أيام قليلة بعد إعلان الحشد حالة «الطوارئ»، ظهرت مجموعة تطلق على نفسها «المقاومة الإسلامية في العراق»، قالت إنها ستبدأ عمليات «انتقامية» ضد الأميركيين في العراق وسوريا بعدما تأكد لها «دعمهم للقوات الإسرائيلية في غزة»، وفقاً لبيان باسمها على «تلغرام».

في 17 نوفمبر، أعلنت هذه المجموعة مهاجمة قاعدة «عين الأسد»، غرب بغداد، بطائرتين مسيّرتين. كان هذا أول هجوم، وفقاً لبيانات «المقاومة الإسلامية في العراق»، ارتبط بـ«طوفان الأقصى»، وشيفرة «الاتفاق» التي أطلقها أبو فدك.

بعد هذا الهجوم اختفى أبو فدك تماماً عن مسار الأحداث، رغم أنه تولى بنفسه إعلان الطوارئ، وتصاعدت الأحداث إلى أكثر من 150 هجوماً على قواعد أميركية في العراق وسوريا حتى 29 يناير (كانون الثاني) 2024، اليوم الذي أغلق فيه هذا التحقيق.

وطالت الهجمات قاعدتي «عين الأسد» (ثاني أكبر القواعد الجوية في العراق بعد قاعدة «بلد»)، و«حرير» (استخدمها الأميركيون مدرجاً للطائرات الحربية لمقاتلة تنظيم «داعش» عام 2015 قبل أن تتوسع أكثر بعد عام 2018).

وشملت الضربات أيضاً، قواعد أميركية في سوريا: التنف، حقل العمر، الشدادي، المالكية، الركبان، أبو حجر، تل بيدو، القرية الخضراء، ورميلان.

بيانات «المقاومة الإسلامية في العراق» أظهرت أن ثلث الهجمات من نصيب قاعدتي «عين الأسد» و«حرير» في العراق.

وحَمل الهجوم الأول اسم «الوارثون»، قبل أن تجري منصة «تلغرام» تعديلاً على البيان بوضع عبارة «المقاومة الإسلامية في العراق» ليبقى هذا التوقيع مقترناً بكل الهجمات اللاحقة.

وارتبط «الوارثون» بهجمات ضد الأميركيين قبل «طوفان الأقصى» وكان اسماً حركياً تابعاً لفصائل مسلحة لم تكن تريد الإفصاح عن نفسها بسبب التوازنات السياسية ورفع الحرج عن قوى شيعية لديها التزامات مع الحكومة، وفقاً لقائد محلي في فصيل مسلح شمال بغداد.

واستخدمت «المقاومة» صواريخ محدودة التأثير، محمولة بالمسيّرات، باستثناء هجمات بكثافة نارية أكبر، استخدمت فيها صواريخ بعيدة المدى. لكن ليس على نحو متواتر؛ إذ يفصل بين هجوم قوي وآخر أسابيع، وأحياناً أكثر من شهر.

ومنذ إعلان «الحشد الشعبي» «حالة الطوارئ» لم يقترن اسم هذه الهيئة، التي تقول إنها تعمل تحت غطاء حكومي، بأي من الهجمات ضد الأميركيين فقد تبنت «المقاومة الإسلامية في العراق» تلك الهجمات كلها.

قيل إن هذه المجموعة تتشكل من فصائل مثل «حركة النجباء» و«كتائب حزب الله» و«كتائب سيد الشهداء»، بعدما «رفضت مفاوضات لوقف التصعيد»، بحسب تسريبات نقلتها وسائل إعلام محلية قالت: إنها من مصادر قريبة من تحالف «الإطار التنسيقي» الحاكم.

ويصعب التفريق بين هذا التحالف الذي نجح في تشكيل حكومة برئاسة محمد شياع السوداني في نوفمبر 2022، وبين فصائل شيعية مسلحة.

وتلعب هذه الفصائل دوراً شديد التعقيد والتركيب. فهي تتمتع بنفوذ قوي في «الحشد الشعبي» التي تعمل بغطاء حكومي وتمتلك «حصانة عقائدية»، ولكن من دون أن تسجل حضوراً صريحاً في المؤسسات الحكومية فتظهر بالتالي كمن «لا يملك ما يخسره».

شيعة العراق لتحرير القدس

قبل أسبوعين من ظهور أبو فدك في «إعلان الطوارئ»، كان ضابط عراقي برتبة متوسطة يعمل في استخبارات «الحشد الشعبي» عاد لتوه من سوريا إلى جنوب العراق. في طريق العودة تلقى اتصالاً من ضابط آخر وضعه في «الأجواء الجديدة».

يقول الضابط، الذي طلب إخفاء هويته: إن الفصائل العراقية دخلت حالة الإنذار بشكل ذاتي، من دون توجيه. بدا الأمر «محيراً» كما لو أن «الجميع متعطش لحرب ما» على ما قال؛ «حينها لم نفعل سوى التحشيد في وسائل الإعلام. كان ضرورياً أن نكرّس دور الشيعة العراقيين في تحرير القدس»، يضيف الضابط.

