Skip to content

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Home
  • ثلاث نساء ربحن الحرب….. ميس قات…..المصدر : صفحة الصديقة ميس قات …تم تنفيذ هذا المشروع بموجب زمالة “جيم هوغ ليغاسي” Jim Hoge legacy، المركز الدولي للصحفيين في واشنطن ICFJ 
  • مقالات رأي

ثلاث نساء ربحن الحرب….. ميس قات…..المصدر : صفحة الصديقة ميس قات …تم تنفيذ هذا المشروع بموجب زمالة “جيم هوغ ليغاسي” Jim Hoge legacy، المركز الدولي للصحفيين في واشنطن ICFJ 

khalil المحرر مارس 28, 2024

طلبت لبنى تأجيل المقابلة اليوم، ولدها الصغير مريض: “يحتاج أن أكون معه”، أوقفنا التسجيل، اعتذرت لبنى قنواتي عدة مرات. وفي وقت لاحق بعد الظهر اغلقت سحّاب حقيبة السفر وغادرت شقتها في مدينة ليون، ستعود غداً لتعتني بطفلها، لكنها اليوم مضطرّة للتّواجد في محكمة العدل الدولية بهولندا.
على بعد بضعة آلاف من الكيلومترات، تحاول حنين الاتصال مرة ثانية، الإنترنت في الشمال السوري ليس جيداً بما يكفي لإجراء مقابلة صحفيّة معي، ألغيتُ المقابلة مرة ثانية، هناك سيدة اتصلت بحنين تطلب العون، عليها ترك كل شيء والتوجه للمساعدة!
أما ريم، أخت رزان زيتونة فتعيش في الطرف الآخر من العالم، كندا، وبسبب فارق الوقت الكبير، اتصلت بها ليلاً، حدثتني طويلاً عن رزان، الاتصال لم ينقطع، وبقيت ريم ترسم حلماً حول اختها الأكبر حتى آخر لحظة من المكالمة…

ثلاثُ نساء ربحن الحرب، قصّة ثلاث نساء سوريات، لبنى رزان وحنين، شاباتٌ عشن سنوات الحرب بطرق مختلفة، رسمن سرديّة الثورة والنزاع من وجهة نظر تختلف عن السائد، فالنساء هنا لسن ضحايا وأرامل ومكلومات كما يتم وصفهنّ في السرديات التقليدية للحروب، ولكنهنّ شجاعاتٌ، قيادياتٌ ورائدات.
التقينا لبنى وحنين عدة مرات، في أماكن مختلفة، سجلنا أحاديثنا، وتبادلنا رسائل طويلة عبر واتس أب، وتواصلنا مع ريم أخت رزان، ومع أصدقاء وزملاء مقربين لها.
في سبيل إعداد هذه القصة المعمقة، قمت بالتواصل مع عدد كبير من الأشخاص في بلدان مختلفة، وشاهدت وثائقيات وتحقيقات وقرأت دراسات كثيرة، وظّفت خلاصتها في حكاية عن النساء السوريات رابحات الحرب.

 

لبنى قنواتي

لبنى قنواتي، تقضي أيامها تسافر بين المحاكم الأوروبية، والمحافل الدولية لترفع صوت السوريين والسوريات، الناجين والناجيات والضحايا والمختفين قسرياً، كرست وقتها وطاقتها لسنوات طويلة كمدافعة عن حقوق الإنسان، وكناشطة نسويّة حولت شغفها إلى مهنة لتشغل منصب نائبة مديرة منظمةاجل النساء من اجل التنمية تعيش لبنى اليوم مع ابنها الصغير في مدينة ليون بفرنسا.

 رزان زيتونة، محاميّة وناشطة في مجال حقوق الإنسان، من مؤسسي لجان التنسيق المحلية ، وثّقت آلاف الانتهاكات المرتكبة من قبل النظام والمعارضة السورية على حد سواء، في نهاية عام 2013 اختطفت مع ثلاثة آخرين من زملائها (سميرة الخليل، ناظم حمادي، ووائل حمادي) من قبل الجماعات الإسلامية التي سيطرت على مدينة دوما، جيش الإسلام على رأس المتهمين. رزان اليوم مغيبة قسرياً.

رزان زيتونة

حنين السيد

حنين السيد، تعيش الحرب كل يوم إلى جانب آلاف النساء السوريات الموجودات شمال سوريا. حنين صحفية وأخصائية بالأمان الرقمي، تركز عملها على النازحات والمهجرات، تنقل أصواتهنّ وقصصهنّ كل يوم، وتساعدهنّ في جعل الانترنت مكاناً أكثر أماناً وفائدة لهنّ. تعيش حنين مع زوجها وولديها في الشمال السوري.

منذ سبعينيات القرن الماضي، ارتدى طلاب وطالبات المدارس الثانوية السورية الملابس العسكرية بوصفها لباساً رسمياً، كان عليهم دراسة مادة “التربية العسكرية” وتعلّم مهارات استعمال البارودة التشيكية، والقنبلة اليدوية، وتنظيف الأسلحة، إلى جانب قواعد عسكرية أخرى، وأُطلق على معلمي هذه المادة اسم “مدربي الفتوة”.

تقول لبنى قنواتي وهي تنظر بعيداً: “أتذكر معلمة مادة التربية العسكرية في المدرسة الإعدادية… كنا نناديها الآنسة جميلة… كانت تنعتنا بالحيوانات وتزعق بصوت عالٍ، القسوة والحياة العسكرية سمة أساسية تربى عليها أبناء وبنات هذا الجيل، جدران المدارس مطلية باللون الرمادي، فيما أبوابها سوداء وحديدية كأبواب السجون”، شخصية لبنى “المشاغبة” لم تكن متلائمة مع السلوك المتوقع من الطلاب في حينه، في وقت مبكر أدركت لبنى أنها تعيش في عالم لن يستوعب طاقتها وأفكارها وأحلامها، وفهمت أن الحرية التي تحتاجها ليست موجودة هنا.

