أحد المشاركين في “مظاهرات فلسطين” في بلغاريا المداوم على قراءة the Guardian البريطانية، أعلن في التظاهرة بأنه سيتوقف عن قراءة هذه “الصحيفة الصهيونية”. وكما المشاركون في التظاهرات التي عمت المدن الغربية دعما لرجال غزة، أثار غضبه عسف سلطات بلده ضد المتظاهرين، وهي التي تسمح بتجمع الفاشيين السنوي من أنحاء أوروبا. وكان الرجل من أشد المرحبين بوصول الحكومة الجديدة الربيع المنصرم المؤيدة كلياً لأوروبا، بعد سلسلة حكومات “روسية”، على قوله ل”المدن”.

إنعطافة البلغاري الليبرالي المؤيد لفلسطين نحو اليمين هي نقيض كلي لما يتحدث عنه ليبراليون آخرون جعلهم 7  أكتوبر/تشرين الأول يتحولون أيضا نحو يمين داعم بالمطلق لإسرائيل. فقد نشر موقع  Zahav الإسرائيلي الناطق بالروسية في 27 الجاري نصاً للكاتب البريطاني من أصول روسية Konstantin Kissin بعنوان “اليوم الذي ماتت فيه الأوهام”، وأرفقه بآخر ثانوي “كثيرون من الناس إستيقظوا في 7 أكتوبر تقدميين، وحين أووا إلى الفراش شعروا بأنفسهم محافظين. ما الذي تغير؟”.

يقول الكاتب “إستيقظنا” في 8 أوكتوبر على ضوضاء المظاهرات في كل مدن الغرب، يدين فيها المتظاهرون إسرائيل قبل أن تبدأ بالرد الجدي على هجوم حماس. و”تابعنا” كيف كان المتظاهرون يلوحون بالصليب المعكوف ويهتفون “اليهود إلى غرف الغاز” في المظاهرات التي يزعمون بأنها مكرسة لإستنكار قتل فلسطينيين.

يستطرد الكاتب طويلاً في تفسير ردة فعل الحكومات الغربية على “المظاهرات الفلسطينية”، ولماذا وصلت أوروبا إلى ما هي عليه الآن من تعارض بين شارعها المؤيد بمعظمه للفلسطينيين، وقياداتها الداعمة كليا لإسرائيل. وينتهي إلى ما معناه بأن الليبرالية الغربية لا تعني ترك الحبل على غاربه للشارع، بل يدعو إلى مغادرة “الأوهام” والمصارحة بالحقيقة كما هي، والتصرف بما تقتضيه وليس بمقتضى القناعات.  ويستشهد بالإقتصادي والكاتب الأميركي Thomas Sowell الذي يقول “حين تريد مساعدة الناس قل لهم الحقيقة، وحين تريد مساعدة نفسك قل لهم ما يريدون سماعه”. وإذ يتحدث بإسم الغرب يقول بأنه انغمس طويلاً في “التفكير السحري”، مفضلاً الأساطير المريحة على الواقع القاسي ــــ الإرهاب، الهجرة. ويرى أن هذا الغرب في تعطشه للتقدم نسي أن ليس كل التغييرات تفضي للأفضل.

صحيفة الكرملين VZ رأت في نص نشرته في 12 الجاري أن دعم الفلسطينيين يثير الإنقسام وسط ليبراليي الغرب. استهلت الصحيفة نصها بالحديث عن “المظاهرات الفلسطينية” في العالم، وأشارت إلى رفع المتظاهرين في العاصمة الأسترالية شعار “الغاز لليهود”، مما استدعى فتح تحقيق من قبل السلطات. كما أشارت في حديثها عن المظاهرات في الولايات المتحدة إلى مشاركة النائب عن الحزب الديموقراطي Cori Bush ودعوته الحكومة الأميركية إلى وقف دعمها “الإحتلال العسكري الإسرائيلي والتمييز العنصري”.

تحدثت الصحيفة عن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين والإسرائيليين في المدن الأوروبية والأميركيتين، وعن الصدامات بين الفريقين في المدن الأميركية وحظر المظاهرات في عدد من المدن الفرنسية. ونقلت عن المتخصص بالشؤون الأميركية الروسي Malek Dudakov إشارته إلى دعوة النائبة الديموقراطية في الكونغرس إلهان عمر دعوتها إسرائيل للتوقف عن قصف قطاع غزة. كما أشار أيضاً إلى دعوة حزب العمال البريطاني إسرائيل الإلتزام بالقانون الدولي وعدم قتل المدنيين الفلسطينيين. كما تنقل عنه إشارته إلى معطيات جديدة للسوسيولوجيين تقول بتزايد أعداد الأميركيين المؤيدين للفلسطينيين، حيث بلغت نسبتهم 31% مقابل 54% مؤيدة للإسرائيليين.

ويقول الخبير الروسي أن الغالبية وسط الحزب الديموقراطي تؤيد العرب، وليس الإسرائيليين، ويفترض أن الإنقسام سوف يتصاعد في الولايات المتحدة، ويجعل إسرائيل رهينة “الحروب الثقافية المشتعلة الآن في أميركا”. وتنقل عنه الصحيفة قوله بأن الفلسطينيين يجدون الدعم وسط السياسيين الغربيين اليساريين بالدرجة الولى. ويشير إلى حزب Jean-Luc Mélenchon “فرنسا العصية”، والجناح اليساري في حزب العمال البريطاني والحزب الديموقراطي الأميركي. ويقول بأن اليساريين تقليدياً كانوا يؤيدون الفلسطينيين، و”يستمرون في ذلك”.

