بين مساء الأحد في 19 الجاري وصباح الإثنين، حبست المنطقة أنفاسها بانتظار جلاء مصير الرئيس الإيراني إثر تحطم المروحية التي كان يستقلها عائداً إلى طهران. الصورة التي قدمتها طهران عن موقع الحادث والظروف الطبيعية والمناخية التي أحاطت به، جعلت الكثيرين يتريثون في التساؤل عما إذا كان الحادث مدبراً أم محض صدفة مأساوية. وكان الكثير من تفاصيل ماحدث تبرر طرح هذا التساؤل ـــ من سلامة المروحيتين المرافقتين لمروحية الرئيس واللتين من المفترض أنهما عبرتا الظروف الطبيعية والمناخية عينها، إلى المحادثات مع رئيس أذربيجان وثيقة الصلة بإسرائيل. بعد تأكيد طهران صباحاً مقتل رئيسي، تدفق كمٌ كبيرٌ من الفرضيات التي لا تستبعد إحتمال الإغتيال، سيما أن المخابرات الإسرائيلية، وكعادتها، سارعت منذ اللحظات الأولى لإنتشار النبأ للتصريح بأن لا علاقة لها بما وقع.
ليس من المفاجئ أن تسارع مواقع إعلام الكرملين إلى إستغلال الضبابية التي أحاطت بظروف تحطم طائرة الرئيس الإيراني لتوجيه الإتهام إلى الغرب بالوقوف، بشكل ما، وراء الحادث. فقد نقلت وكالة نوفوستي في اليوم التالي عن خبير ليبي قوله بأنه لا ينبغي إستبعاد دور للغرب في الحادث. مع أن المحاضر في العلاقات الدولية في الجامعة الليبية الرسمية عثمان بدري يرجح العطل الفني وظروف الطقس في تحطم المروحية، إلا أنه يرى بأنه لا ينبغي إستبعاد سيناريوهات أخرى، آخذين بالإعتبار وجود أعداء لإيران مثل إسرائيل. وافترض أنه كان بوسع إسرائيل أن تستخدم عملاءها في إيران، أو التكنولوجيا التي بوسعها التأثير على جهاز الملاحة في المروحية آخذة بالإعتبار ظروف الطقس أثناء الرحلة. واستدرك بالقول أنه في حال فرضية وقوف أجهزة المخابرات وراء الحادث، يجب إستبعاد أذربيجان، أو إحتمال تجنيد الإختصاصيين الذين يخدمون المروحية لإفتعال عطل فني فيها.
ورداً على سؤاله حول المضاعفات المحتملة للحدث في ظل التوتر في المنطقة، أكد بدري أن الكارثة ستترك أثرها الشديد على السلطات الإيرانية التي توجد في وضع مجابهة مع الغرب والولايات المتحدة، ومع إسرائيل بالدرجة الأولى.
صحيفة الأعمال الروسية Vedomosty نقلت عن المستشرق في مدرسة الإقتصاد العليا الروسية Andrey Zeltyn حديثه عن رئيسي بمناسبة رحيله. تحدث المستشرق عن علاقة الإيرانيين بفترة رئاسة الراحل، وقال بأن الإيرانيين افترضوا في البداية أن مقاربة رئيسي للحكم ستكون خلاقة، لكنه اعتمد نهجاً محافظاً. ورأى أن تعزيز العلاقات الروسية الإيرانية البناءة هو حتمية تاريخية، أكثر مما هو بفضل جدارة رئيسي نفسه.
كما نقلت الصحيفة عن الخبير في المجلس الروسي للعلاقات الدولية Kirill Semenov قوله عن العلاقات الروسية الإيرانية في عهد رئيسي، بأنها تبقى متسقة، على الرغم من وجود نقاش بين جناحي السلطة الإيرانية. ولهذا لا ينبغي تضخيم فضل رئيسي أو التقليل منه على هذه العلاقات، فقد انتهج أثناء رئاسته تلك السياسة التي كانت تعكس وجهة نظر الجمهورية الإسلامية على مدى سنوات. وبرأيه الاتجاه العام للعلاقات بين روسيا وإيران بناءاً كما كان في بداية الصراع السوري، بغض النظر عمن يشغل منصب الرئيس.
صحيفة الإزفستيا المخضرمة استعرضت في 20 الجاري مسلسل الوقائع التي تداولها الإعلام منذ الأحد حتى إعلان مقتل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية صباح الإثنين. وأشارت إلى أن معلومات موثوقة عن أسباب الحادث لم تنشر حتى ذلك الوقت. ونقلت عن BBC إشارتها إلى وجود عدد كبير من المروحيات في إيران، إلا أن العقوبات الدولية المفروضة على البلاد تعرقل بشدة إصلاحها وصيانتها. ويؤكد الموقع البريطاني أن الأسطول الجوي العسكري للجمهورية االإسلامية كان قد تشكل بصورة رئيسية قبل ظهور الجمهورية الإسلامية العام 1979.