طالبات في إحدى مدارس دمشق أثناء تدريب عسكري. الصورة نشرتها ناشيونال جيوغرافيك عام 1974

تقول لبنى: “ساهم والدي بشكل كبير في تكوين شخصيتي، كان يسارياً ومعارضاً وكنا نسمع كلامه ورأيه السياسي في المنزل”. في سنّ مبكرة وبسبب الظروف المالية الضاغطة، بدأت العمل مع والدها في ورشته الخاصة بمدينة حرستا شرق العاصمة السورية دمشق، واجهت لبنى صعوبات في تنظيم وقتها بين دراستها الجامعية وساعات العمل المضنية في الطباعة على الملابس ورسم التصاميم.  تقول لبنى: “كان أعيش في عالمين مختلفين، عالم عمال المطابع البسطاء، لغتهم واهتماماتهم وحياتهم الصعبة، وعالمٌ آخر في الجامعة والمركز الثقافي الإسباني، حيث كنت ألتقي ما يسمى بالنخبة المثقفة”، هذا الانقسام والحيوات المختلفة والانتماء لمجتمعين متنوعين، جعل لبنى تفهم الثورة وسبب خروج الناس للتظاهر، وساعدها على تكوين أرضية ثابتة من العلاقات الجيدة مع شباب الثورة أنفسهم في وقت لاحق.

، حيث نشأت لبنى قنواتي

أُطلق على سوريا في ذلك الحين مملكة الصمت ”، الاقتراب من السياسة ممنوع، والحديث حول الحريات العامة قد يعرضك للاعتقال أو التعذيب والاختفاء. حتى ضمن العائلة الواحدة، كان الإخوة يتهامسون عندما يتعلق الحديث بال “الأسد”، عدم الرقص خلال احتفالات الحزب قد يعرضك للاعتقال والاستجواب، من النادر أن يتداول الشباب والشابات الأحاديث السياسية بشكل مفتوح، الكثير من الناشطين والناشطات الذين انخرطوا لاحقاً في العمل المدني والحقوقي في سوريا لديهم بطبيعة الحال خلفية عائلية حقوقية أيضاً، كما هو الأمر بالنسبة لوالد لبنى فقد تأثرت رزان أيضاً بأفراد ضمن عائلتها لديهم نشاط سياسي سابق… واعتقلوا لسنوات.

 

  • اضغط هنا و اقرأ أكثر عن حكم الأسد..

مع قدوم حافظ الأسد إلى السلطة، ألغى دستور عام 1973 الحياة السياسية في البلاد، وأجبر كل الأحزاب السياسية على الانطواء تحت مظلة “الجبهة الوطنية التقدمية” وهي جسم سياسي يقوده “الحزب القائد”، حزب البعث العربي الاشتراكي، ويتألف من سبعة أحزاب سياسية، اضطرت التيارات السياسية التي رفضت الانضمام إلى هذا الجسم، إلى اختيار العمل السياسي السري، وهو خيار خطير دُفع ثمنه باهظاً في سنوات لاحقة!

المشاركة النسائية كانت موجودة في قواعد الأحزاب السورية المختلفة، ولكنها كانت تقلّ بشكل ملحوظ وتنعدم في قيادات الأحزاب، حتى اليسارية منها والتي تدعم النساء في وثائقها التنظيمية.

حافظ هذا الدستور على حق المرأة في الترشح والتصويت في انتخابات مجلس الشعب، إلا أنه عباراته لم تسمح بالترشح لرئاسة الجمهورية، وفقاً للبحث القانوني مشاركة المراة السياسية والذي  أجرته الباحثة صباح حلاق إلى جانب  الباحثين أنور مجني وخالد عدوان، فالدستور لم ينــص صراحــة علــى ضــرورة أن يكــون رئيــس الجمهوريــة ذكــراً إلا أنـه اسـتخدم لغـة ذكوريـة فـي النـص المتعلـق بشـروط الترشـح للرئاسـة ً (يشــترط فيمــن يرشــح لرئاســة الجمهوريــة أن يكــون عربيــا ً ســوريا ً متمتعــا ً بحقوقــه المدنيــة والسياســية متمـاً الأربعين مــن عمــره).

وفـي الواقـع،  تضيف الدراسة أن لا أهميـة كبـرى لذلـك طالمـا أن الدسـتور مصمـم بطريقـة لا تســمح ســوى بوصــول شــخص واحــد إلــى ســدة الرئاســة هــو حافــظ الأسد، ناهيك عـن تعديـل الدسـتور بحـد ذاتـه ليتناسـب مـع سـن خلفـه الرئيـس الحالـي بشـار حافـظ الأسد أي ليصبـح سـن الترشـح لرئاسـة الجمهوريـة الرابعـة والثلاثين، بدلاً من الأربعين. بالتالــي، فــإن المنصــب يصمــم علــى مقــاس شــخص واحـد.

وضــع دستورعام ٧٣ مــادة خاصــة بالمشــاركة السياســية للمــرأة، وهــي المـادة 45 وقـد جـاء فيهـا (تكفـل الدولـة للمـرأة جميـع الفـرص التـي تتيـح لهـا المسـاهمة الفعالـة والكاملـة فـي الحياة السياسـية والاجتماعية والاقتصادية والثقافيــة وتعمــل علــى إزالــة القيــود التــي تمنــع تطورهــا ومشــاركتها فــي بنـاء المجتمـع العربـي الاشتراكي).

ريم زيتونة الأخت الصغرى لرزان، تقيم مع عائلتها في كندا، تقول لنا واصفة أختها رزان: “أتذكرها تقرأ كثيراً، كانت تريد أن تدرس الصحافة عندما تكبر، في سنوات دراستها الجامعية بدأت فعلاً بالعمل كصحفية، ونشرت مقالات في مواقع محلية خلال بداية العشرينيات من عمرها”. نشأت رزان طموحة مجدّة كما عرفها أصدقائها دائماً، مُنعت بعض مقالاتها وتم سحب بعضها من النشر، وبدأت تسمع ملاحظات وتنبيهات رقابية على عملها، الأمر الذي جعلها تصبح أكثر اهتماماً ومتابعة لموضوع انتهاك الحريات العامة في سوريا.

بعد تخرجها من الجامعة، تدربت رزان في مكتب المحامي هيثم المالح والذي كان متابعاُ لقضايا معتقلي الرأي، بدأت رزان بالعمل على قضايا المعتقلين السياسيين أيضاً، واهتمت بقضايا المعتقلين السوريين في السجون الاسرائيلية أيضاً، “كان لديها نظرة شاملة وواسعة عن العدالة” تقول ريم في وصفها لعمل رزان تلك الفترة.

  • اضغط هنا لتقرأ أكثر عن المحامي هيثم المالح..

