يعكس اقتراح الرئيس الفرنسي  توسيع نطاق التحالف الدولي الذي يحارب تنظيم “داعش” في العراق وسوريا ليشمل أيضاً القتال ضد حركة “حماس” في غزة، مشهد تدهور العلاقات بين فرنسا وإيران منذ بداية الحرب الروسية – الأوكرانية، كذلك يعكس، وفقاً لمحللين، رغبة فرنسية بتعويض تراجع نفوذها في أفريقيا عبر زيادة حجم الدور الفرنسي والمشاركة العسكرية تحت غطاء “تحالف دولي” إلى الشرق الأوسط.

وأثار إعلان ماكرون الذي جال في الشرق الأوسط متنقلاً إلى  ثم الأردن لينهي جولته الشرق أوسطية في مصر، إحراجاً دبلوماسياً وسياسياً لتلك الدول، مما دفع قصر الإليزيه، للتوضيح بأن المقصود هو استغلال التجربة التي حصلت من خلال التحالف الدولي لمكافحة “داعش” ومعرفة الجوانب التي يمكن تطبيقها على “حماس”، لافتاً إلى أن التحالف الدولي والإقليمي في حال قيامه لا يعني بالضرورة عملاً عسكرياً، وإنما تقاسم المعلومات الاستخباراتية وأيضاً مكافحة تمويل “حماس”.

وبحسب صحيفة “لوموند” فإن السفير السابق لدى أبوظبي كزافييه شاتيل أحد مستشاري ماكرون هو الذي أوحى بهذه الفكرة.

ضرب المعارضة

ووفق المتابعات للمواقف الفرنسية الداخلية، يبدو أن ماكرون استطاع بانحيازه نحو إسرائيل وطرحه تشكيل “تحالف دولي”، تسديد ضربة قاسية للمعارضة التي كانت تتسع على خلفية إخفاقاته الداخلية والخارجية، إذ استقطب أحزاب المعارضة حول اقتراح تشكيل “التحالف”، إذ أيد معظم السياسيين كل طرح يدعم إسرائيل، من أقصى اليمين مع تجمع مارين لوبن إلى أقصى اليسار مع الشيوعي فابيان روسيل، باستثناء عدد من السياسيين منهم رئيس حزب “فرنسا الأبية” اليساري جان لوك ميلانشون وهو الذي أصبح أقلية في دعمه لإسرائيل ورفضه وصف هجوم حركة “حماس” بأنه إرهابي.

اليهود والعرب

وعلى رغم الحماسة الفرنسية تجاه إسرائيل يبدو أن السلطات الفرنسية بدأت تستشعر الخطر من تداعيات حرب “غزة” على الداخل، إذ تعيش جاليات عربية عديدة كان لها دور كبير في إشعال التظاهرات في عدد من المدن خلال الأشهر الماضية.

كذلك تبدو الأخطار أيضاً أوسع من تحرك المشاعر العربية تجاه القضية الفلسطينية، إنما هناك مخاوف من صدامات بين “المسلمين” و”اليهود”، إذ تعيش في فرنسا أكبر جاليتين إسلامية ويهودية في أوروبا.

“أنظمة” فرنسا الأفريقية

وفي وقت اعتبر كثر أن هدف ماكرون من الانحياز الشديد إلى جانب إسرائيل تفعيل دور فرنسا في الشرق الأوسط تزامناً مع عودة لافتة للولايات المتحدة بعدما كانت استراتيجيتها تتجه للانسحاب من المنطقة، رأى دبلوماسي متقاعد أن الهدف الحقيقي هو العودة إلى أفريقيا، لأن ماكرون يعلم قدرات الاستخبارات الإسرائيلية في معظم الدول الأفريقية.

وأضاف أن علاقة فرنسا مع إسرائيل كانت طوال السنوات الماضية تمر بتوترات ولا سيما بعدما بات الخيار الاستراتيجي لفرنسا في الشرق الأوسط الانفتاح على إيران، وبرأيه، لعبت إسرائيل دوراً محورياً بإسقاط “أنظمة فرنسا” في أفريقيا خلال المرحلة الماضية.

وأشار إلى أن فرنسا لديها مصلحة بإدخال أميركا بمواجهة عسكرية مباشرة على إحدى الجبهات “الغربية”، معتبراً أن إسرائيل هي جبهة بوجه المحور الروسي – الصيني، إذ تخفف الضغط عن جبهة أوكرانيا وتصبح أميركا لاعباً عسكرياً مباشراً وليس داعماً فقط.

