لم يستجب السكان العرب في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فضلاً عن العرب الإسرائيليين، بَعْدْ لدعوة “حماس” للانضمام إلى القتال، ولكن وسط التوترات المتزايدة، على جميع الأطراف العمل بجد للحفاظ على الهدوء الهش.
عندما شنت حركة “حماس” هجومها الكبير على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، طلب رئيس العمليات العسكرية الإرهابية في الحركة، محمد الضيف، من “حزب الله” الانضمام إلى الحملة، وناشد العرب الإسرائيليين وعرب القدس الشرقية وفلسطينيي الضفة الغربية أن يستغلوا صدمة اللحظة لإشعال مناطقهم. وقال الضيف مشيراً إلى المسجد الأقصى في المدينة القديمة في القدس: “قررنا أن نضع حداً للانتهاكات الإسرائيلية في الأقصى والبدء بعملية «طوفان الأقصى» واليوم يستعيد شعبنا ثورته ويعود لمشروع إقامة الدولة”.
ومنذ ذلك الحين تَركّزَ الاهتمام على “حزب الله”، الذي فضّل حتى الآن اتباع سياسة حافة الهاوية بدلاً من التصعيد الشامل – بناءً على أوامر من رعاته الإيرانيين على الأرجح. أما الوضع في الضفة الغربية والقدس الشرقية وبين العرب الإسرائيليين، فهو أكثر تعقيداً. وعلى الرغم من أن دعوة الضيف لم تلقَ آذاناً صاغية في هذه المجتمعات العربية إلى حدٍ كبيرٍ، إلا أنها تشهد انقساماً بين مَن ينتقدون العنف الفاحش الذي مارسته “حماس” وبين مَن يتعاطفون مع سكان قطاع غزة. كما أن هذه المجتمعات قلقة جداً بشأن رد الفعل الإسرائيلي إذا قدّمت الدعم لـ”حماس”. وبالنسبة لإسرائيل، فإن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان ذلك سيتغير، لا سيما في أعقاب الغزو البري المتوقع لقوات “جيش الدفاع الإسرائيلي” في غزة. وبالنظر إلى تجربة إسرائيل خلال “عملية حارس الجدران” في أيار/مايو 2021، عندما نجحت “حماس” في توحيد هذه المجتمعات العربية ضمن حملة متعددة الجبهات أثارت احتجاجات عنيفة في جميع أنحاء الضفة الغربية، وأعمال شغب جماعية في القدس، وأعمال إرهابية في مدن يهودية عربية مختلطة في إسرائيل – فإن الخوف من العنف الناشئ عن هذه المجتمعات هو أمر منطقي. لكن عند تقييم إمكانية انضمام أيٍ من هذه المجتمعات إلى الحرب ضد إسرائيل، فمن الضروري دراسة كلٍ منها على حدة.
“إلقاء الجمر” في الضفة الغربية
على الرغم من أن الحوادث الإرهابية الفلسطينية في الضفة الغربية لم تحظى إلا بتغطية إعلامية قليلة نسبياً، إلا أنها تزايدت بشكلٍ ملحوظٍ منذ هجوم “حماس”. وفي الواقع أنه في الأسبوعين اللذين أعقبا العملية، ازدادت الهجمات أساساً ثلاثة أضعافٍ مقارنةً بالفترة التي سبقت عملية “حماس” – فبلغت أكثر من تسعين هجوماً إرهابياً كبيراً منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ويحدث ذلك بعد عامين من التصعيد المستمر في الضفة الغربية، حيث يتم تنفيذ الهجمات من قبل قائمة طويلة من الجماعات التي أصبحت أكثر كفاءة وترسخت بشكل متزايد، خاصةً في المناطق التي تفتقر إلى الحكم الفعال، مثل مخيمات اللاجئين، لا سيما في شمال الضفة الغربية (التي يشار إليها من قبل المسؤولين الإسرائيليين باسم السامرة). ويبدو أن هذه الزيادة تعكس أيضاً الجهود المضاعفة التي تبذلها “حماس” – التي تعمل من مواقع آمنة سابقاً في غزة ولبنان – لتوجيه الهجمات في الضفة الغربية.