قد تكون مصادفة أن يزور بغداد مسؤولون إيرانيون في الأيام اللاحقة، وبحوزتهم «رسائل مستعجلة» تشبه المزاج الذي بدا سائداً بين أوساط الفصائل، تماماً كما سمع الضابط من زميله خلال الاتصال الهاتفي.

الإيرانيون عقدوا، خلال الأسبوع الأول من «طوفان الأقصى»، اجتماعات منفصلة مع سياسيين من «الإطار التنسيقي» وقادة ميدان في فصائل شيعية مسلحة.

يقول الضابط: «أخبرونا أننا جزء من إيران وقوتها في المنطقة. أنتم اليد الضاربة لحماية التشيع، وحان الوقت ليس لتحرير الأقصى وحسب، بل لحكم دول المنطقة (…) إنه عصركم الذهبي».

وتابع قوله: «تحدث أحد الإيرانيين بحسرة: لو أن طهران في موقع مثل الأنبار (غرب العراق)، لحررنا القدس في أيام معدودة (…) بعد ذلك جُنّ جنون الحاضرين من العراقيين».

الأنبار محافظة لديها حدود مع سوريا، وتضم صحراء تمتد على مساحة مترامية، وكانت على مدار سنوات مسرحاً لأنشطة تنظيم «القاعدة» و«داعش». ومع انتهاء عمليات التحرير عام 2017 زحفت وحدات من «الحشد الشعبي» إلى تلك المناطق بحجة تأمينها ومنع عودة «الإرهابيين»، لكن مستشاراً في حزب «تقدم» السني الذي يقوده رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، يقول: إن «وجود هذه التشكيلات يخدم أجندة سياسية لمنع ممثلي المحافظة من لعب أدوار سياسية قد تثير حفيظة القوى الشيعية»، ويعتقد أن «بقاء هذه القوات قرب الحدود السورية مهم جداً لإيران؛ لضمان الترابط الجغرافي بين مجموعات محور المقاومة».

قبل أن يغادر المسؤولون الإيرانيون العراق كلفوا شخصية «عربية» البقاء هناك والعمل عن قرب مع المجموعات العراقية، ومتابعة تطورات الحرب في غزة. وعلى رغم مقاطعة المعلومات مع مصادر مختلفة، بقي من الصعب تأكيد هوية هذه الشخصية وجنسيتها، سوى أن قادة الفصائل يلقبونه بـ«الحاج» وتحول عملياً إلى مسؤول «غرفة العمليات» في «المقاومة»، وفقاً لقيادات محلية في فصائل شيعية. ومعلوم أن لقب «الحاج» شاع بين أوساط «حزب الله» اللبناني في السنوات الماضية عوضاً عن الرتب العسكرية الصريحة، وتستخدمه وسائل الإعلام المقربة من الحزب حين تأتي على ذِكر المسؤول العسكري البارز في «حزب الله» محمد كوثراني أو غيره من القادة.

ويرجح أن كوثراني يدير العمليات الميدانية للفصائل العراقية الموالية لإيران منذ منتصف 2021. ويقول مسؤول حكومي سابق: إن «حزب الله» اللبناني حل عملياً في محل قاسم سليماني في العراق.

وكان هذا المسؤول يتولى مناصب رفيعة في حكومتي رئيسي الوزراء حيدر العبادي وعادل عبد المهدي، قبل أن يغادر العمل الحكومي مع مجيء رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في 2019.

وقبل إعلان «الحشد الشعبي» حالة الطوارئ، اجتمع «الحاج» مع قادة في «الإطار التنسيقي» والفصائل المسلحة في «مكان آمن» جنوب بغداد، وخرج باتفاق على «مشاغَلة القوات الأميركية بضربات محسوبة في مناطق متعددة»؛ على الأغلب هؤلاء هم أطراف الاتفاق الذي ورد في «شيفرة» أبو فدك بعد أيام قليلة.

تقول قيادات ميدانية من الصف الثاني في فصائل عراقية، نشطت أخيراً في محافظتي الأنبار (غرب) وكركوك (شمال): إن «المجموعات التي كثفت من تحركاتها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كتلة متحركة داخل منظومة واحدة».

وشرح هؤلاء، في مقابلات أجريت معهم نهاية ديسمبر الماضي، بأن «التكتيك الحالي يعتمد على مجموعات قادرة على الحركة المرنة، في تجهيز منصات الصواريخ وإطلاقها خلال وقت قصير».

وبحسب تلك المقابلات، فإن التغييرات التي طرأت خلال الشهرين الأخيرين من عام 2023 كانت تقضي بإعادة الانتشار إلى مواقع جديدة؛ لضمان المسافة المطلوبة لإصابة القواعد العسكرية في أربيل وسوريا.

ومع التقسيم الجغرافي المرن لنقاط الاشتباك وتأمين مساحات الكر والفر، اعتمدت الفصائل «طريقة رشيقة» لتنفيذ الهجمات، هكذا يصفها قائد مجموعة صغيرة في فصيل مسلح، يتمركز منذ 3 أشهر شمال بغداد.

