إن الوثائق الخاصة بـ “حماس” والمتعلقة بالفضائع التي ارتكبتها الحركة تدحض اداعاءاتها بأنها لم تستهدف المدنيين.
بدأ قياديو “حماس” يفهمون تداعيات تنفيذ أحد أسوأ الأعمال الإرهابية الدولية على الإطلاق. ولهذا السبب، ينفون اليوم هجوم عناصرهم على المدنيين في 7 تشرين الأول/أكتوبر في جنوب إسرائيل. على سبيل المثال، رفضرئيس حركة “حماس” في الخارج خالد مشعل هذه الاتهامات ورفض الاعتراف بأن لـ “حماس” ما تعتذر عنه. وهذا التصريحٌ بعيدٌ كلّ البُعد عن الخطاب المروّع الذي أدلى به قيادي آخر في “حماس”، هو إسماعيل هنية، يوم تنفيذ الهجمات، عندما تبجّح بشأن “النصر العظيم” الذي حققته الحركة ووصفه قائلاً “إنّه لجهادٌ جهاد، نصرٌ أو استشهاد”.
ويسعى مشعل باستماتة إلى الحد من الأضرار مع اعتراف العالم بوحشية “حماس”. فالاعتداء على المجتمعات المدنية الإسرائيلية هو وصمة عار لا تمحى، ويتم وصف عناصر الحركة بشكل دائم بأنهم قاتلي أطفال، وليس كمحاربين من أجل الحرية. ولسوء حظ مشعل، قدمت “حماس” نفسها بعضاً من الأدلة الأكثر إدانة على فظائعها، بما في ذلك وثائق تم العثور عليها على جثث المهاجمين والتي تأمرهم بقتل المدنيين واختطافهم، فضلاً عن مقاطع مصوّرة من كاميرات “جو برو” التي كانوا يرتدونها لتوثيق مجزرتهم، ومقاطع فيديو وصور تم نشرها على قنوات الحركة على قناة “تلغرام” خلال الهجمات.
هجوم “حماس” في السياق الذي حدث فيه
بعد رؤية الأدلة على وحشية المهاجمين، وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأنها “تذكرنا بأسوأ ما قام به تنظيم داعش”. ووصف الوزير الهجوم بصراحةٍ مؤلمة قائلاً: “ذبح الأطفال وتدنيس الأجساد وحرق الشباب وهم أحياء واغتصاب النساء وإعدام الآباء أمام أبنائهم والأطفال أمام والديهم”. ومن بين القتلى مواطنون من ما لا يقل عن واختطفت “حماس” أكثر من 200 شخص من حوالي 22 دولة، من بينهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم . وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول، قام “جيش الدفاع الإسرائيلي” بتحديث عدد الرهائن في غزة من ، لكنه لم ينشر معلومات عن جنسيات الرهائن التسعة عشر الإضافيين. وتدّعي “حماس” أن العدد مختطف.
ويشكّل هذا الهجوم أحد أسوأ أعمال الإرهاب الدولية المسجلة في جميع المقاييس. فقد عمدت عناصر “حماس”، بمساعدة عددٍ صغير من الإرهابيين المنتمين إلى جماعاتٍ أخرى مثل “حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين”، إلى قتل نحو في إسرائيل وجرح آخرين. وبغض النظر عن إطار الهجوم الذي شنّته “حماس”، يشابه عدد القتلى الذين وقعوا في 7 تشرين الأول/أكتوبر عدد الذين لقوا حتفهم عندما عمد تنظيم “القاعدة” إلى تحطيم طائرة الرحلة رقم 175 من طيران “يونايتد إيرلاينز” في البرج الجنوبي لـ “مركز التجارة العالمي” منذ عقدين من الزمن: نتيجة هجمات 11 أيلول/سبتمبر، وفقاً لـ “قاعدة بيانات الإرهاب الدولية”.
وهناك عدد قليل جداً من الهجمات الإرهابية التي تسببت بمقتل مثل هذا العدد من الأشخاص، باستثناء الهجوم الذي شنّه المتطرفون من قبيلة “الهوتو” في رواندا في نيسان/أبريل 1994 والذي أدى إلى كانوا يحتمون في كنيسةٍ خارج كيغالي، والمجزرة التي ارتكبها تنظيم “الدولة الإسلامية” في حزيران/يونيو 2014 بحق نحو كانوا يفرون من “معسكر سبايكر” بعد إحكام التنظيم سيطرته على تكريت.