استلم بشار الأسد الحكم في سوريا عام 2000 ، بعد تعديل دستوري تغير بموجبه عمر رئيس الجمهورية من أربعين إلى 34 عاماً، وافق أعضاء مجلس الشعب بالإجماع، وشاع الحديث عن “التجديد والتحديث”، وبدأ الأسد الابن بتكوين حرس جديد من أصدقائه ومعارفه الشباب، وترافق ذلك مع انفتاح نسبي أطلق عليه السياسيون حينها اسم “ربيع دمشق”.
، شكلت ظاهرة المنتديات الفكرية اختباراً حقيقياً لمدى جديّة الأسد الابن في تبني مقولات الديمقراطية الحديثة، ظهرت أيضاً بعض الجرائد والمجلات والمواقع الالكترونية التي حاولت تقديم خطاب ديمقراطي جريء مقارنة بخطاب الصحافة التقليدية في سوريا، كانت رزان في مطلع العشرينيات من عمرها في ذلك الوقت، وكانت تحضر المنتديات الفكرية، وتكتب في بعض الدوريات والمواقع الالكترونية، يذكر أولاد جيلها من المهتمين مقالاتها حول قانون الأحوال الشخصية وحقوق النساء والحريات العامة في البلاد.

وقف أسامة نصار أمام بناء محكمة امن الدولة  بدمشق، انتظر أن يلمح المعتقل عبد الرحمن الشاغوري خلال محاكمته في ذلك اليوم، أراد أن يحصل منه على أي معلومة حول أصدقائه المعتقلين فالزيارات كانت ممنوعة، وأسامة وكل الأهالي لم يكونوا قادرين على معرفة أي خبر عنهم… لمح أسامة وجه عبود من النافذة الضيقة للسيارة العسكرية المعتمة، أومأ عبود لأسامة بإبهام يده، مشيراً إلى أن “الشباب بخير وسلامة”.

  • اضغط هنا لتعرف أكثر عن قضية عبد الرحمن الشاغوري

كانت رزان تقف إلى جانب أسامة، فهي محامية عبد الرحمن الشاغوري، وتريد بالطبع أن تتابع القضية، يقول أسامة نصار في حديثه معنا: “كانت أول مرة التقي برزان زيتونة، كنت متأثراً جداً جراء معرفتي أن أصدقائي بخير، تحدثنا عدة مرات ومنذ ذلك الوقت أصبحنا أصدقاء، وقمنا بالكثير من المشاريع والنشاطات طوال أكثر من عشرة أعوام، وحتى يوم اختطافها في مدينة دوما”. تعرفت زران على وائل حمادة، ربطتهما صداقة قوية في البداية وحب وزواج في وقت لاحق، بدأت معه بتأسيس منزلها الصغير، وتشاركا الأفكار والمبادئ حول سوريا التي يحلمان بها، تقول ريم أن رزان كانت تقضي غالب وقتها مع وائل في العمل على قضايا حقوق الانسان: “كان ذلك يشكل كل حياتها”.

اضغط هنا لتعرف أكثر عن أسامة نصار

كانت حنين السيد تعيش في قرية مع معرة: “اتسمت حياتنا في القرية بالبساطة، أردت تعلم كل شيء منذ طفولتي، كنت أتابع الأخبار، وأقرأ كل ما تقع يدي عليه، أدركت مبكراً أنني أرغب بالتعلم ومساعدة الآخرين”.

صُدمت حنين بالنظام المدرسي في وقت مبكر، تماماً كما حصل مع لبنى ورزان فالمدارس في إدلب والقرى المهمشة تحمل نفس سمات المدارس في دمشق وريفها، نفس السلطوية والتربية العسكرية، بالإضافة إلى  الضغط الاجتماعي المضاعف الذي تتعرض له الفتيات والنساء في المناطق الريفية، قالت حنين: “تعرضت للتأنيب من استاذي لأنني طرحت أفكاراً مختلفة عن المعتاد، عاملوا أفكاري على أنها غريبة”، حصلت حنين على دعم والدها وحنان والدتها وكانت مجتهدة في مدرستها، تقول حنين: “أختي الكبرى هي أول فتاة في القرية تكمل دراستها في جامعة حلب، كان عليها أن تسافر وحدها، وأهل القرية لم يعجبهم ذلك إلا أن والدي دعمها”.

الأمر كان أسهل على حنين لأنها درست في حلب برفقة أخيها الذي كان يسكن هناك أيضاً. مع بدء حياتها الجامعية، أقامت حنين في السكن الجامعي المخصص للطالبات، استطاعت التعرف على أشخاص من خلفيات متنوعة، أديان وإثنيات وآراء مختلفة، رسمت في عقلها إشارات استفهام كبيرة، وبدأت رحلتها في البحث عن الإجابات وفهم المحيط والعلاقات في المدينة الكبيرة المختلفة عن قريتها التقليدية الصغيرة، والتي يسكنها مجموعة صغيرى من الناس الذين ينتمون لنفس الخلفية الدينية، ويتبعون نفس العادات والتقاليد.

الثورة!

دمشق ديسمبر 2010، خرجت لبنى قنواتي إلى جانب شبان وشابات آخرين في مظاهرات تناصر الثورة التونسية  التي هزت الشباب في العالم العربي. بسرعة، امتدت العدوى إلى مصر، وتجمع آلاف المتظاهرين في ساحة التحرير بالعاصمة المصرية القاهرة، بعد أقل من شهر استقال حسني مبارك    حسني مبارك من منصبه، ثم تبعتها مظاهرات في ليبيا.

كان السوريون يراقبون ما يحدث في البلدان العربية، عيون الناس في الشوارع تشتعل، والنقاشات الهامسة تحولت إلى أصوات أعلى فأعلى كل يوم، المتظاهرون القلائل في دمشق، والذين حاولوا المشاركة في مظاهرات خجولة لمناصرة الثورات العربية، تم إسكاتهم بالاعتقال والضرب والملاحقة، لكن الثورة السورية اندلعت في 15 آذار 2011 عبر مظاهرة في دمشث ، تبعتها في الثامن عشر من نفس الشهر، ثورة أهالي درعا في أقصى الجنوب السوري.

