
تلخص قصة الشاب، عمر أحمد، الذي أصيب في غارة إسرائيلية ويتلقى العلاج بمستشفى ناصر في خان يونس، جنوبي قطاع غزة، قصة نظام طبي على وشك الانهيار، بحسب تقرير لصحيفة تايمز” اللندنية.
فخلال الأيام الخمسة التي قضاها أحمد في أحد أقسام المستشفى، لم تمر لحظة واحدة دون ألم، حيث كانت معالجة حروقه وتنظيفها تتم دون مخدر، مع منحه بعض مسكنات الألم الخفيفة التي لا تجدي نفعا في مثل حالته.
والغرفة المكتظة التي يتقاسمها أحمد (25 عاما)، مع 5 آخرين من ضحايا الحروق الخطيرة، تعاني من انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة من اليوم، ناهيك عن عدم وجود جهاز لتبريد الهواء، حيث تجعله الحرارة المرتفعة يتعرق كثيرا، مما أدى إلى التهاب جروحه، على حد قوله.
ورغم كل تلك الأوجاع، فإن أحمد مهدد بالخروج من المستشفى، إذ يقول الشاب، الذي كُسرت ساقه أيضاً في انفجار أثناء محاولته الفرار من شمالي غزة: “تطلب الإدارة من الناس المغادرة عندما يتم شفاؤهم بنسبة 60 أو 70 بالمائة.. وأنا لا أعرف ماذا سأفعل إذا اضطررت للخروج”.
ومستشفى ناصر الذي يضم 350 سريراً ليس استثناءً، فبعد 3 أسابيع من القصف الإسرائيلي العنيف، أصبحت الخدمات الطبية في غزة على حافة الهاوية، حيث تبذل الطواقم الصحية المنهكة قصارى جهدها، رغم تضاؤل الموارد الطبية بسرعة.
وقطعت إسرائيل التيار الكهربائي عن قطاع غزة، كما أن الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية في مستشفى ناصر منخفض، في حين أن الإمدادات الطبية على وشك النفاد.
ويتم إجراء الجراحة في بعض الأحيان دون تخدير روتيني. ووفقا للأطباء، فإن الأولوية هي الاحتفاظ بالمخزونات احتياطيًا “للحالات الصعبة”.
وقال مدير المستشفى، ناهض أبو طعيمة: “أجرينا عمليات قيصرية لنساء حوامل أصيبن في القصف دون تخدير، واضطررنا أيضاً إلى تنظيف الحروق الشديدة دون تخدير”.
وأردف: “نحن نعاني من نقص شديد في الإمدادات”.
ويخشى أبو طعيمة من انخفاض الوقود اللازم لتشغيل مولدات المستشفى، مضيفا: “نحتاج ما بين 200 إلى 300 لتر كل ساعة”.
وزاد: “نحصل على ما نستطيع من محطات البنزين، لكن يمكن أن ينفد الوقود في أي لحظة، كما أن المولدات التي تعمل الآن 24 ساعة يوميا، معرضة لخطر الانهيار”.
ويعيش نحو 2.3 مليون شخص في غزة، في ظل ما يصفه مسؤولو الأمم المتحدة بـ”أوضاع إنسانية كارثية”.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة في القطاع الذي تسيطر عليه حماس، أشرف القدرة، إن “12 مستشفى و32 منشأة طبية أُغلقت منذ بدء الصراع هذا الشهر”.
وأردف: “بقاء المستشفيات مفتوحة لا يعني أنها قادرة على تقديم الخدمات للجرحى والمرضى الذين يقصدونها”.
كما أصدرت إسرائيل أوامر إخلاء لبعض المستشفيات (بما في ذلك دار الشفاء في مدينة غزة) التي لا تزال تعمل، بدعوى أن المواقع الطبية تستخدم من قبل حماس كنقاط انطلاق عسكرية.
وفي سياق متصل، وصفت منظمة “أطباء بلا حدود”، وهي منظمة طبية خيرية دولية، الضغط العسكري على نظام المستشفيات بأنه “مستحيل وخطير”.
