في مثل هذا اليوم من العام 2022 بدأ بوتين غزوه الشامل لأوكرانيا الذي توهم بأنه سينتهي بثلاثة أيام. وعززت أوهامه تسريبات الأجهزة الغربية وتصريح رئيس الأركان الموحدة للجيوش الأميركية حينها Mark Milley بأن كييف ستسقط خلال 72 ساعة. وبغض النظر عما إن كان السلوك الأميركي فخاً مضمرا لبوتين أم جهلاً بحقيقة الجيش الروسي وعزم الأوكران على التصدي له، إلا أن الحرب المستمرة منذ سنتين غيرت كثيراً في روسيا وأوكرانيا.
روسيا أصبحت توتاليتارية شاملة وانتقلت من ديكتاتورية الترهيب إلى ديكتاتورية الإرهاب، واتجهت شرقا.ً ورسخ الغرب توجهها نحو الشرق بفرض عقوبات تفوقت بحجمها على الرقم القياسي للعقوبات على إيران. أوكرانيا بدورها لم تبق على حالها، بل إلتصقت بالغرب الذي تطمح للإنتساب إليه كبلد سيد مستقل، مما أفقدها الكثير من إستقلاليتها وسيادتها. فالحرب جعلت وجودها على الخريطة السياسية للعالم الذي ينكره بوتين، مرتبطاً بشكل شبه كلي بالغرب ومساعداته العسكرية والمالية.
بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد أصبحت الحرب “حرب مواقع”، ويستبعد الخبراء أن تنهي في العام الحالي. فقد نقل موقع البث الإذاعي والتلفزيوني الإستوني ERR في آخر السنة المنصرمة عن شبكة CNN قولها أن الحرب في العام 2023 لم تنته لصالح أوكرانيا. فالطريقة الروسية في خوض الحرب التي يتكبد فيها الجيش خسائر فادحة في العديد والعتاد، لكنه يلقي المزيد منها في المعركة، أدت إلى إضعاف التفوق الأوكراني التكتيكي والتكنولوجي. وتشير إلى أن بعض المحللين العسكريين الأميركيين ينصحون أوكرانيا بالإنتقال إلى الدفاع في العام 2024 من أجل وقف الخسائر.
كما ينقل الموقع عن صحيفة The New York Times, قولها أن ليس على أوكرانيا إستعادة كل الأراضي المحتلة للإنتصار على بوتين، طالما أن غالبية دول العالم لا تعترف باحتلاله الأراضي الأوكرانية. وبنصح كاتب النص في الصحيفة الأميركية أوكرانيا بالتركيز على تعزيز إنجازاتها في الحرب. فالتصور الأفضل لنهاية الحرب والنصر الحقيقي ليس إستعادة الأراضي، بل خروج أوكرانيا من جحيم الحرب قوية مستقلة مزدهرة، “دولة غربية آمنة تقف بثبات على قدميها”.
Holman Jenkins، عضو هيئة التحرير في The Wall Street Journal، أكد أن بوتين سيرغب في وقف الحرب في العام 2025 على الأغلب. فزيادة إنفاق الناتو على الدفاع بنسبة 1% تعادل زيادة إنفاق روسيا بنسبة 24%. يخطط بوتين لزيادة الإنفاق الحربي بنسبة 70% في العام 2024، وهذا يعادل إنفاق دول الناتو 2% من الناتج القومي الإجمالي، حسب كاتب النص.
الأسبوعية الأميركية The Washington Examiner افترضت أن العام الثالث من الحرب في أوكرانيا قد يكون العام الحاسم، حيث ستواجه تحديات جدية كل من روسيا وأوكرانيا. بين هذه التحديات ستكون المساعدات الغربية لأوكرانيا العامل الجدي والحاسم، والذي سيرتبط مصيره بموقف الجمهوريين في الكونغرس وبنتائج الإنتخابات الرئاسية. يضاف إليها التعبئة العامة في روسيا لتعويض خسائر الجيش، بداية الركود الإقتصادي في روسيا، عدم الإستقرار السياسي في كل من روسيا وأوكرانيا، وكذلك النقص الحاد في القوى الحية في أوكرانيا.
صحافية في شبكة Fox News رأت أن أيا من العواصم الثلاثة ـــ موسكو، كييف وواشنطن ـــ لن تقبل بأي حل وسط، وستستمر الحرب إلى أن تصبح خسائر أوكرانيا في الصيف وأوائل الخريف غير مقبولة من شعبها، أو إلى أن تتوقف واشنطن عن مد أوكرانيا بالمال والسلاح. وتعتقد أنه بحلول نهاية العام الحالي ستتحول تدريجيا الأعمال الحربية النشطة إلى “معارك منخفضة الحدة مع اندلاعها بشكل دوري”، وبحلول العام 2025 سيكون الصراع “مجمدا” تماما دون أي إتفاق سلام.