وغالباً ما انخرط المختصون بالحركات المسلحة العراقية في مراقبة هيكلها التنظيمي، واجتهدت دراسات محدودة في اكتشاف عدد المسلحين وطريقة انتشارهم ونوعية سلاحهم وقدراتهم القتالية، لكن يبدو أن عدد المسلحين لم يعد ضرورياً وحاسماً بعد «طوفان الأقصى»؛ حتى «لا يمكن ضرب الفصيل والقضاء عليه (…) باستخدام مجموعات صغيرة لتنفيذ مهمات استراتيجية»، على ما يقول قائد المجموعة.

تقوم فرضية «الترشيق» على توظيف خلايا صغيرة من 4 إلى 6 أشخاص يقومون بتنفيذ ضربة صاروخية. «أجهزة أخرى» في الفصيل تؤمّن الطريق وتختار الموقع وتجهّز السلاح (منصة صواريخ أو طائرة مسيّرة)، وتحدد الإحداثيات، وغالباً ما تحتاج هذه العمليات إلى شاحنة كبيرة للتنقل ترافقها عجلة صغيرة، أو اثنتان، للمراقبة وللحالات الطارئة.

ومن مراجعة بيانات منصة «المقاومة العراقية»، فإن ثلاثة أنواع من الصواريخ فقط تم استخدامها في الهجمات منذ 17 نوفمبر 2023، وجميعها طوّرتها إيران منذ عام 2022.

«الصواريخ لا تملك قدرة تدميرية كبيرة (…) وهذا هو حجم النار المتفق عليه»، يقول قائد المجموعة المحلية.

الدرس السوري

الحال، أن الفصائل العراقية مرّت بمراحل مختلفة من التشكيل وإعادة التشكيل في حين تشكل التجربة السورية الأكثر انفتاحاً في الميدان بسبب طبيعة النزاع السوري. هناك احتاج الإيرانيون إلى نمط أكثر تنظيماً لينخرط في الإمساك بالأرض مع قوات الجيش السوري. ورغم أن فصائل مثل «النجباء» و«كتائب حزب الله» تشكلت في العراق، لكن سوريا هي «أرض النشأة والتأسيس» بالنسبة لكثيرين منهم. فقد تعاظم حضورهم هناك بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا؛ لأن الإيرانيين كانوا يخشون من انشغال الروس عن سوريا.

وفقاً لتعبير المسؤول العراقي، فإن «النموذج السوري المنفتح» (يقصد العمل الميداني كجزء من نظام دمشق) لعمل الفصائل لا يمكن تطبيقه في العراق. هنا، «ثمة التزامات سياسية يفرضها التشابك بين وجهين للسطلة؛ الحكومة والمقاومة».

المسؤول الذي كان مطلعاً على حوارات قادة أحزاب ورؤساء حكومات تتعلق بفهم «تداعيات هذا الاشتباك»، يتصور أن إيران نفسها لم تكن تريد في البداية أن يختلط وجها العراق، الناعم والخشن، كما عبّرت «سوريا الأسد» عن نفسها طوال السنوات الماضية؛ عملياً، فإن «سوريا ليست استثماراً ناجحاً لإيران، على عكس العراق»، كما يقول.

من وصل أولاً؟
السوداني أم «الإطار»؟

حين وصل السوداني إلى أعلى منصب تنفيذي في البلاد، في نوفمبر 2022. كان سياسياً من الصف الثاني في البيئة الشيعية، وبدا أنه طموح جداً، وأظهر مبكراً رغبته في الانعتاق ولو شكلياً من أحزاب الآباء المؤسسين.

أعلن السوداني استقالته من حزب الدعوة الإسلامية وائتلاف دولة القانون، وكلاهما بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. حدث ذلك في 13 ديسمبر 2019. بعد نحو شهرين على اندلاع احتجاج شبابي عارم طالَب بإسقاط النظام الذي تحتكره قوى شيعية، وللتخلص من النفوذ الإيراني.

حينها، أظهر كثيرون ميلاً للاعتقاد بأن السوداني انفك من الحزب الذي يقوده المالكي تحت وطأة القمع الذي تعرّض له مئات المحتجين، وأسفر في النهاية عن مقتل أكثر من 600 شخص وإصابة نحو 20 ألف جريح، وفقاً لتقييمات منظمات معنية بحقوق الإنسان.

جاء السوداني بعد مرحلة متوترة بين الفصائل والحكومة وكان مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء، ومن المفترض أن يساعد تحالف «الإطار التنسيقي» على استعادة النفوذ السياسي والحكومي في العراق بعدما انسحب خصمهم مقتدى الصدر من الحياة السياسية في يونيو (حزيران) 2022.

وتشكّل «الإطار التنسيقي» في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 لتنسيق العمل السياسي، قبل أن يتحول تحالفاً لديه مصلحة في منع التيار الصدري من تشكيل حكومة بمفرده مع السنّة والكرد.

لم تشترك في هذا التحالف قوى شيعية تمتلك أذرعاً مسلحة، أبرزها «حركة النجباء» و«كتائب حزب الله»، كما أنها لا تملك تمثيلاً صريحاً في الحكومة، لكنها نافست على مناصب في جهاز الأمن الوطني والمخابرات، ونشبت خلافات مع الشركاء الشيعة.

