هل تكفي التحذيرات الصادرة عن المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لردع إسرائيل عن المضي قدماً في شنّ عملية عسكرية على مدينة رفح، التي تجمّع فيها نحو 1.3 مليون فلسطيني نزحوا من بقية مناطق القطاع بفعل الحرب التي بدأت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي؟
بحسب مجرى الأحداث، لم تُعر إسرائيل كبير اهتمام للتحذيرات الأميركية بتجنّب المدنيين الفلسطينيين والتزام المعايير الدولية في زمن الحروب. والعدد الهائل من الضحايا المدنيين الذين سقطوا حتى الآن (العدد يقترب من 30 ألفاً ثلثاهم من الأطفال والنساء)، يتحدث عن نفسه، عدا عن الدمار الكبير في الممتلكات.
ومنذ اليوم الأول للحرب واسرائيل تطلب من الفلسطينيين إخلاء منازلهم والتوجّه جنوباً، وبعضهم نزح أكثر من مرتين وثلاث، حتى استقر بهم الحال في رفح. والسؤال الذي يفرض نفسه، ماذا بعد رفح؟
رئيس الوزراء الإسرائيلي أعطى أوامره للجيش بالاستعداد لمهاجمة ما يقول إنّها أربع كتائب لحركة “حماس” في رفح. أميركا تقول، ابتداءً بجو بايدن ونزولاً، إنّ الهجوم قد تترتب عليه كارثة في صفوف المدنيين. وناشدت إسرائيل كالعادة تجنّب إيقاع إصابات في صفوف المدنيين في حال نفّذت الهجوم. الأمم المتحدة ووكالات إغاثة حذّرت أيضاً من أن ينتهي اقتحام رفح إلى مضاعفة مأساة الفلسطينيين الذين يعيشون وضعاً لا يوصف.
ومصر تخشى من أن يؤدي التوغل الإسرائيلي في رفح إلى دفع الفلسطينيين نحو سيناء، وخلق أمر واقع جيوسياسي جديد يخلّ باتفاق السلام بين القاهرة وتل أبيب. وهذا ما أبلغه وفد مصري رسمي زار إسرائيل في الأيام الأخيرة، وفق ما كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، ولم يصدر نفي له، من الجانبين.
أما بنيامين نتنياهو، فيرى أنّ رفح هي الورقة الأخيرة في يده لمحاصرة قيادة “حماس” والضغط عليها للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، واحتلال القطاع بالكامل. ويعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي أنّ هذا السيناريو يفترض أن يعيد له المكانة التي فقدها بين الإسرائيليين عقب هجوم 7 تشرين الأول.
ومع الاستعداد للهجوم، تجري في القاهرة مفاوضات لتهدئة موقتة واطلاق متبادل للأسرى. والتزامن بين التصعيد العسكري في اتجاه رفح ليس مفصولاً عن هذه المفاوضات. هل تناور حكومة الحرب الإسرائيلية من خلال المفاوضات كي تكون قد استكملت الاستعدادات للهجوم، أم أنّها تضغط من خلال هذه الاستعدادات على مفاوضات التهدئة كي تأتي متلائمة مع الشروط الإسرائيلية؟
أين التأثير الأميركي على إسرائيل؟ بكلام مقترن بنبرة الحذر خشية إثارة غضب نتنياهو، يقول بايدن إنّ الدولة العبرية “أفرطت” في استخدام القوة في قطاع غزة، بينما يعمل المشرّعون الديموقراطيون بكل قوة كي يقرّوا صفقة مساعدات في الكونغرس، بينها 17 مليار دولار مخصّصة لمساعدة إسرائيل. وأصاب السيناتور بيرني ساندرز عندما قال إنّ المساعدة تهدف إلى تمكين إسرائيل من “مواصلة القصف العشوائي على غزة!”.
نتنياهو اعتبر أنّ فرض عقوبات أميركية على أربعة مستوطنين في الضفة الغربية “أمر بالغ الخطورة”، فماذا سيقول لو أنّ بايدن أقدم مثلاً على ربط تقديم مساعدات لإسرائيل بوقف النار في غزة والسير بالرؤية الإقليمية لحل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي على قاعدة إقامة دولة فلسطينية مستقلة؟
وطالما أنّ بايدن يقصر مطالبته بدولة فلسطينية على الكلام فقط من دون إقرانها بأفعال، فإنّ ذلك لن يضير نتنياهو أو يؤثر على قراراته في ما يتعلق بمواصلة الحرب، ولو أدّت إلى تورط أميركي مباشر في نزاع جديد في الشرق الأوسط.
المناشدات الأميركية المغلّفة بانتقادات ملطّفة، لم تفلح في حمل نتنياهو على التراجع عن قرار المضي في الحرب وفق التصور الإسرائيلي لا غير.