نقلت الصحيفة عن The New York Times قولها بأن الحادث وقع في لحظة حساسة في العلاقات الدولية، إذ كان مسؤولون أميركيون وإيرانيون قد أجروا قبل أيام مفاوضات عبر وسطاء في محاولة تخفيض خطر صراع أكثر اتساعاً في الشرق الأوسط. وأشارت الصحيفة إلى أن رسميين أميركيين وإيرانيين شاركوا في مفاوضات غير مباشرة في سلطنة عُمان، وذلك للمرة الأولى بعد الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق.
كما نقلت الصحيفة عن المحاضر الروسي في الإقتصاد Farhad Ibragimov قوله بأن تحطم مروحية الرئيس اثارت القلق في إيران، ومقتل الرئيس قد يتحول إلى اختبار آخر لقوة النظام في الجمهورية الإسلامية. إلا أنه يستدرك بأنه لا ينبغي توقع سقوط هذا النظام، وذلك لأن الشخصية السياسية الرئيسية في البلاد هو المرشد علي خامنئي الذي يشغل المنصب منذ العام 1989. والرئيس هو الشخصية الثانية في تراتبية النظام، وموته قد يحدث اضطراباً وسط النخبة الإيرانية. وفي غياب الرئيس سيمسك البلد الحرس الثوري وخامنئي شخصياً الذي يتولى تحديد المرشح للرئاسة. ويذكّر Ibragimov بأن خامنئي تولى منصب الرئاسة العام 1981 بعد مقتل الرئيس علي رجائي ورئيس الوزراء آنذاك محمد جواد باهنر في الإنفجار الذي قام به الإرهابي مسعود الكاشميري.
صحيفة MK الروسية المخضرمة أيضاً، نقلت في 20 الجاري عن The Guardian معظم ما جاء في نص المحرر في الصحيفة البريطانية Patrick Wintour. قال محرر الصحيفة البريطانية أن تحطم المروحية الإيرانية وقع في الوقت الذي تستعد فيه البلاد لتغيير النظام ورحيل المرشد الأعلى علي خامنئي في السنوات القادمة. ويذكّر المحرر أن القيادة الإيرانية التي غالباً ما يكون توزع السلطة فيها غير شفاف بين رجال الدين والسياسيين والجيش، القرار النهائي يبقى بيد المرشد الأعلى وليس الرئيس. ومهما كان الرئيس موالياً للمرشد الأعلى، ورئيسي كان شديد الولاء له، عادة ما يبقى في دور كبش الفداء الذي يساعد المرشد في تفادي الإنتقاد.
ويشير المحرر إلى أن رئيسي كان يشُار إليه في الأشهر الأخيرة بوصفه الخليفة المحتمل للمرشد. ورحيله ينظف طريق الأشواك نحو ولاية الفقيه أمام نجل خامنئي مجتبى. رحيل رئيسي وقرار “مجلس الخبراء” لا شك أنه يرفع حظوظ وراثة السلطة في إيران، وهو ما يعارضه كثيرون من رجال الدين كأمر غريب عن مبادئ إيران الثورية. لكن موت رئيسي يعزز الشعور بأن إيران بدأت تمر بمرحلة إنتقالية. فالبرلمان الجديد الذي انتخب مطلع آذار/مارس المنصرم بأدنى نسبة إقبال في تاريح الإنتخابات الإيرانية، حيث بلغت 41%، ينتهج خطاً متشدداً.
نائب الرئيس محمد مخبر الذي أعلنه خامنئي رئيسا مهمته الإعداد للإنتخابات الرئاسية خلال 50 يوماً، يرى Wintour أن قلة تعتبر هذا المصرفي والنائب السابق لحاكم مقاطعة خوزستان مرشحاً مناسباً لتولي منصب الرئيس. المهلة الدستورية المذكورة لانتخاب الرئيس الجديد، تعتبر مهلة قصيرة نسبياً كي يتمكن خامنئي ومحيطه من إختيار الشخص الذي يجب أن يشغل ليس فقط منصب الرئيس في هذا الوقت الحرج لإيران، بل وأن يشغل موقع خامنئي بعد رحيله.
يعتبر المحرر إن التحدي المباشر الذي يواجه أي زعيم جديد لن يتمثل في السيطرة على المعارضة الداخلية فحسب، بل وأيضاً في مطالبة الفصائل داخل البلاد باتخاذ موقف أكثر صرامة في التعامل مع الغرب والاقتراب من روسيا والصين.