حالة التشاؤم التي برزت في اليوم الأول من أشغال منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” بالرياض أظهرت محدودية الأسلوب الذي اعتمدته السعودية في مواجهة الأحداث العاصفة في غزة وإسرائيل والقائم على تجاهل تلك الأحداث والمضي في تنظيم المناسبات الكبرى وإعلان المبادرات الطموحة، حيث ردّد المنتدى أول أصداء تأثر خطط المملكة ومشاريعها بما يجري في المنطقة.

الرياض – على الرغم من محاولة المملكة العربية السعودية النأي بمشاريعها الطموحة وبرامجها الكثيرة عن تداعيات الحرب القائمة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، من خلال المضي في إقامة المناسبات السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية المحلية والدولية، إلاّ أن مراقبين يؤكّدون أنّ المملكة معرضّة بشكل حتمي لتلك التداعيات.

ويعزو المراقبون ذلك إلى كون القيادة السعودية ربطت خطّتها الكبرى للإصلاح والتنمية والتطوير المعروفة بـ“رؤية 2030” بحالة من الاستقرار الفريد شرعت في إيجادها في المنطقة من خلال مصالحتها مع قطر وتحسينها العلاقات مع تركيا، واستئنافها العلاقات مع غريمتها الأولى إيران، قبل أن تشرع في إغلاق ملفّ الحرب في اليمن، بالتوازي مع قطع خطوات تاريخية باتّجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وأشاع التصعيد الكبير في قطاع غزّة حالة من التوتّر الشديد في المنطقة مخالفة جذريا لما تطمح إليه السعودية من هدوء واستقرار ضروريين لتنفيذ خططها ومشاريعها التي تقوم بشكل أساسي على التعاون متعدّد الأطراف، وتضع ضمن أهدافها جلب أكبر عدد ممكن من المستثمرين وتحويل المملكة إلى قطب جاذب للمبتكرين والمطوّرين.
وتردّدت أصداء الأحداث الدامية في القطاع في أروقة منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” الذي افتتح أشغاله الثلاثاء في العاصمة السعودية الرياض، حيث حذّر قادة في قطاع المصارف الدولي مشاركون في المنتدى من تلقّي الاقتصاد العالمي ضربة قوية جرّاء الحرب بين إسرائيل وحماس. وسلّط التشاؤم الذي عكسه بعض أبرز المتحدثين في المنتدى، الضوء على مصاعب قد تواجه محاولات المملكة، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، لتنويع اقتصادها بعيدا عن الوقود الأحفوري.

لكنّ تداعيات الحرب، بحسب المراقبين، لن تقتصر بالنسبة إلى السعودية على الجوانب الاقتصادية، لكنّها ستشمل كذلك جوانب سياسية وأبعادا اعتبارية. ويذكّر هؤلاء بأنّ للمملكة موقعا سياسيا هاما في العالم العربي يضاف إلى مكانتها الدينية في العالم الإسلامي ليضعاها أمام مسؤولية استثنائية تجاه القضية الفلسطينية.

ويقولون إنّ السعودية تحمّلت بالفعل تلك المسؤولية في فترات سابقة من خلال دعمها للفلسطينيين بعدة طرق، قبل أن تتوج ذلك الدعم بتقديمها مبادرة السلام العربية سنة 2002 وهي مبادرة تقوم على حفظ الحقوق الأساسية للفلسطينيين وعلى رأسها إقامة دولة مستقلة لهم ومعترف بها دوليا على حدود سنة 1967.

ويرى المراقبون أنّه سيكون من الصعب على القيادة السعودية الحالية التراجع عن ذلك السقف، رغم كل ما يبديه ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان من براغماتية تضع مصالح المملكة في المقام الأوّل قبل أيّ قضايا قومية أو إقليمية.

ويلفت محللون سياسيون إلى أن تنفيذ بعض المشاريع ضمن الخطة الطموحة لوليّ العهد يمكن أن يتناقض مع صورة المملكة كداعمة للقضية الفلسطينية، وذلك عندما يقتضي التنفيذ التعاون مع جهات مرتبطة بلوبيات ودول معادية لتلك القضية ومنحها امتيازات للعمل والاستثمار في المملكة.

