أسبوع مرّ على مجزرة القنصلية الإيرانية في دمشق. وفي ما يتعلق بالرد على المجزرة ملأ الإيرانيون وفصائلهم الأرض بالضجيج على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من دون أن يضعوا التهديدات موضع التنفيذ. صحيح أن المرشد الإيراني علي خامنئي تحدث بوضوح عن حتمية الرد على يد الإيرانيين “الشجعان”، لكن الضجيج الإعلامي عكس تخبطاً إيرانياً أكبر من الخوف الإسرائيلي.
معضلة إيران الآن أنها مضطرة للرد. لكنها مرتبكة إلى حد كبير. ونحن نزعم أن الضجيج الحاصل منذ الأول من نيسان (أبريل) الحالي هو استدراج للتفاوض على رد متفق عليه مع الإسرائيليين بوساطة أميركية. والاحتمال الأكبر أن يحصل ردّ أقرب إلى المسرحي، ونوعاً ما شبيه بما حصل في أعقاب اغتيال الجنرال قاسم سليماني في الثالث من كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٠، ثم طويت صفحة الانتقام من أجل مصلحة النظام العليا.
فمحمد رضا زاهدي ليس أهم وأخطر من قاسم سليماني، وكما صار اغتيال سليماني من الماضي سيصبح اغتيال زاهدي والستة الآخرين من الماضي. ومن هنا نحن لا نخشى أن تنشب حرب واسعة بين إسرائيل وإيران. بل على العكس من ذلك ستكون مجزرة القنصلية مناسبة لتغيير مسار اللعبة بين الطرفين. بمعنى آخر أن إيران صارت مجبرة على أخذ التصميم الإسرائيلي لإنهاء حرب الوكلاء على محمل الجد.
طوال أشهر تحدثنا هنا في “النهار العربي” عن أن ثمة تغييراً آتياً في اللعبة بين الإسرائيليين والإيرانيين. وفي أكثر من مناسبة قبل عملية “طوفان الأقصى” قلنا إن إسرائيل وضعت عقيدة جديدة في ما يتعلق باللعبة مع إيران، تقوم على عدم الاكتفاء بالرد على الفصائل والأذرع والوكلاء مثل “حزب الله” وغيره، بل إنها في صدد اتخاذ قرار كبير بالذهاب مباشرة إلى المنبع واستهداف رأس “الأخطبوط”، أي طهران ومصالحها السيادية.
طبعا سبق لإسرائيل أن اغتالت مسؤولين كباراً على الأراضي الإيرانية ضمن عقيدة حرب الظلال. وقتل مسؤول البرنامج النووي العسكري الإيراني محسن فخري زاده في ٢٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٠ في قلب طهران، كما تفخيخ منشآت نووية، يمثلان ترجمة لهذه الحرب. إنما بعد “طوفان الأقصى” ما عاد بإمكان الإسرائيليين الاستمرار في لعبة انتهت في غير صالحهم. بالتالي نحن نتحدث اليوم عن بداية لعبة جديدة بين الطرفين تقوم على المواجهة المباشرة. من هنا إذا حصل رد إيراني مؤذ، وغير مدروس وغير متفق عليه مع الإسرائيليين، نتوقع رداً على الرد في قلب طهران وعلناً.