كان مفاجئاً الموقف الذي أطلقه رئيس حركة “حماس” في الخارج خالد مشعل الذي شكر “حزب الله” على ما يفعل لكنه اعتبره غير كاف. قال في 16 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري إن “حزب الله قام مشكوراً بخطوات، لكن تقديري أن المعركة تتطلب أكثر، وما يجري لا بأس به لكنه غير كافٍ”. تحدّث الرجل وكأن الحزب تخلّف عما هو متفق عليه والمأمول منه والمعوّل عليه إلى درجة فضح ذلك على وسائل الإعلام.
بدا أن موقف مشعل يعكس تصفية حساب قديم مع “حزب الله”. اعترض “حزب الله” على زيارة القيادي الحمساوي لبنان في كانون الأول (ديسمبر) 2021 على رأس وفد قيادي للحركة بعد التشاور مع/ وبدعم من/ رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية. حاول الحزب حينها تأجيل زيارة مشعل ثم ضغط على مسؤولين لبنانيين، منهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، لعدم لقاء الضيف الفلسطيني الذي قاطعه حلفاء الحزب في تحالف 8 آذار. يأخذ الحزب على مشعل موقفه من الحرب في سوريا حين قرر عام 2011، وكان حينها يشغل منصب رئيس المكتب السياسي للحركة، مغادرة “حماس” سوريا كموقف اعتبر معادياً لنظام دمشق.
مذاك تولّت حركة “حماس” إبراز قادة يوالون إيران، لا سيما داخل قطاع غزة، لمواصلة العلاقة مع الحزب، فيما أوساط الأخير تصف مشعل وفريقه بـ”الإخوان المعادين”. ومذاك ظهر داخل الحركة جناحان سياسيان متكاملان في الشكل، واحد قريب من إيران ويوجه لها الشكر والتحية والعرفان في كل مناسبة، وواحد قريب من قطر وتركيا ويعمل تحت سقفهما.
لم يكن مشعل وحده من أثار هذا السجال، فحتى موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي للحركة، قال قبله في 14 من الشهر الجاري في معرض التعليق على ردّ “حزب الله” من جنوب لبنان إنه “بمنتهى الصراحة كنا نتوقع أن يكون التفاعل مع الحدث أكثر كثيراً مما جرى”. وحتى إذا لم يكن مشعل وأبو مرزوق يقصدان فتح سجال مع “حزب الله” في عزّ المعركة في غزّة، إلا أن سلوك الحزب وارتباكه منذ الساعات الأولى للكشف عن عملية “القسام” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري يفضحان مفاجأة قيادة الحزب بجهلها بخطط “حماس” للقيام بعملية عسكرية نوعية بهذا المستوى. أثار الأمر أسئلة عما إذا كان “القسام” قد نفّذ عمليته من دون إبلاغ قيادة الخارج وإيران، أو إذا كانت طهران لم تبلغ الحزب بما كانت تعرفه على منوال إخفائها أمر اتفاقها مع السعودية في بكين في 10 آذار (مارس) الماضي.
ورغم شحّ المعلومات الدقيقة بهذا الشأن، فإن مداولات تسرّبت من اجتماعات داخلية للحزب قد تفسّر طبيعة التوتر والحيرة في موقفه من “الطوفان” وراهن الحرب ومستقبلها في غزة. تفيد تلك التسريبات بأن العملية التي نفّذها “القسام” كانت جزءاً من عملية شاملة كان يفترض أن تشمل فتح الجبهة الشمالية وجبهات أخرى في وقت واحد بناءً على توقيت تحدده الجمهورية الإسلامية. وتأخذ هذه التسريبات على “حماس” تفرّدها بعمل تجاوز ما قررته “قيادات المحور”. ويشي هذا العتب، بأن “القسام” تفرض على “حزب الله” توقيتها فيما يقصف مشعل الحزب من خلال توجيه رسالة موجعة: “ما يفعله الحزب غير كافٍ”.
فجأة تحوّلت “وحدة الساحات” إلى وهم، وصار للساحة اللبنانية التي يقودها الحزب خصوصية ومصالح وحسابات تختلف عن تلك في فلسطين وفي قطاع غزة بالذات. وإذا ما بُحّت أصوات لبنانية بالمطالبة بعدم جرّ لبنان إلى “معارك الآخرين” وتجنيب البلد مصيراً سبق أن ذاقه عام 2006 وأسف الأمين العام للحزب حينها على هذا المصاب من خلال تصريحه الشهير “لو كنت أعلم”، فإن لسان حال الحزب يكاد يقول محرجاً: هذه ليست معركتنا.
ردّ أحد المصادر المقرّبة من الحزب متهماً مشعل بالإقامة في فنادق فخمة ويطلب من الحزب “كبّ صواريخ من الجنوب”. ومع ذلك لا يستطيع “حزب الله” الذهاب بعيداً في إدارة الظهر لغزة و”حماس”. فالحزب أداة أساسية في السياسة الخارجية لإيران، وعليه الانخراط في مهام المشاغبة من جنوب لبنان “غير الكافية”، وفق مشعل، لكنها كافية حتى الآن إضافة لتحرك الفصائل الموالية لإيران في العراق وسوريا واليمن لفرض إيران نفسها على طاولة مآلات معركة غزة ومصيرها.
وإذا ما كانت واشنطن وباريس وعواصم أخرى تحذّر طهران وحزبها في لبنان من الانخراط في الحرب، فإن مشعل وأبو مرزوق في عتبهما على “حزب الله” إنما يغمزان أيضاً من قناة إيران ومن قصور ما تفعله أذرعها في كل المنطقة، وفي لبنان خصوصاً، للعب دورها في معركة كان مخططاً لها مع كل “المحور”، وفق تسريبات الحزب، حتى لو ارتأت “القسام” توقيتاً غزيّاً خاصاً.
ولئن التقى الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله، الأربعاء، نائب قائد حركة “حماس” صالح العاروري، وقائد حركة “الجهاد” زياد النخالة لتأكيد التنسيق، غير أن الواضح أن سجال “حماس” والحزب يدور حول ذلك التوقيت بالذات الذي وإن قد يرضى الحزب ألا يكون لبنانياً، لكنه متمسّك وملتزم بتوقيت إيران من دون لبس. فقط في هذا التوقيت يتقرر فتح جبهة لبنان من عدمه. وإسرائيل تتحسب لهذا التوقيت فتخلي مستوطنات الشمال.