وقال رئيس البنك الدولي أجاي بانغا أمام منتدى الرياض الذي يعرف أيضا باسم “دافوس في الصحراء” إنّه يعتقد أنّ “ما حدث مؤخرا في إسرائيل وغزة سيكون له تأثير أكثر خطورة على التنمية الاقتصادية “. وأضاف “أعتقد أننا أمام منعطف خطير جدا”. وأثارت أطراف عدة خشيتها من توسع الحرب لتشمل جبهات أخرى خصوصا في ظل تبادل إسرائيل وحزب الله اللبناني المدعوم من إيران، القصف عبر الحدود.

وقال لاري فينك الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك “إذا لم يتم حلّ هذه الأمور، فمن المحتمل أن يعني المزيد من الإرهاب العالمي وهو ما يعني المزيد من انعدام الأمن، وأيضا المزيد من الخوف في المجتمع، وأملا أقل”. وأضاف “عندما يتراجع الأمل، نرى انكماشا في اقتصاداتنا”.

ويستمر منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” ثلاثة أيام ويشهد مشاركة أكثر من ستة آلاف مندوب مسجل، ورؤساء أبرز البنوك العالمية ورؤساء كوريا الجنوبية وكينيا ورواندا. لكن العديد من قادة وول ستريت أشاروا إلى أن تصاعد العنف سيطغى ولو جزئيا على مناقشة موضوعات الابتكار والتحول الاقتصادي.

وقالت الرئيسة التنفيذية لمجموعة سيتي المصرفية جين فريزر “إننا نجلس هنا في خلفية المشهد الذي أعتقد أننا جميعا نعلمه في أعقاب الهجوم الإرهابي في إسرائيل والأحداث التي تتكشّف منذ ذلك الحين، وهو أمر محزن للغاية. لذلك من الصعب ألا نكون متشائمين بعض الشيء”.

وأطلق ولي العهد السعودي قبل أعوام “رؤية 2030″ التي تهدف إلى تنويع مصادر دخل السعودية وتخفيف ارتهان اقتصادها للوقود الأحفوري. وقالت كريستين ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن إنّ “المملكة العربية السعودية تركز اليوم على تحولها الداخلي الذي يتطلب جوارا مستقرا”.

◙ تداعيات الحرب لن تقتصر بالنسبة إلى السعودية على الجوانب الاقتصادية، لكنّها ستشمل كذلك جوانب سياسية وأبعادا اعتبارية

وتابعت “من الصعب إقناع الناس بالاستثمار أو ممارسة الغولف في الرياض أو الاستمتاع بأشعة الشمس على طول ساحل البحر الأحمر عندما تكون المنطقة مرتبطة بالحرب والإرهاب”.

وندّدت المملكة خلال الأسابيع الأخيرة بالعنف ضد المدنيين في غزة وأكّدت دعمها للقضية الفلسطينية. وأفاد مصدر مطلع على مفاوضات التطبيع مع إسرائيل لوكالة فرانس برس أنّ الرياض علّقت المحادثات. وأشار مسؤولون سعوديون إلى أنهم يعتزمون المضي قدما في خططهم الإصلاحية على الرغم من المخاوف من اتساع رقعة الحرب إقليميا.

وبالإضافة إلى “دافوس في الصحراء” تستضيف الرياض هذا الأسبوع أيضا أسبوع الموضة الأول ونزال ملاكمة بين تايسون فيوري وفرانسيس نغانو. وأعلن ولي العهد، الاثنين، خططا لاستضافة أول كأس عالم للرياضات الإلكترونية في الصيف المقبل. وأشار محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي ياسر الرميان بشكل غير مباشر إلى حرب غزة في كلمته الثلاثاء، وحذّر أيضا من التحديات التي يمثلها ارتفاع معدلات الفائدة.

وقال “مع قيام البنوك المركزية بتشديد السياسة النقدية في محاولة لإبطاء التضخم، تتكيف الشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم مع هذا الواقع الجديد. وكانت هذه أسرع زيادة في أسعار الفائدة منذ أوائل الثمانينات وتسببت في اضطرابات كبيرة وغير متوقعة”. ومع ذلك أعرب عن تفاؤله بأنه “حتى في بيئة أسعار فائدة مرتفعة يمكننا أن نرى تسارعا في النمو والإنتاجية”.