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، شهدت الضفة الغربية أيضاً ارتفاعاً في الاحتجاجات الداعمة لغزة. وبلغ هذا التصاعد ذروته بعد المأساة التي وقعت في “المستشفى الأهلي العربي” – والتي قُتل فيها المئات بسبب ما يبدو أنه صاروخ طائش أطلقته “حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين” – عندما حاول المتظاهرون في مختلف المدن الوصول إلى المباني الحكومية التابعة “للسلطة الفلسطينية”، لكن تم صدهم وتفريقهم في نهاية المطاف من قبل قوات الأمن التابعة “للسلطة”. كما شهدت نقاط الاحتكاك العديدة في المناطق المدارة مواجهات عنيفة مع قوات الأمن الإسرائيلية، التي اعتقلت أكثر من ألف فلسطيني، من بينهم حوالي خمسمائة من نشطاء “حماس”، وصادرت عشرات الأسلحة، وأسفرت هذه المواجهات عن مقتل 106 فلسطينيين منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وتدرك “السلطة الفلسطينية” من جهتها أهمية هذا الوقت وحساسية الوضع في الضفة الغربية. وقد تبنّت بدورها استراتيجية تقوم على السماح بتنظيم الاحتجاجات العامة باعتبارها صماماً لتنفيس مظالم الفلسطينيين، ولكن أيضاً لمنع مثل هذه الاحتجاجات من اتخاذ طابع عنيف خشية أن يؤدي ذلك إلى فقدان سيطرة “السلطة الفلسطينية” ويصب في مصلحة “حماس”. وتتجلى جهود التعامل مع هذه المخاطرة السياسية في التصريحات المتأخرة والضعيفة والقليلة التوازن التي أدلى بها رئيس “السلطة الفلسطينية” محمود عباس، والتي أثارت سخرية الفلسطينيين المحليين وانتقادات العواصم الغربية.
ويبدو أن “السلطة الفلسطينية” وحزبها الرئيسي “فتح” يدفعان ثمناً باهظاً مقابل موقفهما السلبي. وإدراكاً لهذا الواقع، أدلى بعض أعضاء “فتح” بتصريحات إيجابية نسبياً موجهة ليس فقط نحو المدنيين في غزة، بل نحو “حماس” أيضاً. ولكن على مستوى الشعور الداخلي، يتذكر الجيل الأقدم من حركة “فتح” أعمال العنف التي مارستها “حماس” حين سيطر الحزب الإسلامي على غزة في عام 2007. وفي ظل ظروف أقل معاناة في الضفة الغربية، فربما اعتبرت قيادة “فتح” أن سحق “حماس” يشكل نوعاً من الخلاص. إلا أن الواقع الحالي يجعل الأمور أكثر تعقيداً.
ومن الضروري التأكيد على أن الجهة الفاعلة الرئيسية هنا هي الشعب الفلسطيني الذي يعيش في الضفة الغربية والذي لطالما بقي على الحياد، ورفض المشاركة في أعمال عنف واسعة النطاق، على غرار انتفاضة جديدة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم اقتناعه بأنها ستكون مفيدة أو فعالة. وتُشكل وجهة النظر هذه على ما يبدو، والتي أصبحت شائعة منذ نهاية الانتفاضة الثانية، سبباً قوياً لعدم استجابة السكان المحليين عموماً لدعوة محمد الضيف إلى توحيد الجهود مع سكان غزة وتنظيم احتجاجات عنيفة ضد إسرائيل. ومع ذلك، فمن الجدير بالذكر أن جيل الشباب لا يتذكر الانتفاضة الثانية على المستوى الشخصي. وفي الواقع، تُظهر معظم استطلاعات الرأي أن السكان المحليين لديهم تحفظات شديدة إزاء “السلطة الفلسطينية” وحركة “فتح”، ولكنهم لا يعتبرون أيضاً أن “حماس” هي الحل.