يضيف الخبير إلى قائمة المؤيدين للفلسطينيين الأحزاب العربية في برلمانات أوروبا الشمالية ومختلف جمعيات حقوق الإنسان ويذكّر بأن منظمة حقوق الإنسان الدولية تتهم إسرائيل منذ العام 2022 بممارسة سياسة التمييز العنصري.

المتخصص الروسي الآخر Dmitry Drobnitsky الذي تنقل عنه صحيفة الكرملين، يصف الدعم للفلسطينيين في الغرب ب“المنهجي”، وخاصة “في أمريكا اليسارية”. ويشير إلى أن حركة حقوق السود الأميركيين Black Lives Matter تقف ضد العملية العسكرية الإسرائيلية، وكذلك المنظمات الطلابية في جامعتي Harvard  وYale الأميركيتين.

موقع Fontanka الروسي المعارض نشر في 16 الجاري نصاً بعنوان “”الأمر لا يتعلق بالمسلمين بل بحقوق الإنسان”. من يتظاهر في الغرب دفاعاً عن الفلسطينيين ولماذا”. اللافت أن النص حاز على 115 تعليقاً، وهو ما يميز المواقع الموالية عادة وليس المعارضة، ما خلا الخدمات الروسية في مواقع الإعلام الغربية.

رأى الموقع أن “الأحداث” في الشرق الأوسط قسمت العالم إلى “مع إسرائيل وضدها”. تظاهر مؤيدوها في 7 تشرين الأول /أوكتوبر، لكن مع اشتداد قصف غزة، خرجت الجماهير في الغرب والعالم العربي في مظاهرات الدفاع عن الفلسطينيين. ورأى أن أكبر المظاهرات خرجت في العواصم العربية وفي المدن الأوروبية، لكن أكثرها صخباً خرجت في الولايات المتحدة. وللإجابة على الأسئلة التي طرحها في عنوانه، استضاف الموقع الخبير بالشؤون الأميركية الذي استضافته صحيفة الكرملين Malek Dudakov والباحثة في مركز دراسات الشرق الأوسط في معهد العلاقات الإقنصادية الدولية Tatiana Tyukaeva.

بشأن الدعوة التي كان أطلقها خالد مشعل لجعل يوم الجمعة في 13 الجاري يوم خروج الشارع الإسلامي للتعبير عن دعمه لحماس، رأت الباحثة الروسية أنها لم تكن ذات تأثير على حجم المظاهرات وتعددها في مدن الغرب، سيما أن حماس معترف بها “منظمة إرهابية” في هذه الدول. وترى أن التظاهرات والدعوة إليها هي للفت إنتباه العالم إلى معاناة الفلسطينيين واستمرار مشكلتهم بدون حل. وتقول أنه في السنوات الأخيرة أخذ الرأي العام في الغرب يميل لمزيد من التعاطف مع الفلسطينيين وليس مع الإسرائيليين.

كما ترى أن مسألة حقوق الفلسطينيين، أو بالأحرى غياب حقوقهم الكامل بسبب سياسة إسرائيل، أخذ يرتفع صداها في الفضاء الإعلامي العالمي. وعلى صعيد المجتمعات الأكاديمية في الغرب أخذ يرتفع الصوت بأن الوضع الراهن ليس مقبولاً، وينبغي إيجاد حل له. وفي مجتمع الخبراء الأميركي أخذت صورة الفلسطيني تتغير من إرهابي إلى ضحية للسياسة الإسرائيلية. وتشير إلى تصنيف منظمة حقوق الإنسان الإجراءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين بأنها تمييز عنصري، مما أثار إنتقاد المسؤولين والكثيرين من مجتمع الخبراء الإسرائيليين ورفضهم له.

صحيفة الإزفستيا المخضرمة أشارت في 29 الجاري إلى مقارنة الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفديف بين التظاهرات الغربية المؤيدة للفلسطينيين وتلك المؤيدة لأوكرانيا، ودعا إلى تلمس الفرق بين أعداد المشاركين في هذه المظاهرات واتساع رقعتها.

وكانت الصحيفة عينها قد تساءلت في 19 الجاري عما ستفضي إليه “التظاهرات الفلسطينية” في الغرب، وما إن كانت ستتمكن من تغيير المقاربة الأوروبية لأزمة الشرق الأوسط. ركزت الصحيفة في نصها على خطر موجة هجرة كبيرة إلى ومصر والأردن والإتحاد الأوروبي غير المستعد لاستقبالها. ونقلت عن البروفسور في كلية الإقتصاد العالمي والسياسة الدولية في مدرسة الإقتصاد العليا Oleg Barabanov قوله بأن موجة “التظاهرات الفلسطينية” سوف تتسع، وتساعد في إستقطاب الرأي العام الأوروبي بين مؤيد لإسرائيل وداعم للفلسطينيين.