كشف الاعتداء الذي شنته الأداة الجزائرية المسماة “بوليساريو” على مدينة السمارة في الصحراء المغربيّة، بواسطة راجمات صواريخ، مدى ارتباط هذه الأداة بالمشروع التوسعي الإيراني في المنطقة العربيّة الممتدة من الخليج إلى المحيط الأطلسي.
سيرتد الاعتداء على منفذيه وعلى الذين يقفون خلفه، كما ارتد في الماضي على الراحل معمّر القذافي الذي كان الممول الأول لـ”بوليساريو” في مرحلة معيّنة قبل نحو أربعة عقود. يعود ذلك إلى أن الشعب المغربي المتضامن مع الشعب الفلسطيني في مواجهة ما يواجهه على يد إسرائيل، لا يمكن إلّا أن يكون صفاً واحداً في التصدي لكل ما يمسّ سيادته الوطنيّة ووحدة ترابه. قضية الصحراء في المغرب هي، بكل بساطة، قضيّة وطنية جامعة…
مطلوب في هذه المرحلة الإساءة إلى المغرب لا أكثر في ضوء تجاوزه المحنة التي مرّ بها حديثاً، وهي محنة الزلزال الذي ضرب مناطق جنوب مراكش. لم يتجاوز المغرب محنة الزلزال بفضل جهوده الذاتية وجهود دول صديقة فحسب، بل عقد البنك الدولي وصندوق النقد مؤتمرهما السنوي في مراكش لتأكيد أنّ المغرب وضع فاجعة الزلزال خلفه أيضاً.
لا يعرف الذين يقفون وراء الاعتداء على السمارة شيئاً عن المغرب وعن قدرته على تجاوز المحن في ظلّ العلاقة القويّة التي تربط بين المؤسسة الملكية، من جهة، والشعب المغربي بكلّ فئاته، من جهة أخرى. لم ير هؤلاء كيف عبّرت اللحمة بين المواطنين المغاربة عن نفسها، من العيون، عاصمة الصحراء، إلى تطوان في الشمال، إلى وجدة القريبة من الجزائر، بمجرد وقوع الزلزال. كان المغاربة رجلاً واحداً في مواجهة الزلزال. هناك فقراء تبرعوا بكل ما يمتلكونه من أشياء بسيطة بغية التخفيف من معاناة الذين تضرروا من الزلزال.
ما حصل في السمارة حيث قتل مواطن وجرح آخرون كان انتقاماً واضحاً من التقدّم الذي يتحقّق في المغرب على كلّ صعيد. إنّه انتقام من بلد استطاع تطوير نفسه وبنيته التحتيّة في السنوات الـ24 الماضية بسرعة كبيرة. هل هو أيضاً انتقام من اختيار المغرب مع إسبانيا والبرتغال لاستضافة كأس العالم لكرة القدم في سنة 2030؟
لا يحصل شيء بالصدفة. كان الانتقام من المغرب على يد أعدائه متوقعاً، خصوصاً مع اعتراف العالم بأنّه واحة استقرار في شمال أفريقيا. في النهاية، يندرج الاعتداء الذي استهدف العاصمة الروحيّة للصحراء المغربيّة، خصوصاً من ناحية التوقيت، في سياق الرغبة الإيرانية في استغلال حرب غزّة في إظهار مدى فاعلية الأدوات التي تمتلكها “الجمهوريّة الإسلاميّة” في زعزعة الاستقرار في المنطقة كلّها. المؤسف أن النظام الجزائري ارتضى الزج بنفسه في هذه اللعبة التي لا أفق سياسياً لها غير أفق الانتقام. منذ متى كان الانتقام سياسة؟
ليس سراً أنّ اللعبة في شمال أفريقيا وفي موضوع المغرب بالذات باتت لعبة إيرانيّة في أساسها. إنّها أيضاً لعبة تستجيب لرغبة النظام الجزائري بالانتقام من المغرب الذي تحوّل نجاحه إلى عقدة العقد لديه.
أكثر من ذلك، يبدو مطلوباً الانتقام من المغرب كونه لم يتردّد لحظة في دعم الشعب الفلسطيني في ضوء نشوب حرب غزّة. وظّف المغرب كلّ ما يستطيع من أجل وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وهي حرب تسببت بها حركة “حماس” التي هاجمت في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري مستوطنات إسرائيلية تقع في غلاف غزة. قتلت “حماس” عسكريين ومدنيين إسرائيليين، كما أسرت نحو 230 إسرائيلياً. كان مهماً بالنسبة إلى المغرب ملكاً وحكومة وشعباً وقف الحرب على الفلسطينيين ووقف الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزّة، بغية فسح المجال للوصول إلى حلول سياسية تكون بديلاً من التصعيد والقتل والدمار والموت. الهمّ الأوّل للمغرب حماية الشعب الفلسطيني ووقف ما يتعرّض له… وحماية القدس. هل الاعتداء على السمارة مكافأة للمغرب على وقوفه مع الشعب الفلسطيني وقضيّته؟
هبّ الشعب المغربي لنصرة فلسطين بعدما شنت إسرائيل حرباً على الشعب الفلسطيني في محاولة واضحة لتصفية القضية بدل معاقبة “حماس” المرتبطة بدورها بعلاقة عضوية مع إيران. كان الملك محمّد السادس بين أوائل الذين سارعوا إلى إرسال مساعدات من كلّ نوع إلى أهل غزّة. فوق ذلك، نزل المغاربة إلى الشارع في الدار البيضاء والرباط بمئات الآلاف كي يعبروا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في بلد يسوده عيش مشترك بين المسلمين واليهود من أبناء الشعب المغربي.
كلّ ما في الأمر، أن النظام الجزائري يسعى إلى إعادة الحياة إلى حرب الاستنزاف التي يشنها على المغرب وعلى وحدته الترابيّة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1975. وقتذاك، كانت “المسيرة الخضراء” التي صنعها فكر الملك الراحل الحسن الثاني والشعب المغربي في الوقت ذاته. سمحت “المسيرة الخضراء” للمغرب باستعادة صحرائه التي انسحب منها المستعمر الإسباني بطريقة سلميّة. الجديد الآن ليس في توقيت الاعتداء الذي شنته “بوليساريو” على السمارة فقط. الجديد أيضا يتمثّل في أن “بوليساريو” صارت أداة مشتركة، بل شركة مساهمة، بين النظامين الجزائري والإيراني اللذين لا يروق لهما أن يكون هناك بلد عربي مستقرّ اسمه المملكة المغربيّة.
في كلّ الأحوال ليس وارداً تراجع المغرب عن مشروعه الإنمائي الذي يشمل كلّ منطقة مغربيّة. مثلما فشل النظام الجزائري في الماضي، سيفشل هذه المرّة أيضاً حتّى بعدما صارت “بوليساريو” شركة مساهمة إيرانيّة – جزائرية.