«كان قادة الإطار التنسيقي جامحين إلى أبعد الحدود، ليس في إنهاء مرحلة مضطربة بدأت في أكتوبر 2019. بل في تجاوز مقتدى الصدر واستعادة الدولة بالكامل (…) دولة لا تتسع لغيرهم لاحقاً، حتى لو فكر الصدر بالعودة»، يقول قيادي سني شارك في اجتماعات تشكيل الحكومة العراقية أكتوبر 2022.

بهذا المعنى، فإن الحكومة التي تشكلت على نحو سلس وسريع لم تكن مصممة كمشروع سياسي للسوداني، بل لتمكين «الإطار التنسيقي» من استعادة نفوذه، والإيرانيون في صلب هذه التحولات.

السوداني، الذي شكّل بعد فك ارتباطه بنوري المالكي (رئيس الوزراء الأسبق) حزباً أطلق عليه «تيار الفراتين»، حاول العثور على مساحة للمناورة والتحرك في رقعة أكبر يحركها «الإطار التنسيقي».

يصف ثلاثة برلمانيين رئيس الحكومة بأنه «إداري منظم. لديه تقاليد كلاسيكية في العمل الوظيفي، يمثل العراقيين الشيعة الذين يفصلون بين العقائد والمؤسسات، لكن فرصه السياسية محكومة بالتنافس مع قيادات تنظر إليه على أنه مدير جديد لمنزل، لا يملك شبراً فيه».

وصحيح أن السوداني (وُلد 1970) من حزب الدعوة الإسلامية، لكنه لم يغادر العراق طيلة معارضته لنظام صدام حسين، خلافاً لقيادات الحزب في الخارج الذين عملوا في طهران ودمشق ولندن، أمثال نوري المالكي، وعلي الأديب (وزير التعليم الأسبق)، وإبراهيم الجعفري (رئيس وزراء أسبق).

بعد عام 2003، تولت «قيادات الخارج» في حزب الدعوة مناصب رفيعة في الحكومة، وكانت في حاجة إلى «الدعاة» من أبناء الداخل؛ لأن هؤلاء يعرفون البلد وكانوا جزءاً من المجتمع والمؤسسات، إلا أن العلاقة بينهما لم تكن على ما يرام في السنوات اللاحقة، وساهمت في فرز تيارات سياسية جديدة؛ هكذا انسلخ السوداني «الابن» عن «الأب المؤسس».

منح البرلمان العراقي ثقته بأغلبية مريحة لحكومة السوداني في 27 أكتوبر 2022. يومها عقد «الإطار التنسيقي» صفقة سهلة مع شركاء خرجوا للتو محبطين من حليفهم السابق، مقتدى الصدر. لاحقاً، عبّر القيادي السابق في التيار الصدري، بهاء الأعرجي، عن تلك اللحظة الملتبسة، خلال تصريح لتلفزيون محلي، بأن «الشيعة (الإطار التنسيقي) منحوا السنّة رئاسة البرلمان استعطافاً».

عملية إيرانية «خاصة»

يقول المسؤول الحكومي السابق (الذي شغل مناصب بين عامي 2016 و2019): إن لحظة تشكيل الحكومة كانت مركبة ومعقدة رغم التفاؤل الذي سيطر على قوى «التحالف الشيعي»؛ إذ أرادت إيران «حزمة كبيرة من الوظائف والأدوار، منها إخراج الأميركيين دون أضرار على الحكم الشيعي، وغلق بؤر الاحتجاج في الشارع، والسيطرة التامة على المؤسسات وتغيير قواعد اللعب مع الكرد، بينما كان التحالف الشيعي منتشياً بالتخلص من الصدر».

«عملياً، كنا أمام مرحلة متقدمة من النفوذ الإيراني في العراق (…) بدا الأمر مثل إفصاح غير مسبوق عن خطط طهران في بغداد، في الحقيقة لقد علمت لاحقاً أن ما يطلبه الإيرانيون كان (عملية خاصة) تم إطلاقها مع تولي السوداني الحكومة»، يضيف المسؤول العراقي.

بعد أشهر من تشكيل الحكومة، بدأ السوداني يتعرف عن قرب كيف تُلعب أدوار التوازن الحرج.

في 15 يناير 2023 كان منسق مجلس الأمن القومي الأميركي، بريت ماكغورك في مكتب رئيس الوزراء يجري محادثات روتينية في إطار الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين، بعدها بأقل من أسبوع قالت وسائل إعلام موالية لأحزاب شيعية: إن إسماعيل قاآني، قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، زار بغداد أيضاً، والتقى السوداني.

