لشهر أيار/مايو منزلة أثيرة لدى السيد حسن نصرالله، احتفى بها في خطابه منذ أيام. قال إن هنالك في 15/5 ذكرى النكبة، وهي» الحادثة المرّة والأليمة والقاسية»، وفي 17 منه ذكرى» اتفاقية العار بين الدولة اللبنانية والعدو 1982» وفي 25 منه «عيد المقاومة والتحرير» في عام 2000. وطبعاً تأتي ذكرى اغتيال مصطفى بدر الدين من قبل مجهولين في تفجير بقاعدته قرب مطار دمشق في 13/5 من العام 2016، وهي المناسبة الرسمية للخطاب موضوع المقالة. نسي زعيم حزب الله ذكرَ السابع من مايو يوم اجتاحت ميليشيات الحزب مع حركة أمل شوارع بيروت لإرهاب القوى اللبنانية كلّها.
في ذلك الخطاب قال نصرالله إنه سيتكلّم عن «المناسبة»، وعن المشهد الراهن في المنطقة وغزة، وعن ملفّ النزوح السوري إلى لبنان. ستمرّ هذه المقالة على المواضيع الثلاثة قليلاً. صاحب المناسبة أولاً هو المتهّم بالإشراف على والتخطيط لعمليّة اغتيال رفيق الحريري، حسب كلام المحكمة الدولية وقراراتها. وهو أكثر من ذلك بكثير: ليس صهراً لعماد مغنية وحسب، بل تقمّص آخر له عاش أكثر، ونفّذ أكثر. حين كان في الكويت أوائل الثمانينيات، اتُّهِم بتنفيذ تفجيرات في الكويت وحكم عليه بالسجن، ثمّ هرب بطريقة ما مع الاحتلال العراقي للكويت، ونُقل إلى إيران. كان له دور مهم في كلّ ما جرى في العراق وفي سوريا، ولهما.
«افتحوا البحر، ليست بحاجة إلى شيء إلا إلى نعم، وإلى قرار شجاع وإلى جرأة، لأنه عندما يأخذ هذا القرار سوف تتصل السفيرة الأمريكية وسفراء الدول الأوروبية ووزارة الخارجية الأمريكية»
عن الأولى تحدّث نصرالله في ذكرى أربعين بدرالدين منذ ثماني سنوات وقال: «اتصل الإخوة من العراق، وقالوا: نحن غداً نحتاج ـ يعني الكلام كان في فترة المغرب وهم يتحدثون عن اليوم الثاني ـ نحن نحتاج منكم يا إخواننا في حزب الله إلى العدد الفلاني من كوادركم وقيادييكم، لا نريد مقاتلين، لدينا مقاتلون، نريد قادة، نريد كادر ينقل تجربة، يقود في الميدان، يدرب، يخطط يساعد في التخطيط، وأيضا يضخ المعنويات. هذه يمكن هي أول مرة نتكلم فيها، ولكن يجب أن نتكلم فيها، لا يضر الكلام فيها، ممكن أنه يفيد. أنا بين الساعة العاشرة والساعة الحادية عشرة ليلاً، تصلني هذه الرسالة، رسالة لهفة واستغاثة، اتصلت بالأخ السيد مصطفى بدر الدين، باعتبار أنه هو المسؤول المعني، هو المتابع لهذا الملف وأخبرته بأن الإخوة قالوا كذا وكذا وهذه هي الاحتياجات، وغداً صباحاً يجب أن يكون الإخوة بهذه المواصفات من قياديين وكوادر هذا العدد جاهزين، ووسيلة النقل جاهزة لنقلهم إلى بغداد». يشير هذا إلى التوجّه لاحقاً لتأسيس «الحشد الشعبي» في العراق على أسس طائفية – رغم شكر نصرالله لدور «علماء السنة» في استدراك لحديثه، وما حدث في سياق الحرب على «داعش» – المدعومة من أمريكا وقوى إقليمية أخرى. يعنينا في ذلك دور السيد ذو الفقار، وهو الاسم الحركي لبدر الدين في كلّ ذلك السياق! وعن دوره في سوريا، ضرب نصرالله مثلاً عن معركة حلب؛ التي كانت ما تزال جارية في حزيران/يونيو يوم خطاب الأربعين المذكور؛ وعن دور بدر الدين فيها، واندفاعه من أجل القتال منذ البداية، حين لم يكن على الأرض إلّا النظام «وأصدقاؤه» قبل مجيء الروس بعد أربع سنوات. قال نصرالله، إن الراحل «واكب كل المراحل، كل مراحل الصراع، عندما كانت المعركة على بوابات دمشق، وأحياناً داخل أحياء دمشق، وسقطت الأرياف في محيط دمشق، أغلب الأرياف، فذهب إلى هناك، وكان هناك هو وكل إخوانه… من دمشق، إلى الزبداني، إلى القلمون، إلى محافظة حمص، إلى حمص المدينة، إلى شمال اللاذقية، إلى ريف اللاذقية، إلى سهل الغاب، على بوابات إدلب، وإلى حماه، إلى طريق أثريا، إلى حلب، إلى ريف حلب، إلى تدمر، إلى جنوب سوريا، في المواجهات والمعارك الكبرى التي حصلت في الجنوب، في منطقة القنيطرة وفي منطقة درعا».. وصولاً إلى حلب، التي تركّز فيها الهجوم الأمريكي/ السعودي كما قال، ولذلك «وجب أن نكون في حلب فكنا في حلب وسنبقى في حلب، هذا هو الموقف، هذا الموقف ترجمه السيد ذو الفقار وأخوة السيد ذوالفقار في المقاومة الإسلامية، وذهبوا إلى هناك بأعداد كبيرة، نعم، عددنا الموجود في منطقة حلب هو عدد كبير، وليس عدداً متواضعاً، من كوادرنا ومن شبابنا ومن رجالنا».