مطبوعة Politico قالت بأن أكثر ما يثير القلق عسكرياً ـــ إحتمال أن ينتقل بوتين في الربيع إلى الهجوم مع إستخدام الطيران الذي كان يحيده حتى الأن بانتظار أن يفرغ مخزون أوكرانيا من الوسائل المضادة للطيران. وترى أن بوتين لن يقدم على التفاوض إلى أن تنجلي نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية.
بمناسبة بدء العام الثالث على الغزو الروسي لأوكرانيا، طرحت “المدن” عدداً من الأسئلة على صحافيين وكتاب سياسيين روس سبق أن أدلوا بآرائهم للجريدة حول قضايا عديدة. لكن الوضع البوليسي القائم حالياً في روسيا، والذي شدد قبضته بعد مقتل زعيم المعارضة ألكسي نافالني في معتقله القطبي، يجعل من الممكن تفهم إعتذار بعض من طرحنا عليهم الأسئلة. البعض أجاب عن الأسئلة “غير المحرجة”، وبرر عدم الرد على الأسئلة “المحرجة” بكونها خارج إختصاصه بالسياسة الروسية الداخلية !!! أحدهم قال ل”المدن” بأنه يعمل في روسيا، وأي كلمة قد تفسرها الأجهزة الأمنية بأنها إنتقاد للنظام القائم أو تشويه سمعة الجيش الروسي أو الدعوة إلى الإرهاب، قد تودي به إلى السجن ولمدة تصل إلى 20 عاماً. وأضاف بأن من هم في الخارج يستطيعون قول ما يشاؤون، أما من هم في الداخل ف”الحذر واجب”.
الصحافية Yulia Yuzik كانت تنشر في موقع البروباغندا الروسية الكبير RT وتوقفت عن ذلك، كما تقول، بعد غزو أوكرانيا. في ردها على السؤال ما إن كانت الحرب أدخلت تغييرات على النظام السياسي الروسي، قالت بأن الحرب غيرت كل شيء. وتتذكر الحرب العراقية الإيرانية (الصحافية اعتقلت في إيران العام 2019، وقامت حملة إعلامية عالمية واسعة للإفراج عنها) وكيف أفضت إلى ترسيخ دعائم سلطة الخميني. وروسيا التسعينات والعقد الأول من الحالي أصبحت للذكرى، وهي ستظل تحارب، وسلطة بوتين سوف تظل تتعزز. الفتك بالمعارضة الداخلية منحه قوة إضافية، وكل من يعارضه أو بعارض نهجه، سيتم إبعاده عن الطريق. والقمع لن يشمل الليبراليين أو الوطنيين المتطرفين فقط، بل ومحيطه الداخلي القريب أيضاً. وتعتقد أن الكل سيدرك قريباً أنه ليس هناك في روسيا “من لا يمس به”.
وترى أن بوتين يستغل اللحظة، ويستشعر ضعف الغرب، ويختبر قوتهم ويتقدم الى الأمام. وتقول أنه بغض النظر عن كلفة النصر بالنسبة لروسيا، فسوف يسعى لتحقيقه، غير عابئ بالموارد والوقت الذي سيستغرقه ذلك.
وتقول أن الهجوم الأوكراني المضاد قد فشل، برغم ضخامة المساعدات الغربية، وتجمد الصراع لمدة سنة، مما منح موسكو الفرصة لتستعد من جديد. وإذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، لن تعود حظوظ بوتين بالنصر وهماً. وتفترض Yulia أن زيارة الصحافي الأميركي المقرب من ترامب Tucker Carlson إلى موسكو لإجراء مقابلة مع بوتين، سمحت بخوض مناقشة تفصيلية للخطط المستقبلية للنظام العالمي الجديد في حال فوز ترامب. وتعتقد أن “هذين الشخصين” سيرغبان في تدمير معالم العالم القديم والسيطرة على العالم الجديد بعد الحرب، “يالطا تنتظر مؤتمرا جديدا”.
وعن رأيها بالقول أن روسيا بعد غزو أوكرانيا إنتقلت من ديكتاتورية الترهيب إلى ديكتاتورية الإرهاب، قالت الصحافية بأنها تجد هذه التعابير “رومانسية”. وترى أن الحياة في روسيا لن تعود في السنوات القريبة القادمة إلى ما كانت عليه. حرية الكلمة، الشفافية والديموقراطية، ليست غير مرغوب بها فقط، بل أصبحت جريمة يعاقب عليها.
وعن توقع تحركات في الشارع إعتراضاً على حرب تدخل عامها الثالث من دون أي أفق لنهايتها، قالت الصحافية بأنه لن يكون هناك أي إحتجاج في المستقبل المنظور. وتضيف بأن الإحتجاج قد قضي عليه، فالإعتقالات وإعدامات المعارضين فعلت فعلها، والإستياء إنتقل إلى المطبخ وأصبح همساً، “كما كان في الزمن السوفياتي”.