كان بعض قادة الإطار التنسيقي، أمثال هادي العامري (وهو رئيس لحزب «بدر»)، يشنّ حملة ضاغطة على الحكومة لإخراج القوات الأميركية، لكن كثيرين من أعضاء القوى الشيعية كشفوا حينها، عن أن الحكومة توصلت إلى تسوية مع حلفائها بضرورة فرض الهدنة على الفصائل، ما دام يريدون التفاوض مع الأميركيين على الانسحاب.وتناوبت أحزاب شيعية على مطالبة الحكومة بإنهاء العلاقة مع القوات الأميركية، خلال فترات متقاربة منذ أن تشكلت حكومة السوداني؛ ولأن الهدنة جاءت بعد موافقة «الإطار التنسيقي» وإيران نفسها، كما يقول مستشار (كان ينسق الحوارات داخل تحالف «إدارة الدولة»)، فإن هذا الحراك المضاد عكس تقاطعات بين الشيعة بسبب التنافس على النفوذ.

رسالة القميص المدرع

اليوم الثلاثون من حرب غزة (5 نوفمبر 2023). وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن يزور بغداد ليلاً، ويترك رسالة في صورة: الوزير يرتدي قميصاً مضاداً للرصاص ويتنقل بين مطار بغداد ومقر السفارة الأميركية بمروحية قتالية.

في مكتب الحكومة، كان المعنيون بملف الإعلام الرسمي، يعتقدون أن الخارجية الأميركية صممت «هذا المشهد» لرفع الضغط على بغداد، «الأميركيون أظهروا أن العراق لم يعد صديقاً موثوقاً»، بحسب مصدر حضر نقاشات الحكومة تلك الليلة.

ففي ذروة تهديدات الفصائل الشيعية تصرف الأميركيون على نحو مغاير تماماً؛ آخر زيارة لوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مطلع مارس (آذار) 2023، هبط في وضح النهار بطائرة للجيش الأميركي بزي مدني وصافح بأريحية ضابطاً كان في استقباله.

مع بلينكن، حاول رئيس الوزراء محمد شياع السوداني «شرح الوقائع»، بأن بغداد لا يمكنها تحمل الضغط، وأن «لعب دور مركب بين الإيرانيين والأميركيين يشبه السقوط في ثقب أسود»، كما يقول 3 نواب مقربين من رئيس الحكومة.

بحسب مصادر حكومية، فإن بلينكن سمع من العراقيين لهجة «يائسة» بشأن قدرتهم على الانخراط أكثر ردع الفصائل. لقد غادر الوزير وثمة عبارة ترن في رأسه، نقلها طاقم السفارة عن العراقيين: «يقولون: إن علينا أن ندرك خطورة كلمة (لا) لو سمعها الإيرانيون هذه الأيام».

في تلك المرحلة كان السوداني يلعب دوراً اعتادت عليه حكومات ما بعد 2003، في «إبقاء الباب مفتوحاً أمام واشنطن بينما تتموضع طهران في المنزل» كما يصف المسؤول الحكومي، لكن رياح التصعيد في غزة كشفت عن صعوبة الوقوف بثبات في هذا التوازن الحرج.

«أي إيران تعرف؟»

اليوم السابع والأربعون من حرب غزة (20 نوفمبر 2023)، عقد رئيس «منظمة بدر» هادي العامري اجتماعاً مع قادة الفصائل لبحث «مخاطر التصعيد»، حضر قيس الخزعلي، رئيس حركة «عصائب أهل الحق» وممثلون آخرون عن حركة «النجباء» و«كتائب حزب الله» وفصائل أخرى.

تسربت وقائع هذا الاجتماع إلى دائرة ضيقة من قادة المجموعات المسلحة.

أحدهم قال إنه سمع حواراً عاصفاً بين اثنين من الحاضرين:

  • كلنا نريد إخراج الأميركيين، لكن طريقتكم ستعيدهم بقوة أكبر إلى العراق.
  • اتركوا طريقتنا وشأنها. اهتموا أنتم بالحكومة (…) الأميركيون لن يغادروا إلا بالضغط عليهم أكثر.
  • لا نسمع هذا الكلام من الإيرانيين، هم يقولون لا تغامروا بمصالح الشيعة في المنطقة.
  • ربما تتحدث أنت مع إيران لا نعرفها (…) هناك إيران واحدة فقط، اذهب واسألها بنفسك.

الاجتماع الصاخب ناقش «احتمالات شن هجمات على سفن تجارية غربية في المياه الدافئة»، بعدما استعرض ممثل إحدى الفصائل معلومات عن «تهريب مسلحيه تقنيات عسكرية ومعدات إلى الحوثيين في اليمن (ستساعدهم) على تطوير قدراتهم في البحر الأحمر»، دون الكشف عن طريق ووسيلة تهريبها.

بعد نحو أسبوعين، في 3 ديسمبر (2023)، قالت جماعة الحوثي إنها شنّت هجوماً بصاروخ بري وطائرة مسيّرة على سفينتين إسرائيليتين في «باب المندب».

يقول القيادي: إن اجتماع العامري فُض على نحو متوتر، وشعر الرجل الذي يبلغ من العمر الآن 79 عاماً بأنه لم يعد قادراً على فرض تسويات على شباب جامحين.

