تبدو موسكو حتى الآن الرابح الأكبر من حرب إسرائيل على غزة. فقد أتاحت لها هذه الحرب ما لم تتحه حربها في سوريا من تعزيز مواقعها في الشرق الأوسط. إستقبالها يوم الخميس لوفد من حماس ونائب وزير الخارجية الإيراني، يعزز إحتمال قيامها بلعب دور الوسيط بعد فشل قمة مصر في إبراز مرشح آخر، بمن فيهم مصر نفسها. وموسكو تقدم نفسها وسيطا في صراعات الشرق الأوسط منذ دخولها المعترك السوري، إلا أن بكين، وبكلفة أقل بما لا يقارن، نجحت حيث فشلت موسكو حتى الآن. وليس ما يؤكد نجاح روسيا هذه المرة من دون مساعدة حليفتها الصين في تذليل الكم الهائل من الإعتراضات على وساطتها المحتملة، وليس آخرها إعتراض إسرائيل التي وصفت زيارة وفد حماس إلى موسكو بأنها “مخزية”.

خروج حماس الأول إلى خارج المنطقة بعد 7 الجاري، وتزامنها غير العفوي مع زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني، لا تقول الكثير بعد لصالح توسط روسيا الذي قد يكون تم بحثه خلال الزيارة. وقد لا تكون إعتراضات التحالف الإسرائيلي الغربي العقبة الوحيدة دون ذلك، كما ليس إحتمال تقدم الصين للعب هذا الدور، والذي قد يلقى إعتراضات أقل من جانب هذا التحالف. فما راكمته روسيا بوتين من إرتكابات في سياساتها الخارجية والداخلية، يجعلها غير مؤهلة، بل عاجزة عن القيام بهذا الدور، كما يرى رئيس تحرير مركز  Carnegie موسكو Alexander Baunov في النص الذي نشره في 19 الجاري على موقع Meduza الروسي المعارض.

قد لا يكون وجود حزب الله ضروريا لتكتمل الصورة في موسكو، على الرغم من أن مسألة توسيع مشاركته في الحرب الدائرة تجعله في صدارة الصورة. فقد تساءلت صحيفة الحكومة الروسية  RG في 25 الجاري ما إن كان حزب الله يمثل قوة حقيقة بالنسبة لإسرائيل، أم ما يقوم به مجرد “قعقعة عضلات”.

تقول الصحية أنه، بينما تحشد إسرائيل قواتها على الحدود مع غزة، يخشى كثيرون من أن الخطر الحقيقي على إسرائيل، متمثلا بحزب الله، يقع في شمالها. وتنقل عن Daily Mail البريطانية إفتراضها أن قوة حزب الله تفوق عشر مرات قوة حماس، ويتمتع مقاتلوه بخبرة 12 عاماً من “قتال الدولة الإسلامية” في سوريا. وعلى الرغم من أن الحزب يتموضع في لبنان، إلا أنه يرتبط بطهران أكثر من بيروت. ويتخوف الخبراء من أن إجتياحاً إسرائيلياً برياً لقطاع غزة من شأنه أن يؤدي إلى هجوم واسع النطاق على إسرائيل من قبل حزب الله، مما يجبر الجيش الإسرائيلي على تقسيم موارده وخوض معركة على جبهتين في شمال البلاد وجنوبها.

بعد إستطراد مطول في الحديث عن تسلح حزب الله وحماس والمقارنة بينهما، تقول صحيفة الحكومة الروسية بأنه على الرغم من التصريحات عالية النبرة، على الأرجح لن يدعم حزب الله حماس الصديقة في المعارك داخل القطاع. فالراعي الإيراني لن يدخل في حرب مع إسرائيل، مما يعني أن حزب الله  سيكتفي بإطلاق الصواريخ وتبادل القصف عبر الحدود. وفي أقصى الحالات، لدى إسرائيل ورقة رابحة قوية متمثلة بالأساطيل الأميركية في المتوسط في حال مشاركة “طرف ثالث” في الحرب، ويقصد به حزب الله بالدرجة الأولى.

