نرجس محمدي

نرجس محمدي
جاءت الذكرى الأولى للانتفاضة النسوية الإيرانية محملةً بمفاجأة فوز المناضلة نرجس محمدي بجائزة نوبل للسلام، رغم وجودها في السجن. وكذلك بصدور كتاب عالم الأنثروبولوجيا الإيرانية شورا مكاريمي: “النساء، الحياة، الحرية: أصداء الانتفاضة الثورية في إيران”، (لاديكوفرت، باريس، 2023) الذي يحاول مقاربة الحدث الثوري على نحو أكثر عمقاً، وأكثر نفوذاً من قشرة السياسة الظاهرة. مكاريمي ليست جديدة على هذا النوع من حقول البحث، فقد نشرت قبل سنوات كتاب “دفتر عزيز: في قلب الثورة الإيرانية” (غاليمارد، باريس، 2011).
بدايةً تستمد الكاتبة عنوان كتابها من شعار سياسي عريق “المرأة، الحياة، الحرية” ينتمي إلى مجال التداولي الكردي، حيث كان وما زال أحد شعارات الحركات الاستقلالية الكردية، وقد تحول منذ العام الماضي إلى أحد الشعارات المركزية خلال الاحتجاجات التي حدثت في إيران رداً على مقتل مهسا أميني. وفي شباط (فبراير) 2023، أصدرت عشرون نقابة عمالية إيرانية مستقلة وجماعات نسوية ومنظمات طلابية بياناً من 12 نقطة شرحت فيه معنى شعار “المرأة، الحياة، الحرية”. منذ أيلول (سبتمبر) 2022، انخرط النساء والرجال، ومعظمهم من الشباب، في الهبة الشعبية التي أعقبت مقتل مهسا أمینی وفتح الإمكانات في إيران. يستدعي الكتاب الخريف التمردي الطويل وكذلك تسلسلات أخرى من التاريخ الإيراني ومحطات فارقة من القوة والمقاومة، تعرفه تشورا مكاريمي من خلال خلفيتها العائلية، وأيضاً من خلال أبحاثها، باعتبارها عالمة أنثروبولوجيا تهتم بالأرشيف المضاد والعواطف الجماعية، حيث تعطي الأحداث عمقاً ميدانياً يتيح لنا التعرف إلى جيناتها المتعددة، وفهم التحول الثوري.
لا تفصل الباحثة انتفاضة 2022 عن المسار الثوري الذي خاضه الإيرانيون منذ عقود ضد نظام الثورة الإسلامية. فهذه الهبة في الواقع وريثة لكل هذه الانتفاضات، لأن هناك تقسيماً طبقياً للنضالات، وذاكرة للنضال وطرق النضال التي تترك بصماتها، ثم هناك شبكات تنظم نفسها، بدايةً من هبة الطلاب في عام 1999؛ والحركة الخضراء عام 2009؛ بين عامي 2005 و2009، ومن ثم حركات الأمهات المطالبة بالعدالة بعد 2019؛ أو في أعمال الشغب من 2017 إلى 2019، عائلات ضحايا الرحلة PS 752 (الطائرة التي تربط طهران وكييف التي أسقطها الجيش الإيراني). إلا أن هذه الانتفاضة تكشف عن أهداف جذرية من خلال تحديد هذه الجمهورية الإسلامية باعتبارها أصل الأشكال المتقاطعة من القمع. الهيمنة ضد الأقليات العرقية والقومية التي تطالب بالمساواة السياسية في الحقوق، وضد النساء اللاتي يطالبن بالمساواة السياسية في الحقوق، وضد جميع بقية السكان، سواء رجالاً أم طلاباً، وما إلى ذلك، ما يثير مسألة المساواة السياسية في الحقوق للنساء والأقليات كشرط لا غنى عنه للمساواة للجميع أو الحرية للجميع. لذا، لدينا في الواقع أشكال من التقارب والتضامن حساسة للغاية، سواء في الخطابات أم في طرق الاحتجاج، والطريقة التي يتم بها تنظيم الاحتجاج، من خلال الشعارات في الشوارع وعلى الشبكات الاجتماعية.
المسألة ليست الحجاب
على الرغم من أن محور الصراع الأول، الذي كان منطلق شرارة الانتفاضة هو الحجاب، إلا أن الباحثة تعتقد أن المشكل لا يكمن في وجود الحجاب من عدمه. بل في الاهتمام الخاص والمفرط للغاية بهذا الموضوع الذي ترى أنه أحد وجود الإرث الاستعماري الفرنسي والإنكليزي، الذي أسس جزءاً من خطابه على الفوائد الحضارية للاستعمار. وهو ما نشهد له امتدادات غريبة في هذه الدول كما يحدث في فرنسا. تقول الباحثة إن المسألة ليست الحجاب في حد ذاته، بل مسألة وجوب ارتدائه (أو منع ذلك في هذا الصدد): إنها ليست مسألة اللباس بل مسألة العبء المنسوب له (التحرر، الخضوع)، الذي يحول أجساد النساء – وليس الرجال أبداً، سواء كانت الكبة أم عمامة السيخ – إلى رمز تُنقش عليه قيم المجتمع. كان الحجاب الإلزامي في إيران، منذ اليوم التالي لثورة 1979، هو الطريقة الأكثر فعالية والأسرع والأوضح للإظهار للجميع، نساءً ورجالاً، مدى  سيطرة الدولة من خلال القمع الجسدي وطبيعتها. ولا يمر الخط الفاصل بين المحجبات وغير المحجبات، بل بين من يوافق على هذا الواجب من اللباس ومن يرفضه.