سمعت لبنى أحاديث الناس في حرستا حيث تسكن على أطراف دمشق، كان أصحاب الورشات الصغيرة والعمال المياومون، وزبائن والدها في المطبعة يتحدثون كل يوم، تقول لبنى: “عرفت أن شيئاً كبيراً سيحدث في البلاد”.

عن يوم شهداء يوم الجمعة عام ٢٠١١ تشرح لبنى: “لأول مرة في حياتي أرى تجمعاً غاضباً للناس بهذا الشكل، مرت المظاهرة المهيبة أمام مطبعة والدي، وكان الناس يهتفون للحرية بصوت عالٍ، قررت أن أخرج إلى الشارع واقف معهم لأناصرهم، كان هذا أشجع موقف في حياتي”.

في نفس الوقت سمعت لبنى الكثير مما يحدث في حمص، مسقط رأس والدتها، وعرفت أن المظاهرات تجتاح المدينة أيضاً، وأن غضب الناس ينتشر في كل مكان، كما عرفت أن الدبابات انتشرت في وقت مبكر جداً في حمص تقول لبنى: “الأمور كانت تتدهور بسرعة في حمص، لم أفكر بلحظة أين سأقف، اتخذت قراري بشكل تلقائي أنا مع الثوار بالتأكيد!”.

بدأت عملها في النشاط الإغاثي بشكل غير منظم، تطوعت لإيصال الأدوية إلى حمص، وكان نقل المواد الطبية خطيراً جداً، حيث استهدف النظام السوري الجهاز الطبي منذ الأيام الأولى لاندلاع الاحتجاجات ضده.

فيديو لأول مظاهرة في الثورة السورية، دمشق، آذار 2011 سوق الحميدية.

بودكاست قيد المحاكمة: الجهاز الطبي وعلاقته بآلة التعذيب في سوريا

اعتقل عدد من أصدقاء لبنى: “عرفتُ أن اسمي ذُكر عدة مرات خلال تحقيقات أجراها سجانو أصدقائي ومعارفي المعتقلين”، عرفت المخابرات السورية بشأن نشاط لبنى، وعرفت اسمها، وتفاصيل مهمة عنها.

داهم عناصر الأمن مطبعة والدها، وعرفت أنها باتت مطلوبة للاعتقال، وبأن عليها الاختفاء عن الأعين اعتباراً من هذه اللحظة!

يخبرنا أسامة نصار، عن تفاصيل اعتصام وزراة الداخلية  الذي تم تنظيمه للمطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي في سوريا، تجمع العشرات من أهالي واقارب سجناء الرأي في ساحة المرجة قرب وزارة الداخلية في وسط دمشق يوم 16 مارس، اليوم التالي لانطلاق أول مظاهرة في الثورة السورية، اعتقل أسامة نصار خلال الاعتصام إلى جانب عدد من المشاركين في التظاهرة من بينهم الناشطة المعارضة سهير الاتاسي والصحفي كمال شيخو والناشط في مجال حقوق الانسان مازن درويش والمحامي أنور البني ومهند الحسني.

يقول أسامة: “وصلت متأخراً إلى موقع الاعتصام، وجدت اللافتات ممزقة على الارض، بدأت الاعتقالات وتم اعتقالي مع معتصمين آخرين”، استطاعت رزان الهروب من الاعتقال ثم عادت في المساء إلى المحكمة، ودافعت عن المعتصمين المعتقلين إلى جانب ستة محامين آخرين.

صورة من اعتصام وزارة الداخلية للمطالبة بالافراج عن معتقلي الرأي في سوريا – مارس 2011 – المصدر DW

برزت رزان منذ اليوم الأول للثورة السورية، كحقوقية شابة، ومدافعة قوية عن مطالب المتظاهرين، ظهرت باسمها الصريح ووجهها ضمن مقابلات تلفزيونية، كانت واحدة من أشخاص قلّة استطاعوا الظهور على المحطات العربية والعالمية، بأسمائهم الحقيقية لتوضيح ما يجري في الشوارع.

تقول ريم أخت رزان: “كنا كأهل وأصدقاء نطلب منها استعمال اسم وهمي أو التخفي بهوية مختلفة وإخفاء وجهها أثناء المقابلات، لكن رزان كانت مصرّة على كون ظهورها باسمها الحقيقي جزء من عملها وبأنها ستظهر دائما باسمها وهويتها”.

تضيف ريم: “لا أعرف كم مرة تم استدعاء رزان من قبل المخابرات السورية قبل أن تبدأ بالتخفي، لم تكن تخبر عائلتها بكل التفاصيل، لأنها أرادت أن تحمينا من مسؤولية عملها وخطورته علينا”.

في شمال سوريا، جامعة حلب، كانت حنين ماتزال في سنتها الجامعية الثالثة عندما اندلعت الثورة، شاهدت بعينها اعتقال زملاء لها بسبب مشاركتهم في المظاهرات، وعرفت أن مجرد تعبيرها عن رأيها بما يحدث قد يعرضها للاعتقال. الانقسام الطائفي ظهر بشدة بين الطالبات في السكن الجامعي، وبات الخوف يسيطر على أجواء العلاقات بينهنّ، وبشكل يومي، كانت التقارير تُكتب من قبل بعض الطلاب والطالبات وترسل إلى فروع الأمن المختلفة لتبلغ عن مختلف الممارسات والميول السياسية، والأحاديث الدائرة، وحتى الهمسات المشبوهة!.

مداخلة لرزان زيتونة على الجزيرة الانكليزية في مايو 2011

استمرت المظاهرات سلمية في بعض المناطق بسوريا، أطلق عناصر المخابرات النار على المتظاهرين، وتم اعتقال الآلاف، تسربت فيديوهات تعذيب فظيعة وممارسات صادمة لعناصر الأمن على السوشيال ميديا، تسلل السلاح إلى المناطق المعارضة بشكل متفاوت، تصاعد العنف، وبدأت المتظاهرون يخرجون في احتفالات كبيرة تحت حراسة مسلحين في درعا وحمص وريف دمشق ومناطق مختلفة من البلاد.