كما أن هجوم “حماس” غير معتاد من حيث عدد الرهائن المحتجزين. ومن هذه الناحية، تَنضم “حماس” إلى حركة “طالبان” التي 160 رهينةً في كانون الثاني/يناير 2018 عندما حاصرت فندق “إنتركونتيننتال” في كابول بأفغانستان، وإلى جماعة “بوكو حرام” التي في نيسان/أبريل 2014 من مدرسةٍ ثانوية في قرية شيبوك في نيجيريا، وإلى الإرهابيين الشيشان الذين احتجزوا معظمهم من الأطفال في أيلول/سبتمبر 2004 عندما حاصروا مدرسة بيسلان في أوسيتيا الشمالية، وإلى “جيش الرب للمقاومة” الذي طالباً في تشرين الأول/أكتوبر 1996 في مدرسةٍ داخلية كاثوليكية في أبوكي في أوغندا.
وحمل هجوم “حماس” آثاراً مدمرةً على الولايات المتحدة أيضاً، فقد قُتل على الأقل وفُقد (أطلقت “حماس” سراح اثنيْن من الأمريكييْن في 20 تشرين الأول/أكتوبر). ولم يتم احتجاز هذا العدد الكبير من الرهائن الأمريكيين في حادثةٍ واحدة منذ عام 1979 عندما اختطف إيرانيون ولم يلقَ هذا العدد الكبير من الأمريكيين حتفهم على أرضٍ أجنبية في هجومٍ واحد منذ تفجير “حزب الله الحجاز” (المعروف أيضاً باسم “حزب الله” السعودي) «أبراج الخُبر» عام 1996 – وهي العملية التي أسفرت عن وستفتح الفرقة الخارجية لـ”مكتب التحقيقات الفيدرالي” عدداً مذهلاً من قضايا الإرهاب الدولي المرتبطة بهجوم “حماس”.
الاتهام الذاتي لـ “حماس”
مع اتضاح سفالة هذا الهجوم، بدأت “حماس” تشعر بالضغط جراء مقارنتها بتنظيمي “الدولة الإسلامية” و”القاعدة” وغيرهما من الجماعات الإرهابية سيئة السمعة. فبعد بضعة أيامٍ من تنفيذ الهجوم، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” صالح العاروري على أن الحركة لم تستهدف المدنيين، وادّعى أن فلسطينيين عشوائيين لحقوا بحركة “حماس” لدى دخولها إلى إسرائيل واحتجزوا الإسرائيليين المختطفين، وقال: “الحقيقة هي أن مجاهدينا لا يستهدفون المدنيين… ولا يُعقل أن يرتكبوا مثل هذه الجرائم التي يتحدث عنها الاحتلال، مثل الاغتصاب أو قتل الأطفال أو قتل المدنيين”.
إلا أنهم ارتكبوا جميع هذه الجرائم، وقد وفّرت “حماس” نفسها بعض الأدلة الأكثر إدانة. ولدى سؤاله عن المجزرة التي حصلت في مهرجان “ترايب أوف نوفا” الموسيقي، وصف أحد المتحدثين باسم “حماس” التوثيقات حول المهرجان بأنها “قصة مزيفة”. إلا أن هذا النفي لا أساس له بالنظر إلى الصور التي نشرتها “حماس” عبر قنواتها على “تلغرام” في بداية الهجوم، والمقاطع المصورة بكاميرات “جو برو” التي كانت ترتديها عناصرها وبهواتفهم المحمولة، فضلاً عن التعليمات المفصلة التي كانت بحوزتهم والتي توجههم بمهاجمة المدنيين.
واستخدمت “حماس” موقع “تلغرام” لتضخيم أثر الهجوم (ويعود ذلك إلى حد كبير لأن الحركة محظورة على معظم المنصات الرئيسية الأخرى)، كما نشرت مقاطع فيديو لمرتكبي الهجوم ومجّدت أفعالهم. ففي أحد المقاطع المصورة، يوجّه أحد عناصر “حماس” هاتفه نحو جثة أحد الإسرائيليين الذي تسيل دماءه على الرصيف “حان وقت التصوير”. وفي يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر وحده، نشرت قنوات “حماس” و”كتائب عز الدين القسام” التابعة لها على موقع “تلغرام” 110 و 50 منشوراً على التوالي، من النصوص، والصور والفيديوهات الدعائية التي تسلّط الضوء على الهجمات.