وقال الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، إنه “يشعر بقلق بالغ” إزاء التقارير التي تفيد بأن الفرق الطبية في مستشفى القدس في مدينة غزة، تلقت أوامر بإخلاء المستشفى على الفور.
واعتبر الاتحاد أن “إجلاء المرضى، بما في ذلك أولئك الذين في العناية المركزة، والذين هم على أجهزة دعم الحياة، والأطفال في الحاضنات، أمر مستحيل في الوضع الحالي”.
وأضاف في بيان: “أبلغت فرقنا أيضًا عن وقوع هجمات عنيفة وقصف بالقرب من المستشفى، مما يعرض الناس للخطر بشكل أكبر”.
وقتل أكثر من 8 آلاف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، في الغارات الإسرائيلية على غزة، بحسب وزارة الصحة التي تسيطر عليها حماس.
وبدأت إسرائيل في قصف القطاع بعد أن شن مسلحو حركة حماس، المصنفة إرهابية، هجمات غير مسبوقة في 7 أكتوبر، نجم عنها مقتل 1400 شخص، معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، وفقا للحكومة الإسرائيلية.
وفي مستشفى ناصر، تصل سيارات الإسعاف على مدار الساعة لنقل الجرحى إلى مدخل الطوارئ، حيث أصبح القسم مكتظا للغاية، لدرجة أن الأطباء يعالجون المرضى على الأرض وفي الممرات.
وغطى الغبار والرماد العديد من المصابين والجرحى، بعد انتشالهم من تحت أنقاض منازلهم التي تعرضت للقصف.
“مآسي أعنف ليلة قصف”
وخلال أعنف ليلة قصف إسرائيلية، الجمعة، انقطعت الاتصالات في جميع أنحاء القطاع. وقال عز الدين مخيمر، وهو أحد أفراد طاقم الإسعاف في مستشفى ناصر، إن “التأخير في الوصول إلى الجرحى في تلك الليلة، زاد بالتأكيد من عدد الوفيات”.
وقال: “لقد توجهنا نحو أعمدة الدخان أو الحرائق، دون أن نعرف حتى ما إذا كان هناك جرحى”، مردفا: “في بعض الأحيان كان الأشخاص الذين أحضروا الجرحى في سيارات خاصة يخبروننا إلى أين نذهب”.
وقال أشرف الشنطي، وهو مسعف آخر: “ما شهدناه في هذه الحرب كان الأقسى مقارنة بالحروب السابقة.. إذ أننا نذهب إلى الأماكن التي تعرضت للقصف لنجد عائلات بأكملها قتلت أو أصيبت”.
وأوضح مدير مستشفى ناصر، أنهم اضطروا إلى “توفير 100 سرير إضافي للتعامل مع تدفق الجرحى”، كما تم توسيع قسم الجراحة على حساب الخدمات الأخرى.
وتابع: “80 في المئة من أسرّتنا الآن مخصصة للعمليات الجراحية.. لا يوجد سرير واحد فارغ”.
واضطر المستشفى أيضًا إلى توسيع قسم العناية المركزة، لاستيعاب المصابين بإصابات خطيرة.
وفي هذا الصدد، قال رئيس وحدة العناية المركزة، عبد ربه الأطروش: “أي شخص يأتي الآن مصاباً بأزمة قلبية، يجب أن يعالج في غرفة عادية دون المعدات اللازمة”.
وأردف: “هناك حجم كبير من العمل، ولا يوجد عدد كافٍ من الأطباء”.
ومع ندرة المعدات والإمدادات الأساسية – مثل أجهزة التنفس الاصطناعي، والأدوية، والتخدير، والمضادات الحيوية، والمحاليل الطبية، والدم – بشكل متزايد، اعترف الأطروش بأن المستشفى “لم يعد قادرًا على علاج كل جريح يطلب المساعدة”.
وتابع بأسى: “علينا أن نتخذ قرارًا بشأن من يجب علاجه بسرعة.. لا يمكننا التعامل مع الحالات الميؤوس منها.. إنه وضع مأساوي للغاية، وكارثي بكل معنى الكلمة”.