أصدرت تونس فجر الأربعاء أحكامها في قضية اغتيال السياسي المعارض شكري بلعيد.
وأعلن المساعد الأول لوكيل الجمهورية (المدعي العام) بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب أيمن شطيبة، صدور أحكام بالإعدام في حق 4 متهمين والسجن بقية العمر في حق متهمين آخرين وعقوبات سجنية لمدد متفاوتة راوحت بين العامين و120 عاماً، وعدم سماع الدعوى في حقّ 5 متهمين محل متابعة على ذمة قضايا أخرى.
وبحسب معلومات “النهار العربي” صدرت أحكام الإعدام في حق كل من محمد العوادي ومحمد العكاري وكريم الكلاعي وعز الدين عبد اللاوي ومحمد أمين القاسمي.
وبلغ عدد المتهمين في قضية اغتيال شكري بلعيد حسب شطيبة 23، 14 منهم في حالة إيقاف و9 آخرين في حالة سراح.
وكان “تنظيم أنصار الشريعة” الإرهابي اعترف بارتكابه لجريمة اغتيال بلعيد.
لكن حسم القضاء في هذه القضية بعد نحو 11 سنة من وقوعها لم يحسم الجدل السياسي الذي رافقها على امتداد كل السنوات الماضية.
ودائماً ما كانت عائلتا بلعيد السياسية والبيولوجية توجهان أصابع الاتهام لحزب “حركة النهضة” الحاكم حينها بالوقوف وراء عملية اغتياله.
وفي السادس من شباط (فبراير) عام 2013 قتل شكري بلعيد وهو محام وسياسي عُرف بمعارضته الشديدة للإسلاميين أمام بيته الكائن بالمنزه السادس بالعاصمة تونس رمياً بالرصاص، في عملية شكلت منعرجاً في الحياة السياسية في تونس آنذاك.
وتحت ضغط الشارع أُجبر رئيس حكومة “النهضة” على الاستقالة فيما شهدت البلاد أزمةً سياسيةً كبيرة خصوصاً بعد اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 تموز (يوليو) من عام 2013 وتتالي العمليات الإرهابية التي نفذت ضد عسكريين وأمنيين وسياح ومدنيين.
وطيلة السنوات الماضية تتمسك “النهضة” بنفي الاتهامات الموجهة لها، لكن القضية عرفت في فترة حكمها تعثراً كبيراً، ولم يتم تسريع النظر فيها إلا بعد إزاحة الحركة من الحكم في 25 تموز 2021 تاريخ اعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد التدابير الاستثنائية في البلاد.
ويقول خصوم الإسلاميين إن سيطرة “النهضة” على القضاء قبل 2021 حالت دون كشف الحقيقة ومحاكمة المتورطين.
وفور الإعلان عن قرارات المحكمة سارعت حركة “النهضة” الأربعاء إلى إصدار بيان قالت فيه إنّ الأحكام الصادرة تمثّل “وسام براءة للحركة التي تعرّضت للتشهير طيلة سنوات”، ودعت إلى “ردّ الاعتبار لمن طالته الاتهامات السياسية الباطلة وعلى رأسهم رئيس الحركة راشد الغنوشي”.
وأضاف البيان أنّ “أطرافًا معادية ومغرضة أصرّت على تلبيس حركة النهضة مسؤولية هذا الاغتيال السياسي الأثيم وتلويث مسارها وصورتها بلون الدم، واستغلال أي مناسبة لتكرار أسطوانة الاتهام بالباطل حتى يبقى الجرح نازفاً والوصم راسخاً، تغطية على العجز عن المواجهة الفكرية والمنافسة السياسية في إطار ديموقراطي وحضاري سليم”.
لكنها في المقابل دعت إلى “فتح صفحة المصالحات الكبرى والإعراض عن الأصوات الداعية للفتنة والإقصاء والكراهية”.
وفي تعليقه على دعوة “النهضة” للمصالحة وصف شقيق شكري بلعيد عبد المجيد بلعيد بيان الحركة ب”المخاتل”، قائلاً لـ”النهار العربي” إنه تضمّن الكثير من المغالطات.
ويرى بلعيد أن حزب “النهضة” أراد تضليل الرأي العام مدعياً أن القضاء برأه في حين أن ذلك غير صحيح.
وأصر بلعيد على التمسك باتهام الحركة الإسلامية بالوقوف وراء اغتيال شقيقه، مؤكداً أن القضاء لم يحسم تورطها من عدمه بعد.
محاكمات في الأفق
وفي السياق يقول المحامي محمد جمور، عضو هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ورئيس اللجنة المركزية لـ”حزب الوطنيين الديموقراطيين” (حزب بلعيد)، إن المحكمة أصدرت قرارها في قسم واحد من القضية، موضحاً في تصريح لـ”النهار العربي” أن الحكم الذي صدر الأربعاء شمل فقط الجهة التي نفذت عملية الاغتيال، وتابع: “ثمة قضايا أخرى لا تزال محل نظر القضاء، وسيبتّ فيها قريباً”.
وكشف جمور عن قرب نظر المحكمة في قضية تورط فيها 5 أعضاء بارزين من حزب “النهضة” الإسلامي، قائلاً: “هناك قيادات من الصف الأول متورطة في هذه القضية ولم يقل القضاء كلمته بشأنها بعد، وستُحاكَم قريباً”.
وقال جمور إن ادعاء “النهضة” بأن القضاء أنصفها “فيه مغالطة للرأي العام لأن هناك قضايا أخرى متعلقة بالتسفير وبالجهاز السري والغرفة السوداء لم يقع النظر فيها بعد”.
ووفق المتحدث تم تفكيك القضية إلى عدة قضايا متصلة، بعضها تورط فيه الغنوشي.
وفي ما يتعلق بدعوة “النهضة” للمصالحة، يقول “إن المصالحة لا تكون الا بعد المحاسبة والاعتذار”، ويوضح “عندما ينتهي المسار القضائي وتعتذر الحركة عمّا ارتكبته يمكن الحديث عن مسار للمصالحة “.