الإعلام المحلي كان يسرّب معلومات عن خلافات حادة بين «عصائب أهل الحق»، و«حركة النجباء» و«كتائب حزب الله»، وتدفقت مثل هذه المعلومات منذ بداية تشكيل الحكومة، بالتزامن مع نزاع محموم على مناصب في أجهزة الأمن؛ غالبية ما نشر على مدار أشهر يدعي أن «عصائب أهل الحق» سيطرت على كل شيء.

بالأساس، يصعب التحقق من صحة هذا الخلاف، ويتساءل متابعون عراقيون عما إذا كان ذلك جزءاً من استراتيجية ينفذها «الإطار التنسيقي» لشغل الرأي العام، وإظهار أن القوى الشيعية الحاكمة تنمو في «ديناميكية ديمقراطية».

هدنة هناك وتخوين هنا

اليوم الثاني والخمسون من حرب غزة (25 نوفمبر 2023)، تبدأ كل من «كتائب حزب الله» وحركة «عصائب أهل الحق» مناوشات علنية.

حينها كان قطاع غزة يعيش وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار. رئيس «كتائب حزب الله» العراقي استغل التوقيت لإعلان «جردة العمليات» ضد القوات الأميركية، وغمز إلى عدم مشاركة «عصائب أهل الحق».

بيان «الكتائب» الذي حمل توقيع «أبو حسين الحميداوي» بصفته «الأمين العام»، قال: إن «العمليات نفّذتها فصائل: (أنصار الله الأوفياء)، (النجباء)، (كتائب سيد الشهداء)، (كتائب حزب الله)».

بعد هذا الإفصاح، أظهرت «عصائب أهل الحق» التي يقودها قيس الخزعلي، غضباً سيطر على الرأي العام في البلاد، وبعد البيان بساعات، قال جواد الطليباوي، وهو متحدث عسكري باسم «العصائب»: «من كتب البيان على علم بالحقائق، وتعمد ذكر أسماء وتغييب أخرى، دون مبرّر».

الشهر الماضي، سألنا أربعة من قيادات «العصائب» عما إذا كانت الحركة نفذت بالفعل، أو ساهمت في عمليات ضد القوات الأميركية، دون أن نحصل على رد، لكن ضباطاً في الجيش العراقي يتمركزون في محافظة الأنبار قالوا إنهم «سجلوا خلال شهر نوفمبر الماضي واقعة اشتباك بالأسلحة الخفيفة بين جنود يحرسون قاعدة (عين الأسد) وعناصر مسلحة من (العصائب)».

خلال تلك الفترة، نشر قيس الخزعلي «تعزية» لاثنين من عناصره، قُتلا بضربة جوية إسرائيلية في سوريا؛ نشرها مع صورهما إلى جانب صورته وأخرى للمرشد الإيراني علي خامنئي.

هل كان هناك خلاف بين «العصائب» و«النجباء»؟ يقول المسؤول الحكومي: إن «هاتين الجماعتين تخوضان تنافساً مريراً على تمثيل النفوذ الإيراني في المنطقة».

لكن من كان ينفذ العمليات ضد القوات الأميركية؟ وماذا كان يفعل الآخرون؟ منذ إعلان «الحشد الشعبي» حالة الطوارئ في البلاد لم يقترن اسم «الحشد الشعبي» أو «الإطار التنسيقي»، بأي من الهجمات ضد الأميركيين.

في 3 يناير 2023، حاول ياسر العيساوي، وهو معاون أبو فدك في هيئة «الحشد الشعبي»، نفي صلتها بالهجمات.

« (الحشد) لا يتبنى العمليات ضد القواعد الأميركية، ولم يتفق معهم (الفصائل) عليها (…) هذه العمليات ليست بمستوى (الحشد)، الذي لو أراد إخراج الأميركيين من العراق سيفعل ذلك في أيام محدودة»، العيساوي يتحدث لتلفزيون «العهد»، وهي محطة يملكها قيس الخزعلي.

لقد أظهرت المقابلات مع المسؤول الحكومي السابق ومستشار سياسي في تحالف «إدارة الدولة»، وشخص عراقي كان يعيش في طهران منذ عام 1994 وعمل رفقة سياسيين متنفذين في «الإطار التنسيقي»، أن «لعبة تبادل أدوار» تتحكم بوظائف هذه الجماعات خلال فترة التصعيد منذ «طوفان الأقصى».

«تبادل أدوار» نحو الهاوية

يقول المسؤول الحكومي: إن «الخطة الإيرانية التي وضعت بعد 7 أكتوبر قضت بأن تنفذ فصائل مسلحة، لديها حرية التحرك، عمليات ضد الأميركيين، في حين تتولى القوى التي شكّلت الحكومة تنفيس ضغط الأميركيين جراء هذه الضربات، أطول وقت ممكن».

وبحسب المقابلات، فإن التنويع لم يخف الانقسام بين الفصائل الشيعية، التي تظهر شراسة ميدانية وخشونة سياسية للفت انتباه وإعجاب الإيرانيين، وفي الوقت نفسه تحاول الحصول على مكاسب من الحكومة العراقية.

يقول النائب سجاد سالم: إن جزءاً كبيراً من عمليات «المقاومة» لا علاقة له بما يجري في غزة؛ لأن «الفصائل تبتز الشركاء الشيعة والحكومة من أجل مكاسب سياسية».

