منذ أيام والشارع المصري تعتريه حالة من الغليان إثر التقارير التي نشرتها مؤسسة “سيناء” لحقوق الإنسان، مدعية قيام الدولة المصرية بتأسيس منطقة عازلة جديدة عالية الحراسة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة، بهدف استقبال اللاجئين الفلسطينيين في حال النزوح الجماعي، هرباً من الغزو الإسرائيلي المحتمل على مدينة رفح.
دعمت المنظمة تقريرها بمصادر مجهولة، عاملة في قطاع المقاولات والتشييد داخل محافظة شمال سيناء، مدعية حصولها على مواد مصورة للمنطقة العازلة التي تشرف عليها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، التُقطت بالأقمار الاصطناعية بمشاركة حصرية مع صحيفة “وول ستريت جورنال” .
ورغم النفي القاطع من الجانب المصري بلسان كل من محافظ شمال سيناء اللواء محمد عبد الفضيل شوشة، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات الدكتور ضياء رشوان، حول مشروع بناء منطقة عازلة في شرق سيناء، لاستقبال الفلسطينيين، في إطار مفاوضات أو اتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي، فإن منظمة “سيناء” روّجت كذباً أنها تمكنت من التقاط صور فوتوغرافية حديثة.
وفي محاولة للتحايل على المعلومات وتزييفها واقعياً، أرجعت مؤسسة “سيناء” بياناتها حول تدشين المنطقة العازلة في شرق سيناء إلى عدد من القائمين على “شركات المقاولات”- مصادر مجهولة – الذين بينوا أن شركة المهندس إبراهيم العرجاني كلفتهم الأعمال الإنشائية، بتكليف من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، فيما المؤسسة نفسها نشرت تقريراً قبل عام، وتحديداً في 17 كانون الثاني (يناير) 2023، أوضحت فيه تمكنها من الحصول على خريطة المشاريع الحكومية لإنشاء تجمعات تنموية في شرق سيناء، وأن من المرجح تسليمها في نهاية عام 2025، وأن هذه الأعمال أسندت إلى عدد من “شركات المقاولات”، من خلال شركة “أبناء سيناء للتشييد والبناء” التابعة لمجموعة “العرجاني غروب”.
وللمزيد من التدليس الذي تمارسه منظمة “سيناء” في قضية المنطقة العازلة في شمال شرقي سيناء، فقد نشرت المنظمة تقريراً قبل سنتين ونصف سنة، وتحديداً في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، نددت فيه بالقرار الرئاسي الرقم 420 لسنة 2021، المنشور في الجريدة الرسمية في 23 أيلول (سبتمبر) 2021، ويتضمن تحديد ما يناهز ثلاثة آلاف كيلومتر مربع من الأراضي في شمال شرقي شبه جزيرة سيناء، كمناطق حدودية خاضعة لقيود صارمة، وأن القرار 420 لسنة 2021، صدر بتعديل قرار رئيس الجمهورية الرقم 444 لسنة 2014 بشأن “تحديد المناطق المتاخمة لحدود جمهورية مصر العربية والقواعد المنظمة لها”.
.jpeg)
الغريب أن منظمة “سيناء” نشرت حينها صوراً فوتوغرافية أظهرت بناء سلسلة من الجدران العازلة الضخمة، تمتد عشرات الكيلومترات بارتفاع نحو 6 أمتار، وتطوق المنطقة المحددة في القرار 420، بينما الآن في إطار خداع الرأي العام، وإثارة البلبلة أعادت نشر الصورة مدعية كذباً أنها جديدة، ومن قلب الحدث.
المنطقة الجدارية العازلة التي تتغنى بها منظمة “سيناء”، مقامة بالفعل منذ عام 2015، ويعود تأسيسها إلى أسباب متعلقة بالأمن القومي المصري، بعد استشهاد 31 عسكرياً، وإصابة 25 آخرين في هجومين شنهما مسلحون على موقعين تابعين للجيش في شمال شرقي سيناء، وذلك وفقاً لتقرير CNN في 8 كانون الثاني (يناير) 2015، وتقرير موقع BBC في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2014، فضلاً عن استمرار عملية التطوير الجداري للمنطقة العازلة من حين إلى آخر، بعيداً من مشروع تهجير مواطني قطاع غزة واستقبالهم.