المشاركات النسائية في المظاهرات كانت ضعيفة وقليلة، الظرف الأمني البالغ الخطورة لعب دوراً مركزياً في ضعف المشاركة النسائية، إضافة لخوف الناشطات من تعامل رجال الأمن السوري مع النساء.
اشارت تقرير اممية ولمنظمات دولية وحقوقية كمنظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى تحول الاغتصاب إلى سلاح في الحرب الدائرة في سوريا. وقد أخذت الاعتداءات الجنسية بعداً هاماً منذ بدء الثورة في سوريا في مارس/آذار 2011، باعتبارها استراتيجية حرب وتدمير للعدو، وطريقة للمس بالكرامة الإنسانية.
وفي تقرير أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان نهاية عام 2023 قالت الشبكة أن ما لا يقلّ عن 11 ألفا و203 نساء لا يزلن قيد الاعتقال أو الإخفاء القسري منذ بدء الحرب في سوريا. وأن 11 ألفا و541 حادثة عنف جنسي استهدفت النساء في سوريا، تم ارتكاب أغلبها من قبل قوات النظام السوري.

بالرغم من ذلك، فقد برزت أسماءٌ نسائية كقائدات وملهمات مثل رزان زيتونة، وفدوى سليمان وخولة دنيا ومي سكاف وسمر يزبك وسهير الأتاسي وغيرهنّ.

تحولات عنيفة.. ولا مكان للنساء هنا!

لم يعد للبنى قنواتي أي مجال للحركة بعد أن باتت مطلوبة للمخابرات السورية، مع مرور السنة الأولى لبدء الثورة في سوريا، اختفت الغالبية العظمى من ناشطي الصفوف الأمامية، الشباب والشابات الأكثر قوة، الأكثر اطلاعاً، وتواصلاً وحماساً، قُتل العديدون، واختفى آخرون في سجون النظام السوري، واضطر آخرون للهروب خارج البلاد.

فيديو يظهر الممثلة السورية فدوى سليمان تقود مظاهرة في حي الخالدية بحمص ديسمبر 2012

قررت لبنى التخفي بعد مداهمة مطبعة والدها بحثاً عنها، ثم سافرت إلى مصر، حيث قررت البقاء هناك لتجنب الاعتقال، لكن لبنى لم تستطع البقاء بعيدة عن الثورة إلا بضعة أسابيع، وفي نوفمبر 2012 عادت إلى سوريا عابرة الحدود السورية اللبنانية بشكل غير شرعي، ودخلت إلى دوما في ريف دمشق الشرقي، المدينة المجاورة لبلدة حرستا، حيث كانت تسكن لبنى طوال السنوات السابقة.

كانت دوما قد خرجت عن سيطرة النظام السوري كلياً، وسيطرت عليها مجموعات مسلحة معارضة، واعتقدت لبنى أنها ستكون قادرة على العمل بحرية أكبر في المناطق التي يسيطر عليها المعارضون.

كانت رزان تنتقل من بيت لبيت وتخفّت تماماً، “لدى عائلتي تجربة سابقة مع الاعتقال”، تقول ريم: “هناك أفراد من عائلتنا كانوا معتقلين سابقين ولذلك كان هناك خوف كبير من الأهل على رزان، فنحن نعرف معنى الاعتقال والاختفاء في سجون النظام السوري”،

يقول أسامة نصار صديق رزان: “بتنا جميعاً نحن الناشطون والناشطات ملاحقين بشكل خطير، استأجرت شقة صغيرة وسط دمشق، وكذلك انتقلت رزان مع زوجها من منزلهما ليتسأجرا مكاناً آمناً، استمرت رزان بالتنقل بين الشقق المستأجرة ومنازل الاصدقاء، المشي في الشارع لمسافات قريبة كان صعباً جداً بالنسبة لها، فعناصر الأمن في كل مكان”.

يقول أسامة: “قررنا الانتقال إلى دوما، لم نرغب بترك دمشق، ولكن لا خيار آخر، في رحلة محفوفة بالمخاطر اتفقت مع رزان ووائل حمادة وصديق آخر على الذهاب معاً، نسقنا مع أشخاص ساعدونا على العبور، وصلت رزان إلى دوما باستخدام المواصلات العامة العادية، رافقها أحد الوسطاء طوال الطريق، ولم تخضع لأي تفتيش بحكم أنها فتاة، وضعت شالاً على رأسها وسافرت بطريقة جنونية!”، قضى أسامة ووائل وصديقهما يومين من المشي في مناطق خطرة ريثما وصلوا جميعا إلى دوما والتقوا لاحقاً برزان.

ومع وصول رزان ووائل وأسامة إلى دوما، تبلور نشاط رزان بطريقة أكثر عمقاً في الحراك، فقد شارك الأصدقاء في تأسيس التنسيقيات المحلية إلى جانب عشرات آخرين، كما ساهمت رزان بتأسيس العديد من المشاريع على أصعدة لها علاقة بالنساء، وتوثيق الانتهاكات والإعلام، والتنمية المجتمعية.

انتبهت رزان بسرعة إلى سيطرة الرجال الساحقة على مشهد المعارضة السورية، تتحدث في مقالها “المرأة في لجان التنسيق.. المبني للمجهول” عن تأطير النساء في مهام محددة، فهي “تطبخ للثوار! تتكفل بأعبائهم المنزلية! بالإضافة لمشاركتها في الأعمال الإسعافية”.

وتقول: “على أية حال، سأعترف بأنني لم أتعرف يوماً خلال سنتين من عمل اللجان إلى أي من ناشطات تلك التنسيقيات. بكلمات أخرى لم يقم النشطاء “الذكور” بتقديم أولئك الناشطات أو إعطائهن فرصة للمشاركة، واللجان بدورها، لم تسأل عنهن يوما!”.

تنبهت النساء إلى ضعف إمكانية العمل جنباً إلى جنب مع الرجال، فبدأن بتكوين تنسيقيات خاصة بالنساء، تقول الكاتبة النسوية لمى قنوت في كتابها “ “مع بداية تشكل    المشاركة السياسية  التنسيقيات المحلية شارك فيها الرجال والنساء، فيما بدأت مجموعات من النساء بتأسيس تنسيقيات خاصة بالنساء، كتنسيقية مدينة السلمية، وتجمع حرائر داريا، ومجموعة ثائرات تل الحرية في مدينة التل بريف دمشق، وأكبر التنسيقيات النسائية “نساء دوما الحرة”.

سكنت لبنى في شقة بسيطة، حاولت إكمال البناء بمساعدة أصدقاء لها لتتمكن من البقاء في المكان، كان هدفها أن تكمل عملها بأفضل طريقة ممكنة، بنت علاقاتٍ جديدة مع المحيط، كانت غريبة بالكامل عن المدينة، تماماً كما هو حال رزان ووائل وأسامة وغيرهم من المعارضين الوافدين من دمشق إلى مدينة دوما.

