آليات عسكرية إسرائيلية
لا تقدم الحكومة الإسرائيلية أية خدمة لجيشها عندما تقول إن هدف الاجتياح البري لغزة هو “سحق” أو “تدمير” حماس. مثل هذه الأهداف المتطرفة وغير الواقعية تضع الجيش الإسرائيلي في مأزق يتعلق بكيفية ترجمة هذا التهديد السياسي إلى أهداف عسكرية عملية وقابلة للتحقيق.
ليس جنرالات إسرائيل واهمين بقدرتهم على سحق حركة عميقة الجذور مثل حماس تتمتع بدعم نسبة عالية من الفلسطينيين في غزة، وهم سيركزون خصوصاً على إضعاف قدراتها العسكرية بشكل كبير، ونزع سلاحها. وستكون الصواريخ وترسانات الطائرات بدون طيار المسلحة أولوية قصوى للجيش. ومع ذلك، يواجه تطبيق هذه الأولوية مجموعة من التحديات، بعضها استراتيجي/سياسي، وبعضها عملياتي/تكتيكي.
من الناحية الاستراتيجية، هناك ضغط قوي في النهج القتالي للجيش الإسرائيلي حيال هذه الأزمة، ذلك أن التحرك بقوة ضد حماس، وهو أمر ضروري لتحقيق هدف إضعافها أو نزع سلاحها، قد يودي بحياة أكثر من مئتي رهينة تحتجزهم، بينما اللجوء إلى عمليات أسرع ومحدودة أكثر يمنحها الفرصة للرد، وبالتالي يعرض حياة الجنود الإسرائيليين للخطر. لذا يجب تحقيق التوازن، ولكن الأمر لن يكون سهلاً.
وتضيف البنية التحتية الضخمة لأنفاق حماس مستوى من التعقيد للجيش الإسرائيلي. هذه الأنفاق طويلة وعميقة ومتعددة الطوابق، ويمكن لمقاتلي حماس أن يمكثوا فيها لفترة طويلة والقتال داخلها وشن هجمات منها، كما يمكنهم قيادة عملياتهم والسيطرة عليها من هناك. وفيها تخرن الحركة أسلحتها الاستراتيجية وتحتجز رهائنها على الأرجح.
الأنفاق ليست سمة تكتيكية لاستراتيجية حماس القتالية، وإنما عنصر أساسي فيها. فهي توفر لها مرونة عملياتية وتكتيكية لا تتمتع بها فوق الأرض، كما تسهل عليها عمليات الكر والفر، وهو على الأرجح ما تفعله ضد الجيش الإسرائيلي.
يتم تدريب الجيش الإسرائيلي على حرب المدن والحرب الجوفية، ولديه وحدات متخصصة لهذه الأنواع المختلفة من الحروب وأيضًا معدات متخصصة، بعضها منتج محلياً، وبعضها مقدم من الولايات المتحدة. ولكن إلى أن يرسل الجيش الإسرائيلي وحداته إلى خنادق تحت الأرض ويشترك في قتال متلاحم، فلن يعرف ما الذي ينتظره. ويمكن كل تلك المعدات الجوفية المتخصصة، للتنفس، والرؤية، والملاحة، وإطلاق النار، والتواصل أن تتعطل بسهولة، ناهيك عن التدابير المضادة المحتملة التي قد تتخذها حماس. فكما استعد الجيش الإسرائيلي لمثل هذه المعركة، فقد استهعت حماس لها أيضًا طوال سنوات.
وهذا كله يفترض أن الجيش الإسرائيلي لديه معلومات استخباراتية كاملة عن مكان وجود الرهائن، وهو ليس مؤكداً. لا يستطيع الجيش الإسرائيلي متابعة العمليات الدقيقة إذا لم يكن لديه ما يكفي من المعلومات الاستخبارية الدقيقة، ونظراً للفشل الاستخباراتي التاريخي الذي تخرج منه البلاد، فإن الثقة في القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية ليست عالية جداً في الوقت الحالي.
ومن شأن هذا النوع من المعلومات الاستخباراتية أن يشكل أيضًا القرار بشأن كيفية تعامل الجيش الإسرائيلي مع حماس. فهل يقوم بتطهير أنفاق المسلحين قدر الإمكان حتى يتمكن من إطلاق سراح الرهائن ثم يقوم بتدمير الأنفاق؟ أم أن السيناريو معكوس؟ إذا كان التدمير يسبق عملية التطهير، فإن ذلك يعيدنا إلى القضية الحاسمة المتعلقة بسلامة الرهائن.
وأخيراَ وليس آخراً، لا شك في أن احتمال فتح جبهة أخرى، سواء من لبنان أو سوريا، سوف يؤدي إلى تعقيد العمليات بالنسبة للجيش الإسرائيلي بشكل كبير. تستطيع الحكومة الإسرائيلية أن تقول كل ما تريد عن استعدادها لفتح جبهة أخرى ضد “حزب الله” على طول حدودها الشمالية إذا دخلت الجماعة اللبنانية في القتال.
ولكن في الواقع، فإن المواجهة على جبهتين أو أكثر ستؤدي إلى إجهاد قدرات الجيش الإسرائيلي بشكل كبير وتخلق ضغطاً سياسياً هائلاً على الحكومة الإسرائيلية. قد لا يتمكن حزب الله، الذي أصبح اليوم أقوى بكثير مما كان عليه في عام 2006 عندما قاتل إسرائيل لمدة 34 يوماً، من ردع إسرائيل عن غزو غزة، لكنه سيبذل كل ما في وسعه للتأثير على الطريقة التي تدخل بها القوات الإسرائيلية غزة وتقاتل حماس.
لا يريد “حزب الله” ولا إيران حرباً مع إسرائيل، لكن من الصعب أن نتخيلهما يشاهدان شريكهما الفلسطيني يتعرض للضرب أو على وشك خسارة سلاحه على يد الجيش الإسرائيلي من دون أن يفعلا شيئاً. وهذا ليس بالضرورة حباً بحماس، ولكن لأن المحور الذي تقوده إيران يعتبر المسرح الفلسطيني جوهر النضال ضد إسرائيل، وهو يكتسب أهمية دينية هائلة، وإذا انتهت حماس، فذلك يعني نهاية أداة فلسطينية كبرى للوقوف في وجه إسرائيل.
تتمتع إسرائيل بالقدرة على تكبيد “حماس” ضرراً جسيماً، ولكن الأسئلة الأساسية هي ما المخاطر العسكرية التي ترغب في قبولها وما هو الثمن السياسي الذي ترغب في تحمله؟ لا شك أن الدخول إلى الأنفاق سيكون محفوفًا بالمخاطر، ولكن التسبب بدرجة عالية من الأضرار الجانبية خلال العملية، وهو أمر لا مفر منه تقريباً نظراً للكثافة السكانية العالية في المناطق الحضرية وتكتيكات حماس المتمثلة في وضع منشآتها العسكرية تحت المستشفيات والمدارس والمباني السكنية، سيكون أسوأ بكثير. يبدو مبتذلاً القول إن لا حل عسكرياً لمشكلة حماس، لكن هذا لا يجعل الأمر أقل صحة.