ويقضي هذا التنويع بأن تقوم جهات مثل «عصائب أهل الحق»، التي يقودها قيس الخزعلي، بوظائف سياسية لإنجاح الحكومة وحمايتها عبر التخلص تدريجيا من صفة «الميليشيا المسلحة».

«يشرف الخزعلي على إعلام المقاومة»، تقول مصادر موثوقة تعرفت على الرجل عن قرب منذ عام 2015. وتشير إلى أن «غالبية التسريبات التي تدعي كشف كواليس الفصائل عبر الوكالات العربية والأجنبية هو من يتحكم بها، لاختبار فرضيات سياسية مختلفة في أوقات حساسة»، إلى جانب دوره في «إسكات معارضي النفوذ الإيراني».

«ينظر الإيرانيون إلى الخزعلي على أنه سياسي جامح تعلم سريعاً تصميم المناورات والتحكم باتجاهات الرأي العام (…) كان من المفيد لهم أن يقوم شخص مثله بتحديث البيت الشيعي وجعله أكثر ديناميكية، ثم يقيّمون إمكانية الاستثمار في التحولات التي يسببها في البيت الشيعي»، يقول المسؤول الحكومي السابق.

يعتقد المسؤول الحكومي السابق، أن الخزعلي «حجر الزاوية» الوحيد الآن في استراتيجية «تبادل الأدوار» التي صممتها طهران، ويرجح أن تكون «الفصائل التي تعمل في الميدان منزعجة من الرفاهية السياسية التي يحظى بها رئيس العصائب».

«إيران وضعت خطة طويلة الأمد للملف العراقي، لكنها تسقط في التفاصيل، تفاصيل مثل الصراع الداخلي بين قادة الفصائل»، يقول مستشار سياسي.

مواجهة مباشرة

اليوم الثالث والتسعون من حرب غزة، وجهت القوات الأميركية صاروخاً إلى مقر حركة «النجباء» في بغداد، وقتلت قيادياً في الفصيل يدعى «أبو تقوى السعيدي» الذي كان يدير عمليات مسلحة في سوريا.

يومها، فتح الأميركيون جبهة مباشرة مع الفصائل، بعدما أُسقطت قواعد الاشتباك الحذرة في العراق، والتي كانت تقدم اعتبارا للشراكة مع حكومة السوداني.

على الأرض، أجرت الفصائل المسلحة تبديلات في مواقعها للاحتراز من الهجمات الأميركية المضادة. يقول القائد المحلي: إن «أحداً لم يبلغنا بوقف أنشطتنا المسلحة (…) قالوا غيّروا المواقع وواصلوا الهجوم»، بينما كانت الحكومة تخسر المبادرة مع جميع الأطراف، لا يمكنها أخذ المبادرة من الفصائل، وتعجز عن تحمل ضغط الأميركيين.

يقول المسؤول الحكومي السابق: إن واحدة من الأفكار التي ناقشها بعض قادة الأحزاب الشيعية مع الإيرانيين – وهذه فرضية طرحتها أحزاب شيعية تصنف بالمعتدلة – هي البحث عن «كبش فداء» للقضاء عليه وإسكات الأميركيين، لكن الإيرانيين رفضوا ذلك»، وكان هذا مثار شك لقادة شيعة بشأن مصيرهم السياسي ومستقبل الحكومة.

طريقة «كبش الفداء» ابتكرها نوري المالكي. استخدمها قبل أن يتوصل مع الأميركيين إلى صفقة انسحاب «ودية» عام 2012 بعدما ما نفذ إجراءات شكلية تضمنت مصادرة أسلحة واعتقال مسلحين، أو دمج آخرين في المؤسسات الأمنية الحكومية.

فتحت «طبخة تبادل الأدوار»، كما يصفها المستشار السياسي، باب النزاع بين القوى الشيعية. المالكي، مثلاً، لا يشعر بالارتياح من صعود قادة مثل قيس الخزعلي؛ هذا الأخير جامح إلى درجة أن يريد تجاوز الآباء المؤسسين، حتى لو عرضوا «صفقة» لحماية الحكومة من الضغط الأميركي.

يعتقد المستشار السياسي أن استراتيجية تبادل الأدوار ارتدت على طهران، بعدما فتحت باب التطاحن بين قادة الأحزاب الموالية، ومهما حدث فإن الطريق مفتوحة إما على انهيار كبير أو تفاوض على صفقة مبتكرة، وهذا الأخير لم يكن واعداً على الإطلاق.

ماذا يعني هذا؟ يقول المسؤول السابق: إن الإيرانيين حسموا أمرهم بمواصلة الضغط على الأميركيين «ربما يريدون مفاوضات معهم بشروط تحت الضغط»، لكن «الوجه الخشن الذي تمثله الفصائل طغى على الوجه الناعم الذي كانت أحزاب الشيعية».