صور للبنى في منزلها بدوما 2013

بات بيت لبنى مركزاً يتجمع فيه الناس، أحضرت الطابعة من مطبعة والدها في حرستا، وباتت تستعملها لخدمة المجتمع المحلي، تقدم خدماتها وتطبع الأوراق بمقابل أحياناً، ومجاناً أحياناً أخرى.

تطوعت أيضاً في الجانب الطبي، وأسعفت الجرحى وتنقلت بين النقاط الطبية المختلفة: “بالطبع لم يكن لدي أي خبرة، تعلمت هناك أثناء العمل، وبحكم الحاجة الشديدة لإسعاف الناس ومساعدتهم”، اكتشفت لبنى أنها عاشت سنوات طويلة في “فقاعة” كما أسمتها لنا في حديثها، ولم تر أوضاع النساء بوضوح في المجتمع، لكن أثناء وجود لبنى في ريف دمشق، وتحت الحصار الخانق، وبحكم عملها في الجانب الطبي، بنت علاقات أقوى مع النساء “كانوا ينادوني دكتورة، تعالي غيري على الجرح، إو عطينا الإبرة”.

 

تضيف لبنى:”تعرفت على البيوت من الداخل، ورأيت ظروف الحرب الحقيقية والفقر المدقع، والجوع، ولكنني أيضاً تعرفت على قهر النساء الفظيع، والعنف الممارس ضدهنّ من قبل أزواجهنّ”.

وصلت رزان إلى الغوطة، وقامت برفقة أسامة نصار بزيارة لبنى قنواتي، كانوا في طور تأسيس مجلة طلعنا ع الحرية  وأرادوا التعاون مع لبنى لتأمين الأحبار الطباعية.

في أوقات لاحقة تواصلت لبنى مع رزان عدة مرات وتعرفت على سميرة الخليل ووائل حمادة وأصدقاء رزان الذين كانوا يقيمون جميعاً في بناء واحد، في وقت لاحق، تم اختطاف الناشطين الأربعة من قبل أفراد تابعين لجيش الإسلام.

الكاتية سمر يزبك ” كانت رزان قد أنشأت مركزاً للخياطة والصوف من أجل النساء في الغوطة وسمّته باسم “النساء الآن”، و أدارته “سميرة الخليل”. اتفقنا عندما قررنا العمل معاً أنّ يتمّ ضمّ المشغل إلى قسم التمكين الاقتصادي، وهو ما حصل، وبقيت سميرة في إدارته حتّى ساعة خطفها المقيتة.

بعد خطف زميلتينا، أردنا تكريمهما وتثبيت حضورهما وفاعليته، أردنا أن نقول لهما، لقد كنتما معنا في سنوات الغياب، وسنظل معكما في سنوات المستقبل. لقد قررنا بالتصويت بيننا كفريقٍ أن نطلق اسم “النساء الآن” على المنظمة بأسرها. نحن ننتظرهما، وكلّنا أملٌ أن تعودا إلينا وتريا قوة الإرادة والشغف وما حققته شبكة المراكز في غيابهما. إنّها طريقتنا الوحيدة للمقاومة وفي سلب من خطفهما معنى غيابهما عنّا.

في الشمال، كسرت حنين حاجز العادات والتقاليد في قريتها، بعد انقطاعها عن الجامعة، وتدهور الأمور، وخروج إدلب وريفها عن سيطرة النظام السوري، أسست مركزا للتنمية المجتمعية في قريتها الصغيرة، داخل منزل والديها، بجهدها التطوعي الخالص ورغبتها بتحسين أوضاع النساء في القرية.

تقول حنين “كنت أول فتاة تنشئ فريقاً لدعم النساء في القرية، عملت من كل قلبي، وقدمنا خدمات الدعم النفسي في المنطقة، واستطعنا تغيير رأي السكان المحليين بمفهوم الدعم النفسي وبأهميته خاصة بالنسبة للنساء”.

العمل المجتمعي وخاصة مع النساء يشكل تحدياً كبيراً في شمالي سوريا، حيث تعيش حنين، تعرضت الناشطات للمضايقات وقامت جماعات متطرفة بحرق مراكز نسائية وتهديد وإيذاء ناشطات سوريات عملن في المنطقة، اضطرت بعض الناشطات للخروج من البلاد، فيما بعضهنّ الآخر توقف عن العمل، وبقيت بعض المراكز تعمل في المنقطة تحت خطر الإغلاق او اعتقال المديرات والناشطات طوال الوقت.

عندما قررت حنين حمل الكاميرا والبدء بالتصوير والعمل الصحفي، واجهت العديد من الانتقادات “لم يكن الأهالي راضين عن حملي للكاميرا وعملي في الميدان، وكنت أسمع الكثير من التعليقات السلبية، كانوا يزعجونني خلال عملي، تهجّم علي شاب أثناء تغطيتي لواحدة من المناسبات، قال إنه سيكسر الكاميرا على رأسي، قال ذلك فقط لأنني فتاة تمارس عملاً يفترض هو أنه مخصص للرجال فقط”.

تلقت حنين رسائل تهديد كثيرة، وفيديوهات وحشية تطلب منها التوقف عن العمل الصحفي “كان أخي داعماً كبيراً لي، كان يشجعني ويساعدني ويدعمني نفسياً ورغم أن عائلتي محافظة إلا أنه كان مصراً على مساعدتي للاستمرار بما أقوم به”.

منذ بدأت حنين بحمل الكاميرا، غطت الصراع في منطقتها بشكل يومي، كصحفية مستقلة عملت لصالح مؤسسات إعلامية مختلفة، أعطت الأولوية للمدنيين والمدنيات في تقاريرها وقصصها الصحفية، وركزت على إعطاء مساحة كبيرة للنساء للتعبيرعن أنفسهنّ وتوثيق قصصهن، عملت حنين في واحدة من أخطر بيئات العمل على الصحفيين في العالم.

بسام الأحمد مدير مركز سوريون من أجل الحقيقة

عملت رزان سابقاً على تأسيس مركز توثيق الانتهاكات، مع المحامي السوري مازن درويش وزملاء آخرين، وبعد اعتقال مازن من قبل المخابرات السورية، أكملت رزان العمل على المركز مع زميلها وصديقها بسام الأحمد.