ويمكن أن تؤدي مجموعة من الدوافع إلى إنهاء حالة الهدوء في الضفة الغربية، لا سيما الارتفاع الكبير في عدد الضحايا بعد دخول “جيش الدفاع الإسرائيلي” إلى غزة، أو فشل عسكري إسرائيلي مذهل هناك. ويشمل المشهد الفلسطيني الأوسع نطاقاً تَعَمُّق الشعور بعدم الجدوى السياسية، وتزايد الاستياء من فساد “السلطة الفلسطينية”، وتفاقم انعدام الأمن الشخصي، سواء بسبب نشاط “الجيش الإسرائيلي” أو تصاعد العنف من قبل اليهود اليمينيين المتطرفين الذين يعيشون في الضفة الغربية، أو المتعاطفين من اليهود المتطرفين من الجانب الآخر من “الخط الأخضر”، الذين قد تكون لديهم مصلحة في تأجيج التوترات مع الفلسطينيين المحليين في هذا الوقت الحساس.
القدس الشرقية: المدافعون عن الأقصى
وصفت “حماس” الهجوم الذي شنته في 7 تشرين الأول/أكتوبر بأنه دفاع عن المسجد الأقصى، لكن سكان القدس الشرقية امتنعوا بشكل عام حتى الآن عن الانضمام إلى الحملة. (تشمل الاستثناءات، الاشتباكات التي وقعت في الأيام الأخيرة بين عشرات الشباب الفلسطينيين وضباط الشرطة الإسرائيلية في “البلدة القديمة” بعد أن قيّدت الشرطة الدخول إلى صلاة الجمعة في المسجد الأقصى للمصلين الذين هم في الستينات – وفي بعض الحالات في السبعينات – من عمرهم). ويبدو أن إحجامهم عن الاستجابة لدعوة “حماس” يعكس مزيجاً من التردد في التعاطف مع وحشيتها، والخوف من العواقب التي قد يتكبدونها في “اليوم التالي” لهزيمة “حماس” في غزة.
ولكن مع مرور الوقت، تزايدت التوترات في القدس الشرقية. وانتشرت الشرطة بأعداد كبيرة في أنحاء المدينة منذ بداية الحرب، كما وُضعت حواجز من الأسمنت على مداخل الأحياء العربية لتسهيل إغلاقها إذا لزم الأمر. ويخشى السكان الذهاب إلى العمل بسبب الحالة المزاجية السائدة لدى الجمهور اليهودي، وقد أفادت بعض العائلات عن صعوبات في الحصول على الطعام والتنقل، وألمحت التذمرات إلى الانهيار الاقتصادي المحتمل للمجتمع. ويُعتبَر الوضع خطيراً بشكلٍ خاصٍ في أحياء المنطقة الرمادية، مثل كفر عقب، حيث ما زال الجانب الفلسطيني من الجدار الفاصل يقع ضمن الحدود البلدية للمدينة. ومنذ بدء القتال، تم إغلاق معبر قلنديا – الذي يربط هذه الأحياء ببقية القدس.
ولعدة سنوات، يعاني سكان القدس الشرقية من الاضطرابات وعدم الاستقرار والصعوبات العامة بسبب اندماجهم العملي غير الكامل في المجتمع الإسرائيلي. وفي المقابل، اعتنق المزيد منهم هوية “المدافعين عن الأقصى”، حتى في الوقت الذي يتمتعون فيه بمزايا الصحة والرعاية الاجتماعية التي توفرها الإقامة في إسرائيل. وقد اتخذ هذا التحول النفسي الأساسي شكلاً عنيفاً حين أثارته الإجراءات الإسرائيلية التي اعتُبرت بمثابة محاولاتٍ لتغيير الوضع الراهن في الحرم الشريف/جبل الهيكل – سواء من قبل الجهات الحكومية أو الجماعات المتطرفة – أو نتيجة للتدابير العقابية بحق السكان مثل هدم المنازل. أما “المشتبه بهم المعتادون” في أعمال العنف التي تَحدثُ في القدس، فهم غالباً من الشباب ذوي الخلفيات الإجرامية الذين لا ينتمون إلى أي تنظيم، إلى جانب بعض الفرق المنظمة من نشطاء “حماس” الذين يحاولون إثارة المشاكل وتنفيذ هجمات إرهابية خطيرة، مثل عمليات الاغتيال والخطف وإطلاق النار وحتى التفجيرات الانتحارية.
