يجمع المراقبون الروس والأجانب على أن رسالة بوتين السنوية للبرلمانيين الروس، كانت هذه السنة برنامجه في الإنتخابات الرئاسية التي ستجري بعد أسبوعين. وفي حين تبحث مواقع إعلام السلطة وتلك الدائرة في فلكها عن “إقتباسات وضاءة” من الكلمة التي إستغرقت حوالي الساعتين، ترى فيها مواقع المعارضة نسخة عن سابقاتها تتضمن وعوداً ليست مدعمة بالإمكانيات الكافية لتلبيتها. الجديد اللافت في الكلمة ـــ دعوة يوتين لتشكل نخب روسية جديدة من العسكريين المشاركين في الحرب على أوكرانيا.
صدى الكلمة في الإعلام العالمي تحدث عنه أكثر من موقع إعلامي رسمي. موقع INOSMI التابع لوكالة نوفوستي والمتخصص بترجمة الصحافة العالمية، استعرض ما ذكرته مواقع إعلام من مختلف القارات، ووكالة أنباء عالمية واحدة لكن ليس بينها كبريات الصحف الأميركية التي لم تأت على ذكر الكلمة.
الصحيفة الرسمية للحكومة الرسمية RG رأت أن الإعلام الغربي إنقسم إلى فريقين في تغطيته لكلمة بوتين: فريق تجاهلها كلياً، وآخر أبرز المقاطع المتعلقة بتهديدات بوتين للغرب والتلويح مجدداً بالسلاح النووي في حال إرسال قوات غربية للمشاركة في الحرب ضد روسيا. وقالت الصحيفة بأن عليك أن تبذل مجهوداً لكي تجد إشارة إلى كلمة بوتين في بعض الصحف الأوروبية. وأشارت إلى أن معظم الصحف الأوروبية الكبرى تجاهلت كل ما ليس متعلقاً بألأزمة الأوكرانية في الكلمة. وقالت بأن كبريات الصحف الأميركية لم تقم بأي عملية بث للكلمة، وتشير إلى عدد من هذه الصحف الكبيرة وتقول بأنه لم ترد فيها كلمة واحدة عن رسالة بوتين حتى وقت نشر نص الصحيفة الروسية بعد ظهر 29 الجاري (ألقى بوتين كلمته بين الثامنة والعاشرة صباحاً).
اللافت أن البرلمان الأوروبي اعتمد في اليوم عينه قراراً إعتبر موت المعارض ألكسي نافالني “جريمة قتل”، وحمل بوتين شخصياً “المسؤولية الجنائية والسياسية عنها”، حسب موقع الخدمة الروسية في “الحرة”. ونقل الموقع عن مجموعة نافالني حديثها عن العراقيل التي تضعها السلطات الروسية للحؤول دون تنظيم مأتم طبيعي لدفن جثة المعارض. وقالت السكرتيرة السابقة للمعارض أن السلطات حالت في البداية دون إيجاد قاعة لإقامة التأبين، وبعد أن سمحت بإقامته في كنيسة مجاورة لمكان إقامته في موسكو، أبلغت وكالات دفن الموتى المجموعة أن سائقي سيارات نقل الجنازات لديها تلقوا تهديدات من مجهولين لمنعهم من نقل جثة المعارض من براد المستشفى إلى الكنيسة (جرى الدفن أمس الجمعة).
في العودة إلى كلمة بوتين وردة فعل الغرب، ذكر موقع الخدمة الروسية في دويتشه فيله DW أن البرلمان الأوروبي، وفي اليوم عينه أيضاً الذي ألقى فيه بوتين كلمته، أقر “خطة إنتصار أوكرانيا”. وأشار الموقع إلى أن جميع بلدان الإتحاد الأوروبي وحلفائهم في الناتو إلتزموا بموجب الخطة بتخصيص 0,25% من الناتج القومي الإجمالي لدعم أوكرانيا عسكرياً.
ورداً على ما جاء في كلمة بوتين من تهديد بأسلحته التي بوسعها إصابة أهداف في أوروبا وبالسلاح النووي، في حال إستجاب الاتحاد الأوروبي والناتو لدعوة الرئيس الفرنسي إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا، نقل الموقع عن قادة الكتل في البرلمان الألماني قولهم بأن بوتين يريد تخويف أوروبا وجعلها تتوقف عن دعم أوكرانيا. ونقل عن خبير الإئتلاف الحاكم في السياسة الخارجية Anton Hofreiter قوله “يجب ألا نسمح لأنفسنا بالتعرض للترهيب”. ووافقه الرأي خبير السياسة الخارجية في المعارضة النيابية أيضاً Norbert Röttgen الذي قال “سيكون من الخطأ الفادح أن نجعل من تهديدات بوتين مقياساً لأفعالنا”. ورأى السياسي أن رد الفعل الغربي هذا على التهديدات، سيعتبره بوتين ضعفاً ويدفعه إلى تهديدات أكبر واستخدام القوة. خبير السياسة الخارجية في الحزب الإشتراكي الديموقراطي الألماني Nils Schmid نقل عنه الموقع وصفه تصريحات بوتين الجديدة بأنها “ليست جديرة بالثقة”. فمن جهة كرر تهديداته المألوفة للغرب والتلويح بالسلاح النووي، ومن جهة أخرى وعد بزيادة هائلة في الإنفاق الإجتماعي. وأضاف الخبير بأن ليس لدى بوتين أدنى فكرة عن كيفية تحقيق الأهداف السياسية الداخلية التي أعلنها في كلمته.
