
وسط أجواء من الترقب الحذر، تواصل “لجنة التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية” في البرلمان التركي عقد جلساتها، في مسعىً يهدف إلى معالجة واحدة من أقدم وأعقد القضايا التي تواجه الدولة التركية الحديثة: المسألة الكردية. هذه اللجنة البرلمانية المتعددة الأحزاب، التي يفترض أن تمثل مساحة للحوار البناء، تبدو عاجزة عن تجاوز الإطار النظري إلى مجال الحلول العملية.
فجوة بين المبادئ والتطبيق
رغم المظهر التصالحي الذي تروج له أنقرة، يلاحظ المراقبون أن النقاشات الجانبية داخل أروقة البرلمان وفي وسائل الإعلام، تكشف عن هوة عميقة بين الخطاب الرسمي والممارسة العملية. فبدلاً من التركيز على صلب المشكلة، تتحول المناقشات إلى متاهة من القضايا الثانوية التي تخدم في النهاية تأجيل الحل
تدويل المعضلة المحلية
اللافت في النقاشات الحالية هو محاولة ربط المشكلة الكردية الداخلية بملف الأمن القومي الإقليمي، وتحديداً عبر الربط الممنهج بين مطالب الأكراد في تركيا والوضع في شمال سوريا. فأنقرة تصر على اعتبار “قوات سوريا الديمقراطية” امتداداً لحزب العمال الكردستاني، بينما ترفض الأخيرة هذا الربط وتؤكد على طابعها المحلي المستقل.
هذه المعادلة المقصودة تحوّل النقاش من قضية حقوقية وثقافية داخلية إلى سجال أمني إقليمي معقد، يصعب حسمه في البرلمان، بل يحتاج إلى مفاوضات ودبلوماسية إقليمية واسعة.
استمرار نمط تأجيل الحلول
يبدو أن المشكلة الجوهرية في التعاطي التركي مع القضية الكردية تكمن في هذه الآلية الممنهجة لإنتاج التعقيدات بدلاً حلها. فكلما اقترب المسؤولون من لحظة الحسم، برزت معطيات جديدة تفتح الباب أمام المزيد من التأجيل والإرجاء.
تساؤلات مصيرية
تُطرح في ضوء هذه المعطيات تساؤلات مصيرية: هل تمثل هذه اللجنة البرلمانية محاولة جادة للخروج من المأزق التاريخي؟ أم أنها مجرد أداة لامتصاص الضغوط الداخلية والخارجية؟ وهل يمكن للبرلمان التركي أن يكون فضاءً حقيقياً لحل قضية ظلت لعقود حبيسة الأجهزة الأمنية والعسكرية؟
الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد ليس فقط مصير اللجنة البرلمانية الحالية، ولكن أيضاً مستقبل التعاطي مع القضية الكردية ككل. فالشعب التركي، بأطيافه كافة، لم يعد يقبل بالحلول المؤقتة أو الاقترابات الأمنية البحتة التي أثبتت فشلها الذريع على مدى فترات الماضية
الخيار الوحيد أمام تركيا هو مواجهة جريئة مع الذات، واعتراف صريح بتعقيدات القضية الكردية، وشجاعة سياسية للخروج من النمط التقليدي في التعاطي معها. فقط عندها يمكن الحديث عن حل حقيقي يليق بتاريخ المنطقة وطموحات شعوبها.