أخبرنا بسام أنه ورزان قررا الاستمرار بالعمل معاً على توثيق الانتهاكات المرتكبة من جميع الأطراف في سوريا: “بعد خروجي من الاعتقال وسفري إلى تركيا، بقي العمل بيننا عبر الانترنت، وكنت أقوم بالمتابعات الضرورية مع الإعلام والجهات الحقوقية فيما كانت رزان موجودة دائما على الأرض لتوثيق الانتهاكات”.

استمر مركز توثيق الانتهاكات في تقصي جرائم الحرب، مثل الهجوم بالأسلحة الكيماوية في أغسطس/ آب عام 2013 في الغوطة الشرقية، والذي وثقته رزان وزميلها ثائر حجازي، وسقط نحو ألف ضحية جراء الهجوم، من بينهم أكثر من 400 طفل.

في مقابلة سابقة أجريتها مع ثائر، أخبرنا بتفاصيل مرعبة وثقها جنباً إلى جنب مع رزان

مقابلة لثائر حجازي ضمن بودكاست قيد المحاكمة

طلبت رزان الوصول إلى مختلف السجون الخاضعة لإدارة فصائل المعارضة السورية المسلحة في منطقة ريف دمشق، وبحسب تحقيق اجرته دويتشة فيله فقد  أرادت التحقيق في قضايا احنمال تعرّض معتقلين للتعذيب في سجون الفصائل. كان ذلك مدعاة لغضب الكثيرين الذين شككوا ب “ولاء” رزان للثورة السورية.

عرفت رزان وزملاؤها أنهم ليسوا موضع ترحيب، فتوثيق انتهاكات النظام السوري كان مسموحاً ومرغوباً، لكن توثيق انتهاكات المعارضة المسلحة كان ممنوعاً.

خلال عام 2013، شهدت ريف دمشق، وبالتحديد مدينة دوما، صراعات بين تنظيم الدولة الإسلامية، جبهة النصرة، وجيش الإسلام، والذي استطاع السيطرة على المنطقة في النهاية. أخبرنا أسامة أن أحد العناصر المسلحة أطلق النار غاضباً أثناء حديثه مع رزان في السوق، كما أن إشارات تهديد متكررة وصلت لرزان وأصدقائها، بما فيهم أسامة نفسه الذي كان يسكن في الطابق الثاني، فيما رزان وأصدقاء آخرون يسكنون في الطابق الأول من نفس البناء.

يقول بسام الأحمد واصفاً ما حصل يوم التاسع من ديسمبر 2013: “كنت أتبادل الرسائل عبر سكايب مع رزان ليلاً، كنا نتحدث عن العمل والوضع بالعموم.. لا شيء محدد.. توقفت رزان عن الرد على رسائلي، فتوقعت أن الكهرباء انقطعت، أو أنها انشغلت بشيء ما… تابعت عملي ثم خلدت إلى النوم. صباحاً وجدت عشرات الرسائل في موبايلي، عرفت أن خطباً ما قد حدث!”.

أسامة نصار أخبرنا أنه كان في غرفته عندما انقطع الانترنت ليلاً: “عادة تنقطع الكهرباء، فتقوم رزان بوصل المولدة وتشغيل الانترنت خلال بضع دقائق، يومها لم تفعل ذلك، انتظرت قليلاً، ثم خلدت إلى النوم، توقعت أنها نائمة أو مشغولة ولم تقم بوصل الانترنت لسبب ما”.
في اليوم التالي عرف أسامة أن مسلحين حضروا ليلاً وأثاروا فوضى كبيرة في المكان، واختطفوا رزان وزوجها وائل حمادة وزميلها ناظم حمادي والناشطة السورية سميرة الخليل. والذين عرفوا لاحقاً باسم “رباعي دوما”.

يقول أسامة أن أصدقاء “رباعي دوما” وأهاليم حاولوا بشدة التحقيق في قضية الاختطاف، جهات مختلفة حاولت المساعدة، وقد تم التوصل بشكل لا مجال للشك فيه أن جيش الإسلام المسيطر على المنطقة، مسؤولٌ عن اختطاف رزان وسميرة ووائل وناظم.

يقول أسامة: “ليس لدينا ما يثبت أن رزان والأصدقاء الثلاثة مازالوا على قيد الحياة، ولكن ليس لدينا إثبات بأنهم قُتلوا أيضاً”.

“وصلتنا أخبار متناقضة عن أن رزان مازالت حية” تقول ريم أخت رزان زيتونة وتضيف: ” قد تكون في واحد من سجون المعارضة بالشمال السوري، قد تكون محتجزة لدى النظام السوري أيضاً، ليس لدينا أي إثبات، لكننا نتمنى أنها مازالت على قيد الحياة وأنها ستعود لنا من جديد”.

تشير كلّ القرائن الموجودة إلى ان جيش الإسلام مسؤول عن عملية الاختطاف، لكن وكما أكد كل من أسامة وريم، ليس هناك أية معلومات عن مكان تواجد المخطوفين الأربعة حتى الآن.

بودكاست رزان

بودكاست قيد المحاكمة، لبنى قنواتي تتحدث عن الحصار في الغوطة.

عاشت لبنى أيام حصار رهيبة ابتداء من عام 2013، وخضغت المنطقة كلها لحملة من االتجويع المعتمد، اختبرت لبنى القصف بالسلاح الكيماوي على الغوطة، وطبعت نعوات قتلى الكيماوي باستخدام مطبعتها، نعوة نعوة، كما تقول…

“من لم يعش حياة الحصار، لا يستطيع تخيل الحياة تحت الحصار إطلاقاً”.

لم تكن لبنى نسوية حينها، لكن اطلاعها على تجارب النساء وقربها منهنّ جعلها تفهم نسويتها بطريقة مختلفة، تريد لبنى نسويةً تلبي احتياجات النساء والفئات المهمشة في المجتمع، وترفع الظلم عن الناس. اضطرت لبنى للخروج من الغوطة، فالوضع لم يعد يحتمل والحصار خانق.

  • اضغط هنا لتعرف أكثر عن حصار الغوطة

مع بداية عام 2018، قامت قوات النظام السوري وبدعم من الطيران الروسي بهجوم كبير استمر بشكل متقطع لعدة أشهر، أدى في إبريل إلى إنهاء سيطرة مسلحي جيش الإسلام وفيلق الرحمان.