وخلال العام الماضي، حاولت “حماس” تحريض الشباب في القدس الشرقية من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والنداءات المباشرة من قبل قادة الحركة أيضاً. وتتناول هذه الرسائل مجموعةً من المواضيع، بدءاً من الارتباط الوثيق بين قطاع غزة والقدس، ومروراً بإهمال إسرائيل لسكان القدس الشرقية، ووصولاً إلى ضرورة إنقاذ الأقصى مع اقتراب “يوم التحرير”. وتحرص “حماس” بشكلٍ خاصٍ على تسليط الضوء على المجالات الحساسة التي تتعلق بالظلم والعزل والهوية. (هل سكان القدس الشرقية “فلسطينيون” أم “مقيمون غير مواطنين في إسرائيل”؟). وتأتي هذه الجهود في سياق إهمال القدس الشرقية منذ فترة طويلة، ووقوعها ضحية عدم اكتراث جهتين فاعلتين رئيسيَتين هما دولة إسرائيل ، التي تركز على الاستثمار في الأحياء اليهودية في المنطقة، و”السلطة الفلسطينية”، التي تثني سكان القدس الشرقية عن المشاركة في الانتخابات البلدية. وفي حين أن التصويت من شأنه أن يؤكد توحيد إسرائيل للمدينة، إلّا أن عدم التصويت يؤدي إلى حرمان العرب المحليين من حصتهم المشروعة في التمثيل والتأثير في حكم المدينة.
ولم يتم بعد تقييم التأثير الذي أحدثه هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر على مشاعر سكان القدس الشرقية. وفي السنوات الأخيرة، أظهرت استطلاعات الرأي التي أجراها كلٌ من و”المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” ومقره في رام الله، شكوكاً متزايدة بين سكان القدس الشرقية إزاء حكم “السلطة الفلسطينية”، وزيادة القلق بشأن خسارة الخدمات والبنى التحتية الإسرائيلية إذا انضموا إلى دولة فلسطينية. فوفقاً لاستطلاعٍ أجراه “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” منذ عام 2022، يقول أكثر من ثلث (37%) فلسطينيي القدس الشرقية أنه في سياق الحل الدائم لدولتين، فإنهم يفضلون أن يكونوا مواطنين في إسرائيل وليس في دولة فلسطينية. وعلى مستوى أعمق، أظهر الاستطلاع الذي أجراه “معهد واشنطن” في تموز/يوليو 2023 اتجاهاً متزايداً آخر نحو دعم التعايش: فقد وافق 63% من سكان القدس الشرقية – و 72% من الفئة العمرية 18-34 عاماً – على عبارة ” آمل أن نصبح والإسرائيليين أصدقاء يوماً ما، ففي النهاية جميعنا بشر”.
معضلة عرب إسرائيل
يمكن القول إن هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر جاء عندما بلغ تَقَبُّل الرسالة الموجَّهة من “حماس” ذروته لدى العرب الذين يعيشون في إسرائيل، بينما انخفضت ثقتهم في الدولة والحكومة والمؤسسات الإسرائيلية إلى مستويات غير مسبوقة. وفي أوساط هذا المجتمع الحيوي الذي يشكل ما يقرب من 20% من سكان إسرائيل، يسود شعورٌ حادٌ باليأس نظراً للزيادة المروعة في أعمال العنف والجرائم والضائقة الاقتصادية بين العرب – وهي مشاكل اجتماعية واقتصادية عميقة يعتقد الكثيرون أن دولة إسرائيل كانت قاسية في التعامل معها.