وترى الصحيفة أن واشنطن محقة حين تدعو إسرائيل الى أن تفكر بما ستقترحه بعد تطهير غزة. وتذكّرها الصحيفة بأن الأمر لن يقتصر على الإحتجاجات في العالم الإسلامي، بل ستتزايد المآسي في الغرب، من قتل المدرس في فرنسا والحاخام في ديترويت إلى نجمة داوود على منازل اليهود في برلين، مما يضع إسرائيل أمام مهمة صعبة في الدفاع عن اليهود في مختلف أنحاء العالم.

موقع الخدمة الروسية في BBC نشر في 24 الجاري نصا بعنوان “هل ينضم حزب الله إلى حرب غزة ضد إسرائيل؟”. يقول الموقع بأنه مرّ أكثر من أسبوعين على هجوم حماس على إسرائيل، وكانت الأنظار قد توجهت إثر الهجوم فورا إلى إيران، أحد الممولين الرئيسيين لكل من حماس وحزب الله اللذين تجمعهما فكرة القضاء على إسرائيل.

يشير الموقع إلى القصف المتبادل بين حزب الله وإسرائيل منذ السابع من الجاري، ويذكّر بتعبير خالد مشعل عن شكره حزب الله على ما يقوم به، لكنه اعتبره “غير كافٍ”. حزب الله بدوره أعلن أنه غير معني بالمشاركة المباشرة في الصراع، طالما لم تتخط إسرائيل “الخط الأحمر” الذي لم يحدده. وينقل عن مواقع إعلام عربية تخمينها بأن الخط الأحمر قد يكون: 1) عملية برية في غزة؛ 2) عدد ضحايا يتخطى الحد “المعقول”؛ 3) مقتل أحد قادة مجموعات “محور المقاومة”؛ 4) مهاجمة مواقع حزب الله.

لكن قرار المشاركة أو عدمه سوف يتخذ في طهران وليس في بيروت، حيث عبرت السلطات اللبنانية أكثر من مرة عن أنها بغنى عن حرب أخرى. ومن المستبعد أن يشارك حزب الله في الحرب من دون موافقة إيران التي تفضل الإنتظار حتى الآن.

ينقل الموقع عن البروفسور في جامعة تل أبيب Raz Zimmt تعبيره لصحيفة هآرتس عن إعتقاده بأن الحملة الإسرائيلية البرية ليست الخط الأحمر، بل ظهور تهديد فعلي لقائد حماس السياسي في غزة. وسيكون على إيران أن تختار بين أمرين سيئين. فإذا لم تتخذ أي خطوة، سيشجع هذا إسرائيل على مواصلة إلحاق الأذى بحماس وإظهار ضعف محور المقاومة الإيراني. وفي الوقت عينه، إذا قامت إيران بتنشيط حزب الله، فإن الرد الإسرائيلي واسع النطاق من شأنه أن يلحق أضراراً هائلة بالقدرات الاستراتيجية للحزب.

يقول الموقع بأن المحللين سبق أن أشاروا إلى أن إيران قد تكون حصلت على كل ما تريده من التأزم الحالي، وقررت أن تترك كل شيئ على حاله. وينقل الموقع عن الباحث في مركز  carnegieالشرق الأوسط مهند الحاج علي قوله بأن حزب الله يفضل التصعيد التدريجي لبلوغ هدفه في وقف غزو إسرائيل البري لقطاع غزة.

المسؤولة السابقة رفيعة المستوى في الموساد والنائبة السابقة لسكرتير مجلس الأمن القومي الإسرائيلي  Sima Shine نقل عنها الموقع قولها لصحيفة Le Monde الفرنسية بأن حزب الله يحاول حرف “انتباهنا” عن هدفه الرئيسي ــــ “التأكد من عدم دخولنا غزة”، من دون أن يؤدي ذلك إلى حرب مفتوحة” حالياً. وهو مهتم أكثر بإبراز قوته وردع إسرائيل. ولن يكون من الممكن تحقيق هذين الهدفين إذا اندلعت حرب مفتوحة مع إسرائيل.