واجهْ دازاينَكَ، قال لنا
إن تفعلْ تصبحْ إنساناً
لا تعبأْ بالناس – الأوهام ولا تعبأْ بالأوهام – الناسْ
لا تعبأْ، واترك أحداث العالم للعالم وامضِ في الدربِ الصاعد نحو الأعلى
واجهْ دازاينَك واجهْه فبهذا تحضر في الدنيا
وبهذا تصبح إنساناً يكتشف الشيء الكامن فيه، فيسمو نحو الأفكار العليا
واجهْه تتأمّلْ
واجهْه تتفلسفْ
إن لم تفعل هذا، إن رحتَ تتابع أفعالَ الناس، وإن شغلتْك صغائر عالمنا، كنتَ كمن يهبط، كنتَ كمن يغرق.
ما لم تفعل هذا لن تسمو نحو الأشياء ولن تمسك بالجذر الجذريّْ.
بل كنتَ كمَن لا يتأمّل أصلاً.
فأصالة كونك إنساناً تعني أن لا يشغلك الإنسان، وأن تشغلك الكينونةُ،
بالكينونةِ تملك روحاً، بالكينونة تطرح أسئلة وتحاول.
*****
صَدّقْنا هذا، صدّقنا أنّ الدازاين خلاصٌ، أو بطن يلد المستقبل ويقيم المعنى.
عاش الدازاين، هتفنا وذبحنا كلّ خراف الحيّ، كما أطلقنا بعض رصاصٍ طاشَ فأودى بالأطفال على بلكون الجيران.
لكنّ السيّد قال لنا أشياء أخرى. أخبرَنا مثلاً أنّ علينا أن نطرح أسئلةً لكنْ ليس من المضمون وجود الأجوبة المنتظَره. أخبرَنا أيضاً أنّ إجاباتٍ قد تأتي لكنّ الإدراك البشريّ سيعجز، أو قد يعجز، عن أن يدركها.
إذّاك رأيتُ دموعي تهبط من عينيَّ ولم تأت الأمجاد إلى قلبي. الأدنى جاء ولم يأت الأعلى. ماذا أفعل في تلك اللحظة؟ ما أفعله أنّي أبكي، لا أفعل شيئاً آخر.
فأنا ملفوف بغموض يلتفّ عليه غموض. تحتي سجّادات غموضٍ. فوقي غيمٌ غامض.
ويُطلّ السيّد ثانيةً، فبكائي لم يردعْه ولم يوقف سيل أوامره:
يا أنتَ، توجّهْ نحو المستقبلِ، قال.
وسألتُ عن المستقبل فتنحنح ثمّ أجابْ: تحكمه آفاق الموت.
لم تبق في عينيّ دموع، لكنّ السيّد، مع هذا، وجّه لي أمراً آخر: فكّرْ باللاشيء.
يا ربّي كيف أفكّر باللاشيء؟
آفاق الموت تحيط بنا، ويحيط بنا اللاشيء. وجوابُ سؤالي معدومٌ لكنّي محكوم أن أسأل. ماذا أفعل؟ ماذا يا سيّدُ أفعل؟
لم يخطر في بالي إلاّ الموت، الموت الواضحْ. الموتُ الناصع.
ها قد متّ.
إنّي جثّه.
عاش الدازاين وعاش السيّدْ.
عاش الدازاين وعاش السيّدْ.
عاش الشهداءْ. شهداء الدازاينْ
عاش الشهداءْ. شهداء السيّد.