من سخرية القدر أن يتحول شهر آذار برمزيته ودلالاته البهيجة، إلى موسم لانهيال المصائب والأحزان على الكرد. لقد اضحى من الندرة بمكان، مرور شهر آذار، وخاصة عيد النوروز دون أن يسفك فيه دم الكورد رخيصا، وكأننا أمام مشاهد سريالية ، أو مواسم تقديم القرابين. هكذا على الأقل جرت الأمور في سورية منذ أواسط القرن الماضي ومازالت.
كان العمل من أجل إحياء نوروز وجعله عيد قوميا، والمحافظة عليه كجزء من الهوية الثقافية مهمة في غاية الصعوبة، وخاصة إذا ما اخذنا بعين الاعتبار طبيعة انظمة العسكر والاستبداد، التي سادت طويلا في بلادنا ، هذه الانظمة التي لم تقصر يوما في نشر روح الاستعلاء القومي بالإضافة إلى الكراهية والخوف. لقد حاولت هذه الأنظمة الحؤول دون إقدام أباءنا ومن ثم استمرار اخوتنا وأبنائنا على اشعال نار نوروز، والحفاظ عليها متقدة في الأفئدة. لقد فشلت أنظمة الشيشكلي والانفصال وعبد الناصر والبعث وحافظ الأسد وابنه من طمس الهوية الثقافية الكوردية ومصادرة العيد اليتيم للكورد .
أول قربان لنوروز، كان سليمان أدي ابن التسعة عشر ربيعا، الذي قتل في نوروز عام 1986 في مظاهرة أمام قصر حافظ الأسد، برصاص حرسه الجمهوري . دفع سليمان دمه ثمنا لإرغام الطاغية على إعلان – النوروز – عيدا ويوم عطلة رسمية، على الرغم من مواربة الأسد المكشوفة وتسميته بعيد الأم.
اعتاد الكرد في هذا الشهر على تقديم خيرة أبنائه قرابين على مذابح الحرية، في نوروز عام 2008 تبع سليمان آدي ثلاثة شباب من القامشلي وهم: محمد زكي رمضان، محمد يحيى محمد محمود حسين الذين قتلوا عشية العيد برصاص عسكر نظام الأسد. لقد اضحى الحال وكأننا نعيش في زمن يماثل عهد (الضحاك)، غير أن البعض من أمثال “ضحاك” العصريين فضل الإبادة الجماعية بالغازات الكيميائية السامة على الاكتفاء بالتداوي بأدمغة البشر. بينما راح بشار الاسد يجري أول بروفة ناجحة له بمواجهة المتظاهرين الكرد في عام ٢٠٠٤، عندما اطلقت اجهزة أمنه الرصاص على المتظاهرين السلميين وقتلت اكثر من ثلاثين منهم .اما جارنا التركي فقد وجد ضالته في إحياء تقاليد ” السلف الصالح ” وتلاوة” سورة الفتح ” في مساجده، قبيل احتلاله لعفرين المسالمة ، واستباحة دم أهلها ونهب خيراتها وسبي نسائها، ومن ثم رميها للمتوحشين من مريديه ومرتزقته ليعيثوا فيها إجراما وفسادا.
في السنة الماضية وعشية عيد النوروز اقدمت عناصر من هؤلاء المتوحشين، على إطلاق النار وبدم بارد على أربعة افراد من عائلة ” بيشمركه “، خلال احتفالها العائلي في مدينة جنديرس. وفي هذا العام وفي نفس المدينة وقبل أيام فقط ذبح طفل ورميت جنته في بئر. لا غرابة في تكرار مثل هذه الجرائم حتى وإن جرت في نفس المكان والزمان، بل تبدو أنها عادية تماما في ظل غياب القضاء والقانون في عفرين وغيرها من المناطق المحتلة من قبل تركيا. ولطالما بقي المجرمون عمليا أي دون عقاب يناسب جريمتهم. لقيت هذه الجريمة تضامنا واسعا مع أسرة المغدورين والكورد العفرينيين عموما. حيث أدانت منظمات حقوقية محلية ودولية هذه الجريمة، وعلى رأسها منظمة ” هيومن رايس ووتش ” التي ألقت بالمسؤولية عنها على تركيا لتهربها من مسؤوليتها بصفتها دولة احتلال، وتغاضيها عن محاكمة المجرمين ومحاسبة الفصائل الموالية لها، والمتورطة في انتهاكات جسيمة متكررة وممنهجة .
صحيح تماما ما توصلت إليه ” هيومن رايس ووتش “، لكن مع إضافة صغيرة ، وهي أن هذه الجرائم لم تكن لتمر وتستمر بهذه السهولة ، لولا اكتفاء أبناء جلدتنا من قادة ” المجلس الوطني الكردي ” بصياغة بيانات ، اشبه ما تكون بذر الرماد في العيون ، مقابل تخاذلهم الفعلي والمعيب في الدفاع عن عفرين وأهلها، بالإضافة إلى مكابرتهم في البقاء ضمن صفوف “حكومة الائتلاف ” اللاوطنية، المنضوية تحت راية اردوغان، والتي ترعى عمليا نشاط الفصائل التابعة لها في المناطق ” المحررة ” !!!