صفقة جديدة أم انهيار آخر؟

فرضية «تبادل الأدوار» تثير شكوك باحثين مثل عقيل عباس، وهو أكاديمي عراقي متخصص في علوم السياسة؛ لأن «القوى الشيعية غير قادرة على إتقان مثل هذه الخطط في وضع ملتهب ومفاجئ وصعب، بل إن ما حصل بعد (طوفان الأقصى) هشّم الوحدة الظاهرية لـ(الإطار التنسيقي)» كما يقول.

ويعتقد الباحث، أن حكومة السوداني لم تكن تمتلك أدوات للتحكم بالنزاع بين الأميركيين والفصائل المسلحة، قبل أن تقع في الحيرة والتخبط خلال التعامل مع أحزاب التزمت الصمت، وأخرى (ميليشيات) تبنت التصعيد.

مع ذلك، ثمة فرصة واعدة في هذا التصعيد. ترى سيلين أويصال، وهي المسؤول السابق لمكتب العراق في وزارة الخارجية الفرنسية، أنه من المعقول الآن أن «تخفف الولايات المتحدة الضغوط وتضع قواعد لعبة جديدة؛ لأن الديناميكية النشطة حالياً قد تسفر عن نتائج غير مقصودة.

«الأميركيون يخاطرون باستنزاف الحيز المتاح لهم للمناورة بسرعة كبيرة، بينما من المتوقع أن تظل التوترات الإقليمية مرتفعة لأسابيع عدة، إن لم يكن لأشهر عدة»، تقول أويصال.

ومن المفارقة أن يكون قرب الحكومة العراقية من طهران، التي تهيمن عليها الفصائل الموالية لإيران، ميزة في هذا التصعيد؛ إذ يمنح واشنطن وفقاً لأويصال، «قناة فعالة لضبط التوترات على الأراضي العراقية».

«لا بد من حل إبداعي للحفاظ على المصالح الأمنية لجميع الأطراف»، تقول أويصال: إن «عملية انتقالية منظمة في إطار التفاوض على مستقبل قوات التحالف الدولي ستعطي مساحة أكبر للحكومة العراقية والفصائل الموالية لإيران الموجودة في السلطة لكبح جماح الميليشيات الأكثر تطرفاً التي لا تعمل بناءً على طلب إيران فحسب، بل تسعى أيضاً إلى تحقيق مكاسب سياسية»، أويصال تقول هنا شيئاً مشابهاً لفرضية «كبش الفداء».

لكن مايكل بريجنت، وهو باحث في شؤون الأمن والإرهاب في معهد «هدسون»، ينظر إلى جذر هذا التصعيد بأنه ناجم عن عملية تبادل أدوار لا يمكن لأحد التعامل معها.

«لم أواجه خلال تغطيتي للعراق أن تدافع إدارة أميركية عن حكومة تفشل في كبح جماح الميليشيات الموالية لإيران، وتدافع عن جماعات ترتكب هجمات ضد التحالف الدولي، رغم أنها مسؤولة عن حمايته»، يقول بريجنت.

ويعتقد بريجنت أن العلاقة في حكم المنتهية منذ أن وصلت مرحلة لم تعد القوات الأميركية تسأل بغداد حينما تريد معالجة الميليشيات؛ لأنه «من الواضح أننا لم نعد نثق بهذه الحكومة».

يقول بريجنت: «إذا انتهت العلاقة مع بغداد ستستمر إدارة بايدن بتجاهل هذا الأمر، ولست متأكداً مما ستفعله رئاسة نيكي هيلي أو ديسانتوس على الأغلب سينهي العلاقة، أما ترمب فإنه بلا شلك سيقوم بذلك».

بريجنت، الذي بدأ في حديثه متحمساً للغاية للإقدام على شيء راديكالي في بغداد، يقترح منح الثقة للسنّة والكرد العراقيين؛ لأن «إيران ستبقى مستفيدة من العلاقة بين واشنطن وبغداد، وما نفعله (الأميركيون) هناك هو السماح لإيران بالتدخل والتصرف حتى مع الجيش العراقي على أنه تابع لها».

في النهاية، فإن المواجهة المحدودة حالياً بين واشنطن والفصائل مرجحة لأن تصل إلى مواجهة مفتوحة أوسع نطاقاً، فرغم أن حكومة بغداد تتفاوض مع الأميركيين، منذ 27 يناير 2024. على شكل جديد للعلاقة الأمنية، وجدول زمني للانسحاب، قررت «المقاومة الإسلامية في العراق» المضي فيما «اتفق عليه» يوم أعلن أبو فدك «حالة الطوارئ»؛ أخيراً هاجمت قاعدة أميركية على الحدود الأردنية – العراقية، وقتلت ثلاثة أميركيين.

ويبدو أن خطة «تبادل الأدوار» بين الفصائل و«الإطار» و«الحشد الشعبي» تعني توحيد تلك الأدوار ضمن ما تقول القوى الموالية لإيران في لبنان واليمن والعراق إنه «توحيد للساحات». وبينما كان يجري هذا كله ازدادت المخاطر على الحكومة العراقية، التي تفقد ميزتها كمؤسسة مرنة صديقة للمجتمع الدولي، وتنسحب تدريجياً إلى كيان جامد محاصر؛ كيان يشبه إلى حد بعيد نظام دمشق.