“سقطة دبلوماسية”

في المقابل، اعتبر المتخصص في الشأن القانوني في المفوضية الأوروبية، محيي الدين الشحيمي، أن طرح ماكرون بقيام تحالف دولي جديد لمكافحة “حماس” شكل “سقطة سياسية ودبلوماسية”، إذ ليس لديه آلية واضحة لتنفيذه، إضافة إلى أنه “تسبب في انقسامات داخلية مع المعارضة وضمن الإدارة نفسها، مشدداً على أن العملانية الخاصة في هذه المبادرة غير متوفرة وغير قابلة للتحقيق.

وأوضح أن “الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية تجاهد كي تحصل على نسبة كبيرة من الانسجام والتحالف والتوافق، وهذه الفكرة التي صدرت من الرئيس الفرنسي شكلت بلا شك مفاجأة وصدمة كبيرة في الدول الأوروبية، كونه لم يناقشها مع دول الاتحاد”، مشيراً إلى أن الطرح ارتد سلباً على الأداء الفرنسي لجهة الدول العربية التي امتعضت واستهجنت مثل هذه الفكرة خصوصاً أن التحالف الدولي ضد “داعش” يضم دولاً عربية.

في حين وصف العميد خالد حمادة طرح ماكرون بـ”الجنون الفرنسي”، الذي برأيه لا يستند إلى أبسط مقومات الفهم للقضية الفلسطينية وملابساتها ومراعاة بالحد الأدنى لحقوق الشعب الفلسطيني، موضحاً أن ما يقصده ماكرون هو “الإتيان بتحالف دولي يتلقف مسؤولية الدمار، وتصبح هذه الحملة التدميرية على غزة سلوكاً دولياً متفقاً عليه”.

وقال إن “ماكرون مصر على إعادة ارتكاب الأخطاء التي تسببت في خروج باريس من أفريقيا وتسببت في هذا الشعور اللبناني العارم الذي أصبح ينظر إلى فرنسا ليس كأنها دولة عظمى بل كأنها دولة تحاول أن تمرر مصالحها هنا وهناك من دون احترام قيم الجمهورية الفرنسية”. أضاف “رأينا التجربة الفرنسية في لبنان بعد تفجير مرفأ بيروت، ورأينا أيضاً كيف عمل ماكرون على تسويق خيارات (حزب الله) وكل ذلك من أجل تمكنه من الاستثمار في بلوكات الغاز اللبنانية”.

وبرأيه، فإن هذا الطرح لا يحترم أبسط قواعد المنطق والأخلاق، كما أنه لا يحترم معاناة ووجع الشعب العربي والشعوب الإسلامية، عندما يعتبر أن “حماس” هي منظمة يمكن أن تدمر من أجل إخراجها من المشهد الفلسطيني تحت شعار تحالفات دولية.

ولفت إلى أن المنطقة تدرك تماماً أنها أصبحت الحلقة الأهم على المستوى الاقتصادي في كل العالم، والولايات المتحدة حاولت ترميم علاقاتها منذ مدة وجيزة مع دول المنطقة لأنها استشعرت ربما أن هناك أخطاء عديدة ارتكبتها في حق قضاياها، مشيراً إلى أنه “بالمقارنة بين موقف بايدن وموقف ماكرون قد نجد أن بايدن أصبح أكثر نبلاً على رغم موقفه المتعاطف مع إسرائيل لكنه في الأقل لا يحفز على هجوم بري، ويحاول دائماً التحذير من مغبة القيام بهذا الهجوم”.

فك الارتباط

ويبدو أن حركة فرنسا لا تقتصر على الدعم السياسي لإسرائيل، بل تبدو أنها على رأس الدول التي تعمل على فك الارتباط بين “حماس” و”حزب الله”، فتمارس ضغوطاً على لبنان للنأي عن الانخراط في الحرب وعدم الانزلاق نحو فتح الجبهة الشمالية، والإصرار على التقيد بقواعد الاشتباك المعمول بها منذ انتهاء حرب يوليو (تموز) 2006.

على رغم الموقف الفرنسي المنحاز إلى إسرائيل، فإن باريس قلقة على لبنان الذي تتوقع ضربة إسرائيلية له بحجة أن “حزب الله” لم يتوقف عن إشعال الوضع في الجنوب، ووفق المعلومات تولت الدبلوماسية الفرنسية نقل رسائل بين “حزب الله” وإسرائيل، وأوصلت التحذيرات اللازمة للمسؤولين اللبنانيين، وأيضاً تشير المعلومات إلى أن السفارة الفرنسية في بيروت طلبت من قوات اليونيفيل تزويدها بالمستجدات الفورية الجارية في الجنوب ولا سيما عن “الفصائل” التي استجدت على خط المعركة، علماً أن الكتيبة الفرنسية هي الكبرى في قوات حفظ السلام الدولية العاملة بجنوب لبنان.