على الرغم من ارتفاع منسوب التفاؤل بقرب الاتفاق على صفقة لوقف إطلاق النار في غزة، والبدء بتنفيذ إجراءات لتبادل الأسرى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة، لا يمكن الجزم مسبقاً بأنه سوف يتم إنجاز الاتفاق. فالمسألة أكثر تعقيداً مما يتصور البعض. والاتفاقات التي يروج لها قد تسقط في اللحظات الأخيرة قبل الإعلان عنها. إذاً فإن الحذر واجب، لا سيما أن الفضائل الفلسطينية التي تقاتل تحت قيادة حركة “حماس” في قطاع غزة، تضع شروطاً لإتمام عملية تبادل الأسرى قوامها “وقف شامل للعدوان وانسحاب كامل لقوات الاحتلال من غزة وتأمين الإيواء للنازحين وإعادة الإعمار ورفع الحصار، وأخيراً إنجاز عملية تبادل جديدة للأسرى”.
الشروط المذكورة آنفاً، هي مدخل للتفاوض، وليست محطة نهائية لا تتزحزح عنها الفصائل. ولذلك نتوقع أن تمر العملية التفاوضية بمراحل صعبة ومعقدة، نظراً إلى أن الشروط والشروط المضادة تحتاج إلى المزيد من الضغوط الدولية على الطرفين. لكن ثمة مقاربة غائبة حتى عن الصفقة التي تبقى آنية ويعوزها الأفق السياسي الجدّي. ومن دون عملية سياسية جدية كما يقول رئيس مركز كارنيغي للشرق الأوسط ووزير الخارجية الأردني الأسبق مراون المُعشر: من المستحيل تحقيق تقدم واقعي وعملي لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي نهائياً. وما لم يتم العمل على حل سياسي جدي فسيستمر العنف لسنوات قادمة.
وستبقى كما كانت قبل غزة وبعدها. ومن هنا فإن الحديث عن اليوم التالي في غزة يحتاج إلى التصدي للتحديات الحقيقة والقضايا العميقة في هذا الصراع. ومن الواضح الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل حقيقية لكنها لا تتصل بأساس المشكلة بل بطبيعة مواصلة الحرب إلى حين هزيمة حركة “حماس”. ويخشى المُعشّر من أن انعدام الأفق السياسي الجدي في العمق وليس في الظاهر فقط سيديم الصراع والعنف. فالحديث عن اليوم التالي يقتصر حتى الآن على البحث عن صيغة حكم القطاع في المرحلة التي ستلي انتهاء الحرب، ولا يذهب إلى معالجات بعيدة وحاسمة. وبالتالي فإن ترك الأمور على ما هي عليه الآن سوف يقود إلى استمرار العنف إلى حين قيام استحالتين: استحالة قيام دولة فلسطينية واستحالة الإبقاء على نظام فصل عنصري إلى الأبد. ومن هنا وفي ظل المعطيات الراهنة، فإن المستقبل يبدو لمروان المُعشر قاتماً.
إذاً وبالعودة إلى الصفقة التي يتم الإعداد لها من خلال الوسيط القطري الذي أكد أن إسرائيل و”حماس” وافقتا من حيث المبدأ، يمكن القول إن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً هائلة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل حمله على الموافقة على وقف لإطلاق النار. فالإدارة الأميركية تحتاج إلى البدء في خفض مستوى العنف في القتال الدائر في قطاع غزة. طبعاً لا خلاف جوهرياً بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول الحرب على حركة “حماس” إلى حين إلحاق هزيمة بها، وإخراجها من حكم غزة. الخلاف هو على أسلوب إدارة الحرب وإقرانها أميركياً بـ”جزرة” الاعتراف بمبدأ الاعتراف بدولة ما فلسطينية منزوعة من السلاح مشروطة بجملة من القيود على الحدود، والصلاحيات والاختصاصات. بمعنى آخر، إن واشنطن تريد أن يأتي إخراج “حماس” من غزة متلازماً مع تحديد أفق سياسي يحصن الهدنة الطويلة الأمد. لكن يبقى السؤال الذي يطرح على الدوام: هل المشروع البريطاني، ومعه التلويح الأميركي بالاعتراف بدولة فلسطينية جدّي أم أنه يأتي في سياق كسب الحرب بالوقت والنقاط؟