وتوثّق مقاطع فيديو إضافية من كاميرات “جو برو” تم الحصول عليها من المستجيبين الأوائل عدداً من الإرهابيين وهم يستعدون لإطلاق قذيفة صاروخية الدفع (“أر.بي.جي”) نحو أحد المنازل المدنية، وإطلاق النار على إطارات سيارة إسعاف، وقتل امرأةً تحتمي في غرفة الجلوس في منزلها. وقد أحد الفيديوهات أحد إرهابيي “حماس” وهو يطلق النار على مدني يركض للاحتماء ويصيبه في رأسه من الخلف، ومن ثم يصيبه بطلقتين أخريين حالما ارتطم جسده بالرصيف. وتظهر تمت مراجعتها بعد المجزرة عنصرين من “حماس” وهما ينقلان جثةً من الطريق إلى مركبةٍ قريبة، ويعبثان بممتلكات الضحية، ويأخذان ما يبدو على أنه هاتف محمول. واستخدمت “حماس” الهواتف المسروقة وحساباتهم على تطبيق “واتساب” لنشر مقاطع مباشرة عن الهجمات، وتوجيه التهديدات للعائلات، والدعوة لتنفيذ المزيد من أعمال العنف.
وتشمل الوثائق التي تم العثور عليها على جثث مهاجمي “حماس” تقارير استخبارية مفصلة حول المجتمعات المدنية المستهدفة والتعليمات المرتبطة بالعمليات. وتؤكد هذه الوثائق أن الهجوم لم يكن مجرد عملية مارقة، وأن “حماس” خططت استهداف المدنيين منذ البداية. على سبيل المثال، تضمنت ، التي كُتب عليها “سري للغاية” وتم العثور عليها على عناصر “حماس” الذين هاجموا كيبوتس “كفار سعد”، تعليماتٍ واضحة بـ”إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية” و”احتجاز الرهائن”. وتأمر الوثيقة على وجه التحديد وحدتَي القتال التابعتين لحركة “حماس” اللتين تهاجمان الكيبوتس باستهداف المدارس الابتدائية ومركز للشباب. ودعت الخطة إلى احتجاز الرهائن في غرفة الطعام في الكيبوتس والاستعداد لترحيل عدد منهم إلى قطاع غزة. وفي مقابلة مصوّرة نشرها “جيش الدفاع الإسرائيلي”، أحد المقاتلين الأسرى أن “كل شخص يحضر معه رهينة [إلى غزة] يحصل على مبلغ 10 آلاف دولار وشقة”. ونشر “جيش الدفاع الإسرائيلي” أيضاً تابعة لـ “حماس” توجّه الحركة من خلالها المقاتلين حول كيفية استهداف الرهائن وأسرهم وإخضاعهم.
لا يمكن لحركة “حماس” أن تخفي واقع أن خطتها العملية دعت بوضوح إلى قتل أكبر عددٍ ممكنٍ من المدنيين، واختطاف عددٍ أكبر بكثير منهم، ونقلهم قسراً إلى غزة. ومن خلال ذبح المدنيين واحتجاز الرهائن، ضمنت “حماس” بشكلٍ شبه مؤكد أن “جيش الدفاع الإسرائيلي” سوف ينقل المعركة إلى غزة، حيث غالباً ما تستخدم الحركة المدنيين كدروعٍ بشرية. وكان الرئيس بايدن عندما قال: “«حماس» لا تدافع عن حق الشعب الفلسطيني في الكرامة وتقرير المصير… هدفها المعلن هو إبادة دولة إسرائيل وقتل الشعب اليهودي. وهم يستخدمون المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية. «حماس» لا تقدم سوى الإرهاب وسفك الدماء، دون أي اعتبار لمن يدفع الثمن”.
إن جهود الحركة لاحتواء الضرر تقول الكثير. فـ “حماس” ترى أنها تتعرض للانتقاد بسبب همجيتها، ، لذا فهي تنشر الأكاذيب في محاولةٍ لإلقاء اللوم على طرفٍ آخر. إلا أن العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم – وخاصة تلك التي قُتل مواطنوها أو جُرحوا أو اختُطفوا – قد تنظر إلى الحركة بنظرةٍ جديدة وأكثر خطورةً إلى الأبد.
ماثيو ليفيت هو “زميل فرومر-ويكسلر” ومدير “برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” في معهد واشنطن. ديلاني سوليداي هي مساعدة باحثة في “برنامج راينهارد”.