رغم احتدام المعركة في حلب، اغتيل بدر الدين قرب مطار دمشق! وأيضاً: رغم احتدام معركة غزة واحتمالات الحرب في جنوب لبنان، كان موضوع الساعة الأهمّ والأكثر إثارة في الخطاب الأخير هو ملف السوريين النازحين في لبنان باعتباره اليوم «القضية الأولى على المستوى الوطني»، الذي احتفى نصرالله في خطابه بـ»الإجماع الوطني حوله»، وطرح حلّاً ثنائياً له: «أقول لكم الآن إذا يعطونها مليارات لسوريا يكون جيدا، ولكن في الحد الأدنى رفع العقوبات عن سوريا.. مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بإلغاء قانون قيصر، مطالبة الدول الأوروبية بإلغاء العقوبات على سوريا»، وقد «اقترحنا أو أيدنا فكرة أعود وأؤكد عليها، كم نازح سوري استطاعوا أن يصلوا إلى قبرص، فقامت قائمة قبرص وأوروبا، وجاء الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الاوروبية إلى لبنان، واقترحوا أن يقدموا حلولا ويقدموا مساعدات وما شاكل، الحل بالضغط وهذا إذا حصل عليه إجماع لبناني فلنتكل على الله، هناك من يود أن يقول إن هذه الحكومة هي حكومة الثنائي، هذا غير صحيح، نعم للثنائي تأثير في مكان ما، لو كانت هذه الحكومة حكومة الثنائي كُنا أتينا بأطنان الفيول التي تحل مشكلة الكهرباء في لبنان من إيران ولحلت المشكلة، بالنهاية هذه حكومة ويوجد رئيس حكومة وتوجد ضغوط دولية ويوجد ويوجد، معه حق أو لا، معها حق أو لا، هذه وقائع موجودة لا يستطيع أحد أن يتجاهلها، اليوم يجب ان نحصل على إجماع لبناني، موقف رسمي وشعبي لبناني يقول: فلنفتح البحر». «تريدون ان تحلوا موضوع النازحين، هذا هو الحل، الباقي ستسمعون خطابات لها أول وليس لها آخر لا (تثمن) ولا تغني من جوع، لكن أمام قرار وطني يقول: فتحنا البحر، أيها النازحون السوريون أيها الإخوة كل من يريد ان يُغادر إلى قبرص وأوروبا هذا البحر أمامكم فاتّخذوه سفنا وأركبوه، كثير من هؤلاء النازحين يرغبون بالهجرة.. وفي نهاية المطاف سوف يأتي الأوروبيون ويدفعون ليس فقط مليار يورو، بل 10 مليارات و20 مليار و30 مليارا، نحن نضمن لرئيس الحكومة أن يضع رجلا على رجل وأن يضع شروط أيضاً، فقط افتحوا البحر، ليست بحاجة إلى شيء إلا إلى نعم، وإلى قرار شجاع وإلى جرأة، لأنه عندما يأخذ هذا القرار سوف تتصل السفيرة الأمريكية وسفراء الدول الأوروبية ووزارة الخارجية الأمريكية»، تلك هي السيادة والإرادة في رأيه، وليس ما يتحدث به الآخرون.
وأثناء كتابة هذا المقال، طرأت حادثة مقتل الرئيس الإيراني ووزير خارجيته وآخرين في سقوط غريب لطائرة هيلوكوبتر.. وما زال الوقت مبكّراً على التعمّق فيها بالفعل، إلّا أن انكشاف البؤس التقني والإداري والأمني – الذي ظهر أثناء عمليات الإنقاذ – لا يقلّ أهمية عن معرفة خفايا تلك الحادثة، التي سوف تؤثّر نتائجها حتماً على مجريات الحالة الإيرانية، وكلّ مفرزاتها خارج الحدود.
ولطالما جرى التحذير من خطر الصراع الشيعي- السنّي؛ الذي يُخشى أنه مختبئ في خلفية الاستراتيجية الإيرانية؛ على المنطقة والعالم. وما زال التحريض والنفخ في النار يتمّ بصوتٍ عالٍ وأنفاس لاهبة وغياب للحكمة.. التي قيل إنها فارسية.
كاتب سوري