زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مصر، أتت تتويجاً لمسار تطبيع عمره سنة ونيف، بدأ مع زلزال السادس من شباط (فبراير) العام 2023، وتخلّلته محطات عدة تسنّى خلالها لأردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إجراء لقاءات على هامش مناسبات، خارج مصر وتركيا.
إنّ التوتر التركي- المصري الذي مضى عليه أكثر من عقد، لم يكن عاملاً مساعداً في إيجاد حلول للكثير من القضايا الإقليمية، بدءاً من ليبيا إلى التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، إلى سوريا.
في ليبيا، تُعتبر مصر وتركيا لاعبين رئيسيين في هذا البلد. وبديهي أن تؤدي عودة الحرارة إلى العلاقات بين القاهرة وأنقرة إلى إيجاد مساحات للتفاهم بين الأطراف في ليبيا الغارقة في الفوضى ودوامة التطاحن السياسي والصراع على النفوذ منذ 2011.
إنّ توافقاً مصرياً-تركياً على الدفع بالأطراف الليبيين إلى طاولة الحوار للوصول إلى تكوين سلطات دستورية جديدة، بدءاً برئاسة الجمهورية وصولاً إلى مجلس النواب، سيمثل تحدّياً للتعاون بين مصر وتركيا، ومقياساً لحجم ومدى النفوذ الإقليمي لكلا البلدين.
ومن الأولى للقاهرة وأنقرة، أن يساهما في تخريج حلّ سياسي في ليبيا، بدل تدخّل أطراف من خارج الإقليم، سيؤدي أي حلٍ تقوده إلى تأمين مصالح هذا الخارج.
ويبقى العنوان الأبرز لأي تعاون مصري-تركي في الوقت الحاضر، هو الضغط نحو وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، والمساهمة بفعالية في ترتيبات اليوم التالي للحرب. ومصر هي الأقرب إلى غزة، ويهمّها وقف القتال كي لا يتطور النزاع في اتجاهات تضرّ بالقاهرة وبمصالحها في المنطقة.
وغزة هي التحدّي الأكبر الذي يواجه الدول الإقليمية، والقاهرة ناشطة على خط التوسط مع قطر والولايات المتحدة، بهدف التوصل إلى هدنة طويلة نسبياً، تشكّل منطلقاً للبحث في وقف مستدام للنار.
وسبق للقاهرة وأنقرة أن لعبتا أدواراً في التقريب بين الفصائل الفلسطينية. وهذه مسألة تكتسب أهمية بالغة في هذا الظرف الذي يقتضي وحدة الصف الفلسطيني، تسهيلاً للمسار السياسي الذي تتحدث عنه الولايات المتحدة، ويقتضي إجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية، مقدّمة للعب دور رئيسي في اليوم التالي للحرب، وكي لا تستغل إسرائيل الفراغ لإطالة احتلالها للقطاع.
من المؤكّد أنّ اليوم التالي للحرب سينعكس على كامل منطقة الشرق الأوسط، ومصر وتركيا من الدول الإقليمية التي تملك وزناً مؤثراً في تحديد مسار التطورات في هذا الاتجاه أو ذاك. وإذا كان المسار السياسي الذي تعدّ له إدارة الرئيس جو بايدن، يرمي إلى اعادة تشكيل المنطقة، فإنّ ذلك لا يمكن أن يحدث بمعزل عن القاهرة وأنقرة.
والتقارب المصري-التركي، هو الخطوة الأولى على طريق ملاقاة دول الإقليم للنيات الأميركية وما يُعدّ من سيناريوهات لما سيلي حرب غزة.
كما أنّ التقارب المصري-التركي قد ينعكس بطريقة أو بأخرى على الأزمة السورية. ومصر حافظت على اتصال دائم مع دمشق في ذروة الحرب، بينما كانت تركيا من الدول التي دعمت المعارضة السورية المسلّحة ضدّ الحكومة السورية.
وقد يتيح النقاش المصري- التركي البحث عن صيغ تقرّب بين أنقرة ودمشق، على إثر جمود محاولات التطبيع بين سوريا وتركيا، التي كانت تجري بوساطة روسية. إنّ بقاء العلاقات السورية-التركية بهذا الشكل من التأزّم يقلّل الكثير من فرص حل الأزمة السورية.
ومن الطبيعي أن تساهم المصالحة المصرية-التركية في إيجاد مناخات تخفّف التوتر في المنطقة، وتتيح التفاؤل بفتح صفحة جديدة في علاقات دولها.
ويبقى الملف السوري-التركي من القضايا التي لا تزال عالقة من سنوات “الربيع العربي” التي زعزعت استقرار الشرق الأوسط .