أوضح الكرملين أن بوتين وافق على إجراء المقابلة مع كارلسون؛ لأن النهج الذي يتبعه مذيع “فوكس نيوز” السابق يختلف عن التغطية “أحادية الجانب” للصراع في أوكرانيا التي تتبعها وسائل إعلام غربية. تاكر كارلسون الذي يرتبط بعلاقة وثيقة بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، انتقد ما وصفه بـ”فساد” وسائل الإعلام الغربية و”كذبها”، لترويج مطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن تدخل الولايات المتحدة بشكل أعمق في الحرب وتدفع ثمنها، ما يتسبب بموت الناس؛ مبينا أن الصحافيين الغربيين لم يكلفوا أنفسهم عناء إجراء مقابلة مع رئيس الدولة الأخرى المتورطة في الصراع، منوهاً بأن “من حق الأميركيين أن يعرفوا كل ما بوسعهم عن الحرب التي يتورطون فيها”.
في المقابل، وصفت كارين جان – بيير المتحدثة باسم البيت الأبيض كارلسون بأنه مثير للسخرية: المقابلة مع بوتين لم تكن ضرورية لكي يدرك الشعب الأميركي “وحشية” الرئيس الروسي؛ بينما قلل جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، من تأثير المقابلة وحذّر من أخذ أي شيء يقوله بوتين على محمل الجد، بقوله “تذكر أنك تستمع إلى فلاديمير بوتين”.
من جانبه لم يفوت بوتين الفرصة، فقد اتهم الغرب بخداع روسيا، بعد نهاية الحرب الباردة، مبينا أن موسكو “وقعت ضحية لحلف شمال الأطلسي”. وأضاف: “دعونا ندخل في حقيقة أنه بعد عام 1991، عندما توقعت روسيا أن يتم الترحيب بها في أسرة الأمم المتحضرة، لم يحدث شيء من هذا القبيل… لقد خدعونا”، وأوضح أن الوعود كانت أن الناتو لن يتوسع شرقاً، لكنه توسع خمس مرات. وفجر مفاجأة من العيار الثقيل، عندما ذكر أن روسيا كان ربما بإمكانها الانضمام إلى “الناتو” تحت قيادته، لكن انفتاحه على هذه الفكرة قوبل بالرفض، من قبل الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.
واستغل بوتين المقابلة لحث واشنطن على الاعتراف بمصالح روسيا وإقناع أوكرانيا بالجلوس إلى طاولة المحادثات؛ إذ تقترب الحرب في أوكرانيا من دخول عامها الثاني. وكرر بوتين آراءه بأن الحرب التي تصفها كييف وحلفاؤها بأنها عمل عدواني غير مبرر، كانت ضرورية لحماية الناطقين بالروسية في أوكرانيا ومنع كييف من أن تتحول إلى تهديد لروسيا من خلال الانضمام إلى “الناتو”.
العصا والجزرة
وفي محاولة لإجبار “الناتو” على اليأس من مواجهة الدب الروسي، قال بوتين: “حتى الآن كانت هناك أصوات تدعو إلى إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في ساحة المعركة”، لافتاً إلى “أنهم يدركون أن هذا أمر صعب تحقيقه، بل مستحيل الحدوث. ومن هم في السلطة في الغرب يدركون ذلك الآن وعليهم أن يفكروا في ما سيأتي بعد ذلك. الدول الغربية لن تكون قادرة على إلحاق الهزيمة الاستراتيجية بروسيا، ونحن مستعدون لهذا الحوار”. ورداً على سؤال كارلسون عما إذا كان حلف شمال الأطلسي قد يقبل سيطرة روسيا على أجزاء من أوكرانيا، قال بوتين: “دعوهم يفكرون في كيفية القيام بذلك بكرامة، هناك خيارات إذا كانت هناك إرادة”.
وكان ترامب قد تفاخر بأنه يستطيع وضع حد للحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة إذا أعيد انتخابه، لذلك قالت صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية، في 31 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، إنه “إذا فاز دونالد ترامب بالانتخابات المقبلة، فستكون هذه هدية كبيرة لفلاديمير بوتين”، وذكرت أن بوتين ينوي إظهار “أقصى حدود قوته” أمام كييف وأمنائها الغربيين. ومع تزايد احتمالات عودة ترامب لشغل مقعده بالمكتب البيضاوي، ترتجف أوروبا ليس من البرد في هذا الشتاء القارس، بل من احتمال تركها تواجه بوتين بمفردها. فالتحدي الأمني الأكبر الذي تواجهه أوروبا، منذ انتهاء الحرب الباردة، هو الاحتمال المخيف المتمثل في أن تُترك أوروبا لمصيرها، وأن يتم التخلي عنها لترسم طريقها الخاص ضد روسيا، إذا استعاد ترامب مقعد الرئاسة.
الرعب الأوروبي
تتوجس أوروبا وتحبس أنفسها. يشعر كثير من زعماء الاتحاد الأوروبي بالرعب، خشية تخلي واشنطن عنهم حال عودة ترامب، ويتحركون لإثارة موضوع التزامات أوروبا العسكرية لردع الرئيس الروسي… تقدم الإدارة الأميركية الحالية دعماً قوياً للحكومة الأوكرانية، فإذا انتخب الأميركيون ترامب، فإن المساعدات لكييف ستنخفض بشدة، وهذا أحد الأسباب التي تجعل احتمال انتخاب ترامب يقض مضاجع الغرب بأكمله، ويبعث كثيراً من الارتياح في الكرملين. وإذا لم يُنتخب ترامب، فسيظل السؤال عن قدرة الجمهوريين والديموقراطيين في الكونغرس على الاتفاق على استمرار المساعدات لأوكرانيا.