الحرب داخل المدن ليست عملية قصف من بعيد (أ ف ب)
يبدو أن إسرائيل استكملت استعداداتها ووسعت من عملياتها البرية والجوية ضد غزة، رغم كل كلام عن أن هناك ضغوطاً دولية لمنع الهجوم البري وآمالاً بتحرير المزيد من الرهائن المحتجزين لدى “حماس”، لكن سياسياً يبدو أن لا خطة واضحة لما بعد الحرب للقطاع الذي يعيش فيه أكثر من مليوني شخص في ظل ظروف بالغة الصعوبة ومن دون أي آفاق حقيقية. وتواجه الحكومة الإسرائيلية قرارات صعبة، بينها تجاه أهالي الأسرى الذين يطالبون بالإفراج عن أبنائهم، وفي الوقت نفسه هناك دعوات إلى الإنتقام لما حل بإسرائيل يوم 7 تشرين الأول 2023. فما تعقيدات حرب المدن؟
4 أهداف وعدد من التّعقيدات
قال أستاذ السياسة الدولية في جامعة الجيش الألماني في ميونيخ كارلو ماسالا في مقابلة مع شبكة “إيه أردي” الإخبارية أخيراً، إن الحكومة الإسرائيلية، بعدما أعلنت التعبئة العسكرية، حددت 4 أهداف لاجتياحها البري: أولاً تقويض “حماس” والتخلص من شبكة الأنفاق الواسعة النطاق لجعلها غير قادرة على القتال عسكرياً، وبالتالي جعل إسرائيل آمنة دائماً للسكان، وشل قدراتها التي تسمح لها بشن المزيد من الهجمات على حدود إسرائيل انطلاقاً من قطاع غزة، ناهيك ببذل كل الإمكانات للإفراج عن أسراها.
أما المحلل السياسي كريستيان فاغنر فرأى في حديث إلى “بايريشر روندفونك”، أن تدمير “حماس” لا ينبغي أن يعني قتل قادة الحركة فحسب، بل جميع أعضائها، وهذا مستحيل ولن يحصل إلا في أصعب الظروف. أما بخصوص ترسانة الإسلحة لديها فمكمن الخلل أنه من غير الواضح مدى قدرات الأجهزة السرية للاحتلال الإسرائيلي على اكتشاف الأهداف المحتملة، وفي أن تحديد مواقعها أمر صعب بغياب الاستطلاع إلا بواسطة المسيرات. كل ذلك وسط الخشية من أن يكون قد تم إيواء عدد من الأسرى الإسرائيليين داخل مترو الأنفاق في غزة، وهذه معضلة للجيش، ناهيك بالتوجس من الفِخاخ المتفجرة والألغام. وجلب الولايات المتحدة قواتها إلى المنطقة ينذر بارتفاع حدة الصراع، وهذا ما يعرّض الجيش الأميركي أيضاً للخطر.
هذا المنطق كان محل تأكيد أيضاً من ماسالا الذي اعتبر أن على الجيش الإسرائيلي أن يحافظ على التناسب، بوجود الصعوبات العسكرية التي تهدد قواته المسلحة، لأن حرب المدن من أكثر العمليات العسكرية تعقيداً على الإطلاق، ولما لحياة الأسرى من أهمية لدى الشعب الإسرائيلي، موضحاً أنه عندما يهاجم الاسرائيليون أهدافاً جزئية من الجو فإن المشكلة التي يواجهونها صعوبة التركيز على مواقع “حماس”.
ومن زاوية أخرى، اعتبر خبراء أمنيون أن خطط القوات الإسرائيلية غير واضحة بالضبط وكيف سيبدو عليه الهجوم الكبير على غزة، وقد يتم الاعتماد على نشر مجموعات من الحظائر مدعومة بهجمات من الجو، وربما إرسال دبابات ووحدات مشاة تتوغل على الأرض، وفي كلا الحالين فإنها معرضة لتكبد خسارة كبيرة في أعداد الجنود، معتبرين أن القضاء على “حماس” لا يمكن أن يكون واقعياً، لا سيما أنه كان لدى الحركة متسع من الوقت للاستعداد للمواجهات البرية التي قد تستغرق أسابيع وربما شهوراً. ورأت تعليقات أن الهجوم البري هو الوسيلة الوحيدة لاستعادة الردع الإستراتيجي في المنطقة، وأي شيء أقل من ذلك سيكون بمثابة انتصار لـ”حماس” وإيران.
مستقبل غزة
بينت قراءات سياسية أنه تطرح خلف الأبواب المغلقة أسئلة استراتيجية، بينها ما مدى قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها المعلنة، أي عند أي نقطة تستطيع حكومة نتنياهو أن تعلن نجاح الهجوم البري وتنهي العملية؟ وإذا ما تم القضاء على “حماس” فمن سيحكم غزة، لا سيما أن إسرائيل لا تريد أن تبسط سلطتها على غزة في هذه الظروف ولا قدرة لها على ذلك، وهي التي احتلتها حتى عام 2005؟
هذا السيناريو استبعده الخبير ماسالا لأنه أسوأ الحلول على الإطلاق ولن يؤدي إلا إلى تأجيج نشاط الحركة مرة أخرى. وفي هذا السياق، طرح أيضاً سيناريو إدارة القطاع من قبل الأمم المتحدة، لكن روبرت بليشر من مركز “مجموعة الأزمات الدولية” رأى أن هذا الأمر غير وارد من قبل الإسرائيليين. أما السيناريو الثالث والذي يقوم على تسلم منظمة التحرير الفلسطينية المهمة من رام الله، فغير منطقي لأنها أصبحت أضعف سياسياً أكثر من أي وقت مضى، وهي التي فقدت السيطرة على غزة لمصلحة “حماس” منذ عام 2007، ولا تحظى أساساً بشعبية كبيرة في القطاع. وبخصوص السيناريو الرابع الذي يقضي بأن تخضع غزة لإدارة مجموعة دولية بمشاركة عدد من الدول الأوروبية والعربية، ومن ثم تسليمها لإدارة فلسطينية مدنية، فهذا ليس من السهل تطبيقه لما لـ”حماس” من نفوذ سياسي يجعلها قادرة على المناورة بأن يفرض عليها مثل هذا الحل من دون التزامات وضمانات تجاه المواطن الغزاوي.
وأمام كل هذه الترتيبات التي تنطوي على عدم اليقين مع صعوبة التكهن بتطور الأوضاع في غزة المذبوحة، يبقى الخوف من أن تتوسع المعركة في الشرق الأوسط بتدخل “حزب الله” بقوة أكبر في الحرب وفتح جبهة لبنان، وهذا ما يقلق أوروبا والولايات المتحدة، لأن الحل السياسي للقطاع بعدها لن يكون سهلاً.
مديرة معهد أبحاث السلام والسياسة الأمنية في جامعة هامبورغ أورسولا شرودر حذرت من أن يكون النظام الغربي والعالمي قد وصل إلى نهايته، والتصعيد في المنطقة قد يكون المسمار الأخير في نعش القيم الإنسانية، مشيرة وفق ما ذكرت عنها صحيفة “دي فيلت”، إلى أن السكان في جميع أنحاء العالم أصبحوا بشكل متزايد ضحايا الصراعات العنيفة، وهذا ما يحصل في سوريا واليمن وأذربيجان وغيرها، وحيث قضى نحو 238 ألف شخص مدني عام 2022 نتيجة الأعمال العدائية.