من خلال مثال فاطمة سبهري، المحجبة، ترصد الباحثة نموذجاً مختلفاً للرفض. تم اعتقال سهيري في منزلها من قبل قوات الأمن. هذه الشخصية المعارضة التي اعتقلت عامي 2018 و2021 بعد دعوتها إلى إلغاء الجمهورية الإسلامية واستقالة المرشد الأعلى، فقدت زوجها على جبهة الحرب الإيرانية العراقية. أرملة شهيد ومن خلفية تقليدية، ومسلمة مقتنعة ترتدي الشادور الأسود، تجسد واقعاً أصبح واضحاً في السنوات الأخيرة: الأشخاص الذين كانوا يعتبرون قاعدة دعم النظام الإيراني لم يعودوا بالضرورة كذلك، وهو أمر شائع في أوساط الطبقات العاملة، البيئات الريفية أو التقليدية، عوائل شهداء الحرب المستفيدة من برامج الدعم، أو الأحياء التي استحوذت عليها ميليشيات الباسيج. لم يعد الانقسام بين الدعم والاحتجاج ينطوي على الانتماء إلى بيئات متعارضة، وهذا التشويش يضر إضراراً كبيراً بالدعم، حيث يتخمر الاحتجاج في جميع أنحاء المجتمع.
وعلى الرغم من أن رفض إجبارية الحجاب في الفضاء العام في إيران يشكل رفضاً للفصل بين الجنسين على نطاق أوسع وأشمل، وسيطرة الذكور على الفضاء العام، والذي يشكل الحجاب أبرز مظاهره، لكن هذه الثورة ليست حركة نسوية. بل هي حركة تضم جميع شرائح السكان: الرجال والنساء من المدن الصغيرة والكبيرة، والأحياء الغنية والضواحي الفقيرة. الجميع يتظاهرون ضد السلطة، من خلال رفض رمزها الثيوقراطي المباشر. إن خلع الحجاب أو حرقه في الأماكن العامة هو عمل سياسي يؤكد، بأقصى قدر من الوضوح، التحدي المباشر للنظام القائم. لم يعد ذلك يحدث بطريقة خفية، من خلال التخريب والمراوغات الذكية، كما اعتاد الإيرانيون منذ عقود عديدة، ولكن بصراحة وعلناً. وبهذا المعنى، عندما تحرق النساء حجابهن ويصفق لهن الرجال، ليس الرجال هم من يدعمون النساء في نضالهن، بل النساء هن من يعملن من أجلهن وكذلك من أجل الرجال الذين ليس لديهم رموز واضحة ومعروفة للرفض.
التحالف بين المجتمع والدولة
من خلال تحليل الصورة والخطاب، تنتهي الباحثة إلى أن حوادث خلع الحجاب في الشارع تعطل التحالف بين المجتمع والدولة بطرق عديدة. أولاً، يرتبط هذا من جديد بموقف سياسي له تاريخ معقد في إيران: موقف العداء أو المعارضة المباشرة. ومن ثم، تُفترض هذه الخطوة الفرح والإبداع: ليس هناك غضب فحسب، بل فرح أيضاً، وهذه المشاعر تعني غياب الخوف. لأن حقيقة عدم الخوف لا تقل أهمية عما لم يعد المرء خائفاً من فعله. ثانياً، إن بعض الاحترام الداخلي للخطوط الحمر التي وضعها من هم في السلطة هو الذي حدد المواطنة الإيرانية لأكثر من ثلاثين عاماً، ما يجعل من الصعب للغاية وصفها وفهم درجة القيد، وأشكال الطاعة، وحدود الالتزام. هل الخطوط الحمر موضوعات يجب عدم مناقشتها وأشياء يجب ألا تفعلها أو تقولها إذا كنت لا تريد أن تواجه مشكلات خطيرة؟
لقد أنتجت الخطوط الحمر، المستبطنة، أشكالاً متعددة من الرقابة الذاتية الفردية والجماعية والمؤسساتية، في عالم الثقافة أو البحث على سبيل المثال، ولكن أيضاً في مجال التنظيمات أو الالتزام السياسي. لقد تم بناء المجتمع المدني والحياة العامة من خلال دمج حقائق الرقابة واللعب بها، من أجل فتح سبل التعبير أو التغيير. يتضمن هذا الأسلوب العمل ضمن الإطار الذي رسمته الخطوط الحمر، واحترامها حتى لا تعرض اقتصاد المقاومة الهش، ولكن الديناميكي، للخطر. الفكرة هي التقدم من خلال تقييم إمكان الاستمرار في الفعل (العمل، التحدث، الحركة) في كل مرحلة.
هكذا أدى القبول الاستراتيجي بالحدود إلى استيعابها، حيث أصبح المجتمع المدني حارساً للخطوط الحمر التي فرضت عليه. ويسمح لنا هذا النهج الرقابي الذاتي، الفردي والجماعي، بفهم كيف تمكنت الجمهورية الإسلامية من بناء قوة كانت طبيعتها القمعية تُنكر في كثير من الأحيان، أو يتم التقليل من شأنها في شكل مسرحية من قبل الإيرانيين أنفسهم. إن التمييز الذي قامت به حنة أرنت بين الطاعة والالتزام مفيد للغاية هنا، ويبدو أن هناك تحولاً مستمراً في المجتمع الإيراني من فترة إلى أخرى. في هذا السياق، فإن خلع الحجاب وحرقه (وهذا أمر لا يمكن تصوره!) أو الكتابة على الجدران ضد السلطة، يشير بوضوح إلى رفض الميثاق الاجتماعي وتخلخل قوة الرقابة الذاتية التي فرضها المجتمع على نفسه. لكن هذا العبور يعني ترك الآليات العقلية التي نظمت العقد الاجتماعي طوال هذا الوقت، أي قبل ولادة معظم المتظاهرين.