ليس لدى الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصر الله ما يختلف عمّا لدى غيره، ليقوله. حتى تاريخه، هو يكتفي بتقديم نخبة من شبابه وبعض البلدات الجنوبيّة، على مذبح “إشغال” الجيش الإسرائيلي. فهذه هي الحدود القصوى، حتى إشعار آخر، لمساهمته بحرب “طوفان الأقصى”.
وحال “حزب الله” هنا، مثل حال سائر التنظيمات التابعة للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. الجميع يقف في صف “الإشغال” وينتظر انطلاق ساعة الصفر التي يحتكرها بطبيعة الحال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران السيّد علي خامنئي.
يعرف نصر الله أنّه إذا خرج إلى الشاشات، قبل وضوح “القرار الإيراني” سوف يجر عليه عاصفتين: الأولى لبنانيّة، لأنّه سيتحدّث عن “احتماليّة الحرب الواسعة”، الأمر الذي لن يقبله خصومه ولن تتمكن الحكومة الضعيفة أصلًا من “تسويقه” في تعاملاتها مع “عواصم التحذير الدولي” ولن يستطيع حلفاؤه المضغوط عليهم في شوارعهم، تبريره. أمّا الثانية ففلسطينيّة لأنّ نصر الله لن يحسم توسيع رقعة انضمامه إلى الحرب، الأمر الذي سيربك “حركة حماس” التي وجد رئيس مكتبها السياسي السابق خالد مشعل نفسه، على الرغم من سقوط خمسين شهيدًا للحزب، يُندد بضعف مساهمة “حزب الله” في طوفان الأقصى، فجرّ على نفسه حملة ممانعة مليئة بالقدح والذم والسخرية والاستهزاء.
إذاً، وانطلاقًا من هذا “التكتيك” المدروس، فإذا أراد نصر الله أن يطل على الشاشات، فهذا يعني أنّ القرار باحتواء الحرب أو توسيعها، يكون قد اتُخذ!
ولكن متى موعد هذا القرار، إذ إنّ خسائر الانتظار البشريّة والاقتصاديّة مرتفعة للغاية على لبنان الذي يُخسره “الانتظار المقلق” ما ربّحه إيّاه الصيف المزدهر؟
لا يوجد أحد في العالم يملك جوابًا عن هذا السؤال، لأنّ القرار رهن بتطوّرات كثيرة تتمحور كلّها حول إيران نفسها!
حتى تاريخه، هناك “شد حبال” بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهوريّة الإسلامية في إيران. الأولى تحذّر “الملالي” من الانضمام إلى الحرب وتُعزز حضورها العسكري غير المسبوق منذ سنوات طويلة في الضفة الشرقية لحوض البحر الأبيض المتوسط، والثانية تُندّد بالدعم غير المحدود المقدّم لإسرائيل وتستنفر كلّ التنظيمات التي استثمرت فيها لسنوات طويلة.
ولكن “شد الحبال” هذا لا يُخفي أنّ كلًّا من واشنطن وطهران فتحتا خطوط مفاوضات عبر القنوات المعتمدة بينهما، وهي كثيرة تبدأ بسلطنة عمان وتمر بقطر ولا تنتهي بالعراق!
وهذه مفاوضات صعبة يستحيل التكهّن بنتائجها، إذ إنّ إيران تشعر منذ السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الجاري بنشوة النصر، فما أقدمت عليه “حركة حماس” وفاجأت به إسرائيل والعالم، صبّ كلّه في مصلحة إيران التي كانت تنتظره وأعدّت العدة لاستثماره، وتاليًا فهي، في ظل تحكمها بقرار توسيع الحرب، سوف تطلب أثمانًا مرتفعة للغاية.
في المقابل، لا تستطيع الولايات المتحدة الأميركيّة، مهما “تكارمت”، أن تذهب إلى حيث يُقلّص نفوذها في المنطقة، في ظلّ التأهب الصيني والاستنفار الروسي، ويكتب بداية نهاية إسرائيل، في ظلّ محاولات تطويقها بالنار، من كلّ حدب وصوب!
ولأنّ المفاوضات صعبة للغاية، فإنّه من الصعب جدًّا أن تُكتب الحلول بالحبر بل هي تحتاج إلى كثير من الدماء.
ولكن مهما ارتفعت حماوة الحرب، فإنّ خطوط التواصل لن تنقطع بين واشنطن وطهران، ولن يصل التصعيد إلى مستوى المواجهة المباشرة بينهما!
وهذا يُفضي إلى الاعتقاد بأنّ جميع من يتحدثون عن “أزمة طويلة ومكلفة” لا يجانبون الصواب!
وهذه الإطالة سوف تضع الجميع في خطر، لأنّ المفاوضات تحت النار، قد لا تُبقي أحدًا خارج الحرب وتداعياتها، فلبنان، مثلًا، ركن أساسي في “الكباش”، وهذا ما يُدركه صنّاع القرار في العالم، لذلك بدأوا يتعاطون مع “بلاد الأرز” كما لو كانت دخلت إلى الحرب فعلًا!
وعليه، فإنّ إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصر الله قد تكون، عندما يحين وقتها، نبأً، ولكنّها لن تكون حدثًا، لأنّ قرار توسيع الحرب متى بدأ سوف يعرفه الجميع من مصدره الأساس: إيران!