مجدداً كان الرئيس الصيني شي جينبينغ مضطراً إلى تذكير الولايات المتحدة، بأنّه يريد عالماً تكون فيه الصين والولايات المتحدة “شريكتين وليستا خصمين”، وأنّ “الأرض تتسع لكل من أميركا والصين”.
مناسبة هذا الكلام، أتت مع استقبال شي وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن الخميس في بكين. وكان الوزير الأميركي الذي يزور الصين للمرّة الثانية في أقل من عام، قد أتى حاملاً سلسلة مطالب تبدأ من قطع التعاون الصيني مع روسيا إلى ممارسة بكين ضغوطاً على إيران “من أجل خفض التوترات” في الشرق الأوسط، إلى ضرورة ضبط النفس مع تسلّم الرئيس التايواني المنتخب وليام لاي تشينغ تي، مهام منصبه في حزيران (يونيو) المقبل، وهو من دعاة التيار الانفصالي عن البر الصيني.
لا تنتهي قائمة المطالب الأميركية عند هذا الحد. بل تتناول بشكل أساسي التنافس التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم. وقبل أن يحطّ بلينكن في الصين بيوم واحد، كان بايدن يوقّع على قانون أقرّه الكونغرس الأربعاء، يطلب من بكين أن تتخلّى عن ملكيتها لتطبيق “تيك توك” تحت طائلة حظر التطبيق في الولايات المتحدة بحلول آخر العام. واشنطن تعتبر أنّ الملكية الصينية للتطبيق تعرّض الأمن القومي الأميركي للخطر.
صحيح أنّ العلاقات الأميركية-الصينية هي أفضل حالاً مما كانت عليه قبل عام من الآن، بعد احتواء تداعيات زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي إلى تايبيه، وظهور المناطيد الصينية في سماء ولايات أميركية، لكن التعامل الأميركي مع بكين لا يزال بعيداً من أجواء الشراكة، ولا يزال يتسم بمحاولة فرض الشروط والعقوبات على الصين.
وعلى رغم القمة التي عُقدت بين شي وبايدن في تشرين الثاني (نوفمبر) في سان فرانسيسكو، وتبادل الزيارات بين وزراء من البلدين واستئناف الاتصالات العسكرية، فإنّ واشنطن لا تزال تفرض عقوبات بين فترة وأخرى على شركات صينية تتعامل مع روسيا وإيران، ويعبّر المسؤولون الأميركيون عن قلقهم من النشاط الصيني في بحر الصين الجنوبي وتزايد الاحتكاكات مع البحرية الفيليبينية في المنطقة. والتعهّد الذي قطعه بايدن للرئيس الفيليبيني فردناند ماركوس لدى استقباله في البيت الأبيض الشهر الماضي بالدفاع عن الفيليبين في مواجهة الصين، أقلق بكين بقدر ما يقلقها عرض القوة الأميركي المتواصل في مضيق تايوان وزيادة المساعدات العسكرية لتايبيه. وللتذكير، فإنّ حزمة المساعدات الخارجية التي أقرّها الكونغرس الأربعاء كانت تتضمن مليارات الدولارات لتايوان، إلى جانب مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل. وهذه إشارة أميركية واضحة عن الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لمسألة تايوان في حسابات الأمن القومي الأميركي.
وما يزعج الصين أيضاً، أنّ المسؤولين الأميركيين وأعضاء الكونغرس بديموقراطييه وجمهورييه، دائمو التذكير بما يسمّونه انتهاكات صينية لحقوق الانسان بحق أقلية الإيغور في اقليم شينجيانغ، ويرفضون ما يصفونه بالتضييق على الحرّيات في هونغ كونغ وفرض القوانين الصينية على الجزيرة.
كما أنّ البنتاغون يشكو من تعاظم القوة العسكرية الصينية، ومن اتجاه بكين إلى بناء مزيد من حاملات الطائرات والعمل على تعزيز ترسانتها النووية. وفي مواجهة كل هذا، تعمل أميركا على توثيق روابطها العسكرية مع تايوان واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والفيليبين والهند، فضلاً عن الجزر الصغيرة المتناثرة في المحيطين الهادئ والهندي.
وفي كل الوثائق الاستراتيجية الأميركية، تُعتبر الصين الخصم الجدّي الذي يهدّد تربّع أميركا على عرش النظام العالمي الذي أقامته على أنقاض الاتحاد السوفياتي السابق.
وفي سبيل ذلك، تخوض الولايات المتحدة حرباً باردة مع الصين، ويمكن أن تتحول إلى مواجهة ساخنة في أي لحظة عند ارتكاب حلفائها، وتحديداً تايوان، أي خطأ في الحسابات.
الحل الوحيد يكمن في معاملة الصين من موقع الشريك وليس الخصم، الذي يجب إنهاكه واحتواؤه، حتى لا يخلق من قوته الاقتصادية، قوة عالمية تكون نداً لأميركا.