قدرت الأمم المتحدة المهجرين من المنطقة ب 151 ألف شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء، فيما وصل 79 ألفاً منهم إلى الشمال السوري،

مخيمات ادلب الشاسعة!

تزوجت حنين من أمجد المالح، وهو ناشط مدني من ريف دمشق، هجّر أمجد عام 2017 من بلدة صغيرة على أطراف دمشق، ووصل إلى الشمال السوري كآلاف المهجّرين الآخرين، وبسبب استمرار نشاطه المدني، اعتقل من قبل هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” سابقاً، وهي تنظيم إسلامي يسيطر على مناطق واسعة في إدلب وريف حلب.

أثناء هجوم النظام السوري على دوما بداية عام 2018، كانت تركيا قد فتحت جبهة واسعة في الشمال السوري أيضاً أطلقت عليها عملية “غصن الزيتون”، وبحلول شهر مارس، سيطرت القوات التركية والفصائل السورية المعارضة المرافقة لها على مدينة عفرين ذات الأكثرية الكوردية، الفصائل المعارضة السورية والقوات التركية متهمة بشكل مباشر بالقيام بعملية تغيير ديموغرافي واسعة النطاق عبر تهجير  الكورد، السكان الأصليين للمدينة وريفها.

فصائل المعارضة تمنع عودة المدنيين من الكورد إلى قراهم وبلداتهم، وسط استمرار الانتهاكات المرتكبة بحق أبناء المنطقة على أساس عرقي.

لقاء حنين وزوجها والحديث عن الهجرة والنزوح والهوية في بودكاست قيد المحاكمة.

بعد خروج أمجد من المعتقل، عانى من التضييق الخانق، والملاحقات والمراقبات الأمنية الدائمة، اضطرت حنين وزوجها للانتقال إلى عفرين،  “مناطق غصن الزيتون” كما يسميها الأتراك.

استأجر الزوجان شقة يمتلكها رجل كوردي  تم تهجيره في وقت سابق، وهو من سكان عفرين الأصليين، تقول حنين: “أتواصل مع صاحب المنزل عبر الهاتف، لا يستطيع الرجل العودة إلى بيته، لكنني أحرص على كل تفاصيل منزله، أغراضه، كتبه، والأشياء الصغيرة التي تركها، وأرسل له أجرة المنزل إلى حلب، حيث يعيش الآن”.

  • اضغط هنا لتعرف أكثر عن التهجير في سوريا

انتقلت لبنى من الغوطة إلى تركيا، ومن ثم إلى فرنسا، طوال الوقت كانت قريبة من النساء، تعمل مع المراكز المحلية في منظمة “النساء الآن” وتعطي من وقتها وطاقتها وروحها كل يوم.

سألتُ لبنى عن تجربتها في البلدان الثلاثة، قالت لي “مافي شي بيشبه الحصار، الحصار مذل وقاهر وبيغيربتركيبة نفسية البشر، ويزيد من الشعور بالرغبة الساحقة بالنجاة، لذلك لا أستطيع المقارنة بين منطقة نزاع وحرب وتطرف وبين دولة قانون مثل فرنسا، أو حتى تركيا”.

تضيف لبنى: “أعمل يومياً مع نساء يعشن في مناطق تعاني من الكوارث والنزاعات، أرى يومياً وأسمع العديد من قصص الظلم والانتهاكات، والقهر، في حياتي العادية قبل بدء الثورة لم يكن لدي أي فرصة للتعرف على نساء يعشن هذه التحديات”.

يوم عادي في حياة حنين

تتمنى حنين أن يرجع كورد عفرين إلى بيوتهم جميعاً، وأن تعود هي أيضاً إلى قريتها، تعيش اليوم بعيداً عن عائلتها، تفصلها حواجز عسكرية متعددة عن أخوتها ووالدها ووالدتها، تشعر حنين باليأس أحياناً، فلا مستقبل هنا، ولا حياة كما تقول.. لكن عملها مع النساء، وكاميرتها يبثان الأمل في كل خطوة تخطوها.

أسست ريم منظمة غير ربحية باسم اختها رزان زيتونة وسجلتها في كندا، ترغب عائلة رزان إكمال العمل الذي كانت ابنتهم تقوم به، وإعادة قضيتها إلى الواجهة.

وتفكر لبنى بإكمال دراستها، بالحصول على الماجستير والدكتوراه أيضاً، تفكر بابنها الوحيد، وتقلق على مستقبله، تقول لبنى: “هل هذا هو المنفى الأخير؟ أم أنني سأعيش في منافٍ ثانية؟”.

ماذا لو كان القرار بيد السوريات؟

الترجمة والتحرير إلى الإنكليزية: كريستينا كغدو

ساهم في التصوير وإنتاج الفيديو:

محمود أبو راس  – أمجد المالح

تصوير درون: عبد العزيز حاج أحمد

تم إعداد هذا المشروع بموجب

ثلاث نساء ربحن الحرب

ميس قات…..

Continue Reading

Previous: Hazem Saghieh ….. Stop Criticizing Hezbollah and Hamas!
Next: ………..المصدر .موقع رؤيا.RUYA….RAMADAN SPECIAL Syria’s Kurds struggle to pick favorites as Ramadan and Newroz coincide

قصص ذات الصلة

  • مقالات رأي

ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025

Recent Posts

  • ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب
  • العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة
  • سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة
  • “الحرب المؤجلة” بين ترمب وماسك… محطاتها وأسلحتها……طارق راشد…المصدر : المجلة
  • “كرنفال الثقافات” في برلين: في تعزيز ثقافة التنوع…….. سوسن جميل حسن…المصدر : ضفة ثالثة

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

Archives

  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب
  • العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة
  • سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة
  • “الحرب المؤجلة” بين ترمب وماسك… محطاتها وأسلحتها……طارق راشد…المصدر : المجلة
  • “كرنفال الثقافات” في برلين: في تعزيز ثقافة التنوع…….. سوسن جميل حسن…المصدر : ضفة ثالثة

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

منشورات سابقة

  • مقالات رأي

ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

“الحرب المؤجلة” بين ترمب وماسك… محطاتها وأسلحتها……طارق راشد…المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025

اتصل بنا

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.