ومع ذلك، وعلى خلاف السلوك المتبَع خلال “عملية حارس الجدران” في عام 2021، لم يستجب العرب الإسرائيليون بعد لدعوة محمد الضيف ولم يفتحوا جبهة أخرى في حرب “حماس”. بل على العكس من ذلك، شارك بعض العرب الإسرائيليين في القتال ضد “حماس”، سواء كمجندين في “جيش الدفاع الإسرائيلي” أو من خلال إنقاذ اليهود في الكيبوتسات، حيث تعرّضوا لإصابات وحتى فقدوا حياتهم. وأعرب كثيرون آخرون عن تضامنهم مع إسرائيل وقدّموا دعمهم للسكان الذين أُجبِروا على إخلاء المجتمعات القريبة من غزة. وفي هذا السياق، فإن سلوك “الجناح الشمالي في الحركة الإسلامية في إسرائيل” له أهمية خاصة، حيث أدانت هذه الحركة بشدة تصرفات “حماس” عدة مرات، بل وعملت مع عناصر “الإخوان المسلمين” في جميع أنحاء العالم للعمل من أجل إطلاق سراح المختطفين. ويقيناً، أن بعض العرب الإسرائيليين أعربوا عن تضامنهم مع “حماس” وحتى مع المجزرة التي ارتكبتها في 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث اعتقلت الشرطة الإسرائيلية ستين فرداً وأوقفت الجامعات أربعين آخرين عن الدراسة أو طردتهم. ولكن يبدو أن هذه الآراء تقتصر على أقلية مقلقة ولكنها صغيرة نسبياً. وفي الواقع، أظهر استطلاعٌ للرأي أُجري مؤخراً أن نحو 80% من العرب الإسرائيليين يعارضون هجمات “حماس”، في حين أبدى نحو 5% تأييدهم لها.
لكن ليست جميع الأخبار إيجابية على هذه الجبهة. ففي حين أن معظم العرب الإسرائيليين يرفضون بربرية “حماس”، إلّا أن التوترات ما زالت تتصاعد بين المجتمعين اليهودي والعربي في إسرائيل. فمن جهة، ما زال الجمهور اليهودي يخشى أن ينضم العرب الإسرائيليون يوماً ما إلى الحملة التي تقودها “حماس”، كما فعلوا خلال أعمال الشغب الطائفية في عام 2021. ومن جهة أخرى، يزداد الغضب داخل المجتمع العربي الإسرائيلي بسبب فرض الحواجز الأمنية التي تمنع الكثيرين من الذهاب إلى العمل والعودة منه، لا سيما مواقع البناء، مما يضر بوضعهم الاقتصادي وعاداتهم اليومية، ويؤدي بشكلٍ خاصٍ إلى تقويض مكانتهم كمواطنين إسرائيليين. وفي حال وجود أي حافز حاسم، فإن النهج غير النشط وحتى الداعم الذي يتبناه العرب الإسرائيليون اليوم – والذين يرون أنفسهم عموماً جزءاً من النظام السياسي الإسرائيلي الأكبر، على الرغم من الشكاوى العميقة حول التحيز والتمييز – قد يتحول إلى نهج تصادمي متوافق مع “حماس”.
الخاتمة
لحسن الحظ، فشلت حركة “حماس” حتى الآن في فتح جبهة ثانية في حربها ضد إسرائيل. وبالتالي، تجنبت المجتمعات العربية المقيمة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وإسرائيل تكرار أعمال الشغب العنيفة التي وقعت عام 2021، حيث يعكس ضبط هذه المجتمعات لنفسها مزيجاً من الاشمئزاز من الطبيعة المتطرفة لهجوم “حماس”، والخوف من قيام إسرائيل بتكبيدها ثمناً باهظاً إذا لجأت إلى العنف. لكن الوضع قد يتغير نحو الأسوأ بسبب مشاعر الاستياء المتراكمة المرتبطة بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجهها هذه الفئات السكانية، فضلاً عن التحديات المرتبطة بالهوية. وقد يتبيّن أن هذه الديناميكيات قابلة للاشتعال عندما تختلط مع حساسية اليهود الإسرائيليين المرتفعة حالياً إزاء التصريحات أو الأفعال التي يمكن أن تشير إلى تهديد “التعايش”. وليس من المرجح أن ينتهي الصراع الدموي بين إسرائيل و”حماس” قريباً، الأمر الذي يضع كافة الأطراف أمام مهمة تتزايد صعوبتها تتمثل في الحفاظ على الديناميكية العملية بين العرب واليهود في إسرائيل والقدس الشرقية والضفة الغربية، وإن كانت هذه الديناميكية غير مستقرة.
نعومي نيومان هي زميلة زائرة في معهد واشنطن والرئيسة السابقة لوحدة الأبحاث في “وكالة الأمن الإسرائيلية”.