موقع الخدمة الروسية في BBC نشر في اليوم عينه نصين، استعرض في أحدهما ما جاء في رسالة بوتين، وبحث في الآخر إمكانية تحقيق كل الوعود التي قطعها بوتين للروس. قال الموقع أن قائمة الإجراءات التي وعد بوتين بإتخاذها في تطوير الإقتصاد ودعم السكان، تتطلب إنفاق تريليونات الروبلات. ورأى في وعود بوتين برنامجاً لتطور روسيا خلال السنوات القادمة حتى العام 2030. وشملت الوعود من إصلاح رياض الأطفال والمطارات إلى رفع الحد الأدنى للأجور وتخفيض الضرائب إلى دعم الصناعة والعلوم.
يذكّر االموقع بالوعود التي كان بوتين يتعهد بتنفيذها قبل كل إنتخابات رئاسية، ويشير إلى أنها ليست المرة الأولى التي يضع فيها بوتين أهدافاً تتطلب إنفاقاً ضخماً. ويقول بأن الوعود الحالية تختلف عن السابقة بأنه قليلاً ما تذكر ببرامج إصلاحية ما، بل بمحاولة لإغراق الاقتصاد بالمال بمواجهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة على خلفية الحرب.
مواقع المعارضة تجمع أن لا جديد في رسالة بوتين لهذه السنة، بل هي تكرار لسابقاتها والأطول مدة بينها. وفي سياق هذا التقييم للمعارضة، وفي نص شديد السخرية من محتوى الرسالة وطول مدة إطلالات بوتين العامة، نشرت صحيفة Novaya المعارضة التي لا تزال تصدر في موسكو، نصاً بعنوان من كلمة واحدة “فلنتنحنح” أو “فلنسعل”، في إشارة إلى ضجر المستمع لحديث شخص يكثر من الكلام المكرر. قال كاتب النص الصحافي والناقد المسرحي المخضرم Alexandre Minkine الذي أشرف على تحرير عدد الصحيفة (كل يوم يشرف أحد صحافيي المطبوعة على تحرير العدد) بأن رسالة بوتين ستكون غداً في 29 شباط/فبراير، و”نحن سنطلعكم” اليوم في 28 منه على الأفكار الرئيسية التي ستتضمنها. يتصدر كل نص في الصحيفة التعبير الذي يفرضه القانون على المطبوعة المدرجة على قائمة “عميل أجنبي”. يخاطب الكاتب القراء بالقول “بوسعكم أنتم أن تتذكروا الرسائل السابقة”.
للدلالة على تكرار ما يرد في إطلالات بوتين ورسائله إلى البرلمانين الروس، يعمد الكاتب إلى رصف كلمات متشابهة اللفظ بالروسية، لكنها لا تؤلف جملة ذات معنى.
يعود الكاتب ليخاطب القراء مجدداً بالقول “ولماذا تتعبون أنفسكم؟ كل أطروحات ونقاط ومواقف مثل هذه الرسائل معروف منذ زمن بعيد، وحتى تم نشره العام 1981 في الإتحاد السوفياتي (كان بريجنيف لا يزال على قيد الحياة، وكان معروفاً في آخر حياته بلفظه غير المفهوم وخطاباته الطويلة المكررة).
تشابهت نصوص المعارضين بتعليقهم على رسالة بوتين في رصف كلمات غير مترابطة تتكرر في خطب بوتين. الناشط السياسي المعارض الذي يوقع نصوصه بإسم “المريد”، نشر في 29 المنصرم نصاً على موقع Kasparov المعارض بعنوان “الجري في الدائرة”. أشار الناشط إلى القول المأثور “ثمة كذب، وثمة كذب كبير، وثمة (علم) الإحصاء”، وأضاف إليه: وثمة رسائل الرئيس الروسي للبرلمانيين الروس.
قال الناشط بأنه إحتسب كلفة الوعود التي قطعها بوتين للروس في رسالته، فتبين له أنها تساوي 13 مرة باب المداخيل السنوية في الموازنة الروسية. بما يعني أن روسيا لن يكون لديها خلال 13 عاماً ما تنفقه على أي شيئ سوى على الوعود التي قطعها بوتين للروس في رسالته.