تناقضات مؤسسة “سيناء” لحقوق الإنسان لم تقف عند أوهام المنطقة العازلة في سيناء، لكنها زعمت كذباً في آب (أغسطس) 2023، قيام الجيش المصري بتجنيد الأطفال وتسليحهم، والدفع بهم في معارك القضاء على تنظيم “داعش”، وفي أيلول 2023، ادّعت المنظمة أن قوات الجيش المصري سيطرت على 37 مدرسة وحولتها إلى قواعد عسكرية.
لا نستبعد تماماً أن “فتنة المنطقة العازلة”، عملية مصنوعة، لا سيما أن منظمة “سيناء” دأبت على لعب أدوار مشبوهة من خلال تقاريرها المسيسة التي تنال من المؤسسات العسكرية والأمنية في العمق السيناوي، منذ إشهارها رسمياً برقم (13722165) في لندن عام 2018، على يد الناشط مسعد أبو فجر الذي خرج من القاهرة، وتنقل بين إيرلندا، وفرنسا، واستقر في لندن، وطالب مراراً بوضع سيناء تحت سيطرة الكيان الإسرائيلي، وفصلها عن الدولة المصرية.
يدير منظمة “سيناء” حالياً أحمد سالم، المؤسس المشارك، كما يساهم في الإشراف على محتواها – وفقاً لموقعها الرسمي – كل من محمد سلطان – ابن القيادي الإخواني صلاح سلطان – المدير التنفيذي لـ”مبادرة الحرية” في الولايات المتحدة اﻷميركية، والمتهم في القضية المعروفة إعلامياً بـ”غرفة عمليات رابعة”، وأُفرج عنه منتصف عام 2015، بعد تنازله عن الجنسية المصرية، وكذلك عمرو مجدي، المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في منظمة “هيومن رايتس ووتش”.
وتعتبر من أهم القيادات الفاعلة في جهازها الإداري، سارة لي ويتسن، المديرة التنفيذية لمنظمة “الديموقراطية الآن للعالم العربي”، (DAWN)، والمديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “منظمة هيومن رايتس ووتش” بين عامي 2004 و2020، والحقوقي زياد عبد التواب، عضو تحالف “ملتقى منظمات حقوق الإنسان المصرية”، المدعوم من جماعة الإخوان في الخارج، والمعادي للنظام المصري، ويشرف عليه بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة.
الدولة المصرية لم ترفع يدها عن تنمية شمال سيناء، فنفذت على مدار السنوات الماضية عدداً من المشاريع الزراعية والعمرانية والصناعية والسياحية التي بلغت قيمتها الاستثمارية 600 مليار جنيه، في إطار تنفيذ “الاستراتيجية الوطنية لتنمية سيناء”، فضلاً عن ضخ استثمارات جديدة بقيمة 400 مليار جنيه في شمال سيناء فقط، وفقاً لتصريحات رئيس الوزراء المصري في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، متضمنة تنفيذ 302 مشروع جديد في مدن رفح والعريش، والشيخ زويد، وبئر العبد، وإقامة 23 تجمعاً تضم 22 ألف منزل بدوي، لاستيعاب 80 ألف نسمة.
الموقف المصري من مخطط تهجير مواطني قطاع “غزة” إلى الداخل السيناوي ثابت ومناهض، ولا يعتريه الشك على مختلف المستويات السياسية والدبلوماسية والشعبية، وتتضح قوته في تجاهله المحاولات التفاوضية التي يتزعمها الطرف الإسرائيلي من خلال طرح نقل معبر رفح إلى المثلث الحدودي بمنطقة كرم أبو سالم، فضلاً عن تمسكه برفض إعادة احتلال “محور فيلادلفيا”.