقى باول تعليمه في مدرسة جوقة الكاتدرائية، ومدرسة الملك في كانتربري. وهو الشقيق الأصغر للورد تشارلز باول، الذي كان المستشار الرئيس لمارغريت تاتشر
تلقى باول تعليمه في مدرسة جوقة الكاتدرائية، ومدرسة الملك في كانتربري. وهو الشقيق الأصغر للورد تشارلز باول، الذي كان المستشار الرئيس لمارغريت تاتشر. درس التاريخ في جامعة أكسفورد وجامعة بنسلفانيا. ثم عمل صحفيا في “هيئة الإذاعة البريطانية” (BBC) وفي تلفزيون غرانادا قبل انضمامه إلى وزارة الخارجية عام 1979، حيث عُين سكرتيرا ثالثا، ثم سكرتيرا ثانيا، في لشبونة عام 1981. ثم عُين في ستوكهولم عام 1986 ثم في فيينا، وفي السفارة البريطانية سكرتيرا أول في واشنطن عام 1991.
وهناك انضم إلى حملة بيل كلينتون الرئاسية كمراقب، ثم قدّم بلير لاحقا إلى كلينتون وفريقه بعد الانتخابات الأميركية. وبعد فترة وجيزة من انتخاب توني بلير زعيما لـ”حزب العمال” عام 1995، طلب من باول أن يصبح رئيسا لمكتبه.
في السنوات الأولى لحكومة بلير، تمثلت إحدى أبرز مهام باول بدوره في محادثات السلام في أيرلندا الشمالية، التي أسفرت عن اتفاق الجمعة العظيمة عام 1998. وفي مارس/آذار 2008، دعا باول إلى تطبيق التكتيكات المستخدمة بنجاح في أيرلندا الشمالية في الحرب على الإرهاب.
وفي الآونة الأخيرة، كان باول هو من التقى برئيس بنغلاديش المؤقت محمد يونس، خلال زيارته الرسمية الأولى للمملكة المتحدة الشهر الماضي. وفي الأسبوع الذي أعلن فيه “حزب العمال الكردستاني التركي” (PKK) عن نيته نزع سلاحه، كان باول موجودا في إسطنبول، حيث التُقطت له صورة مع وفد أوكراني رفيع المستوى، لدى وصوله لإجراء محادثات سلام مع روسيا. وكان قد زار كييف قبل أيام للقاء الرئيس فولوديمير زيلينسكي. وقبيل قمة الأمم المتحدة للسلام التي أُلغيت الآن حول إسرائيل وفلسطين، جرى تكليف باول بمهمة إحاطة أعضاء البرلمان باعتراف المملكة المتحدة المستقبلي بالدولة الفلسطينية.
لعبت منظمة “باول لإحلال السلام” (إنترميدييت)، التي شارك في تأسيسها عام 2011، أدوارا محورية في الوساطة مع “حزب العمال الكردستاني” ومع حكومة المعارضة التي قادها المتمردون في إدلب، قبل الإطاحة بالرئيس بشار الأسد العام الماضي. ويقال إنه هو من أقنع “حزب العمال الكردستاني” بحل نفسه، كما يقال إنه التقى الشرع شخصيا في مايو/أيار 2021 قبل سنوات من توليه منصب رئيس سوريا الجديد.
ويتولى زملاء سابقون مقربون من باول الآن دورا استشاريا في سوريا، في الوقت الذي تخطو فيه الإدارة الوليدة خطواتها الأولى في دمشق، ثمة مزاعم بوجود مكتب تديره منظمة “إنترميدييت” داخل القصر الرئاسي.
في السنوات الأولى لحكومة بلير، تمثلت إحدى أبرز مهام باول بدوره في محادثات السلام في أيرلندا الشمالية التي أسفرت عن “اتفاق الجمعة العظيمة” عام 1998
تعرض “إنترميدييت” باول كشخص بارز على موقعها الإلكتروني، مسلطة الضوء على دوره كأبرز مهندسي اتفاق الجمعة العظيمة في أيرلندا الشمالية، الذي ما زال يلهم عمليات السلام حول العالم. ويذكر الموقع أنه أسس المنظمة بهدف “مشاركة الدروس المستفادة من محادثات السلام في أيرلندا الشمالية، ومساعدة القادة الآخرين على تجاوز معضلات مماثلة”.
ويذكر الموقع أيضا أن باول وظف خبرته “للعب دور جوهري في المزيد من اتفاقيات السلام الناجحة” وفي مقدمتها إنهاء الصراع الباسكي في إسبانيا، والعمل كمستشار سلام للرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، والعمل جنبا إلى جنب مع الرئيس الموزمبيقي فيليبي نيوسي لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد.
غادر باول منظمته الإنسانية بعد عودته إلى الحكومة، ولا يوجد ما يشير إلى مشاركته في “إنترميدييت” منذ ذلك الحين. إن قطع الروابط بمنظمة إنسانية يعني وفق القانون البريطاني أن المدير التنفيذي السابق تخلى عن مهامه كليا.
ومع ذلك، ثمة مخاوف في صفوف “الحزب البرلماني”، ليس بشأن سلطة باول وحسب، ولكن أيضا بخصوص ليز لويد، مديرة تنفيذ السياسات، التي كانت نائبة باول في إدارة بلير. وترددت مزاعم بأنهما يحاولان امتطاء المناصب الجديدة بهدف “الاستيلاء على السلطة” داخل إدارة ستارمر.
ودعا المحافظون إلى إجراء تحقيق برلماني، في سبب منح باول مرتبة المستشار الخاص، بدلا من تعيينه وزاريا بشكل مباشر، الأمر الذي يعني أنه لا يتعين عليه الإجابة أمام البرلمان، بالرغم من دوره في التعامل مباشرة مع الحكومات الأجنبية، والتفاوض على تسليم جزر تشاغوس.
أما أليكس بورغارت، مستشار الظل لدوقية لانكستر، فقد عبر عن استيائه، عندما قال خلال هذا الشهر: “إن عدم القدرة على استجواب مستشار الأمن القومي، بشأن دوره في تسليم تشاغوس أمر مخز بحد ذاته. والأكثر من ذلك، اتضح اليوم أنه يستخدم منظمته الخاصة لفتح قنوات سرية مع الجماعات الإرهابية. لا بد أن يكون البرلمان قادرا على استجوابه حول هذا الأمر. لو لم يكن لدى الحكومة ما تخفيه، لما بذلت كل هذا الجهد لإبعاد باول عن دائرة التدقيق الشفاف الموضوعي والنزيه”.
+ / –
font change
حفظ
شارك