تحوّلت وفاة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وتشييعه، من عامل تقارب بين تركيا وإيران إلى مادة خلافية غير متوقعة. إذ بعدما كانت أشارت كل المعطيات إلى أن الطائرة المسيّرة التركية «بيرقدار آقنجي» هي التي قامت بالدور الأساسي في تحديد موقع سقوط مروحية رئيسي ورفاقه، وتالياً إرشاد فرق الإنقاذ الإيرانية إليه، أعلنت رئاسة الأركان الإيرانية، في بيان أخيراً، أن «آقنجي» لم تحدِّد بدقّة موقع التحطّم، الذي كان على بُعد سبعة كيلومترات من الإحداثيات التي أعطتها المسيّرة التركية. وبرّرت رئاسة الأركان عدم قيام الطائرات المسيّرة الإيرانية بهذه المهمّة، بأنها كانت في المحيط الهندي في ذلك الوقت، وبعيدة عن الموقع الذي سقطت فيه المروحية. لا بل نفت طهران أن تكون هي التي طلبت مساعدة أنقرة، علماً أن عدداً من الدول أبدت استعدادها للمساعدة، فيما اختارت إيران تركيا لأنها الأقرب جغرافيّاً إليها.ولم يتأخر الردّ التركي على ذلك؛ فجاء أولاً على لسان وزير الدفاع، ياشار غولر، الذي قال إن «آقنجي» تدخّلت بناءً على طلب إيراني، وأنجزت مهمّتها بنجاح، وقامت بدور رئيس في تحديد موقع حطام طائرة رئيسي. ومن جهته، لفت وزير المواصلات والبنية التحتية، عبد القادر أورال أوغلو، في حديث إلى قناة «سي إن إن تورك»، إلى أن «الأنباء الأولية كانت تشير إلى سقوط طائرة. لكن مع مرور الوقت، فُهم أن رئيسي كان على متنها. ومع ساعات المساء، طلب الجانب الإيراني منّا المساعدة بطائرة ذات قدرة على الرؤية الليلية، ولبّينا الطلب الإيراني، وأرسلنا آقنجي التي حدَّدت بالضبط مكان سقوط الطائرة. وقد فعلنا ذلك بموجب حسن الجيرة». أيضاً، رأى وزير الصناعة والتكنولوجيا، فاتح قاجر، في حديث إلى «الجزيرة»، أن هناك أطرافاً أرادت إفساد العلاقة بين تركيا وإيران، عبر نشر أخبار تشكّك في أن الطائرة المسيّرة التركية كانت أول من اكتشف مكان حطام مروحية الرئيس الإيراني. وقال: «نحن نفّذنا هذه المهمّة لمشاركة ألم جيراننا في يومهم العصيب هذا ولإظهار التضامن، نحن أمّة ترى أن التكنولوجيا ذات قيمة طالما أنها تفيد البشرية، نحن نفتخر باستخدام تقنياتنا ليس فقط في ساحات الحروب، ولكن أيضاً في الأعمال التي تُفيد البشرية، كان هذا واجبنا كجيران». وفي الموازاة، تحدثت صحيفة «يني شفق» عن رسالة «سلبية» إيرانية أخرى، وهي أن موقع رئاسة الجمهورية في إيران باللغة الفارسية لم يدرج العلم التركي بين أعلام الدول الأخرى التي عزّى مسؤولوها، الجمهورية الإسلامية بوفاة رئيسي. أمّا في الموقع باللغة الإنكليزية، فإن العُلم الذي عرض لم يكن علم تركيا بل علم الدولة العثمانية العائد إلى القرن الثامن عشر.
أشارت وسائل إعلام آذربيجانية إلى استقبال المرشد الأعلى الإيراني، رئيس وزراء أرمينيا، بينما لم يحظَ وفد آذربيجان بهذه اللفتة
أما آذربيجان، التي شاركت في مراسم التشييع بوفد ضمّ رئيس الوزراء علي أسدوف، ووزير الخارجية جيحون بايراموف، فأشارت وسائل إعلامها إلى استقبال المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، بينما لم يحظَ وفد باكو بهذه اللفتة. وذكرت صحيفة «يني مساوات» الآذربيجانية أن باشينيان «يلعب لعبة مزدوجة، فهو يريد تجاوز المشكلات مع طهران، وفي الوقت نفسه يفتح حدود بلاده مع إيران أمام حلف شمال الأطلسي». لكن ما كان بارزاً، هو التصريحات التي أطلقها الرئيس الآذربيجاني، إلهام علييف، من السفارة الإيرانية في باكو؛ إذ قال في دردشة مع القائم بالأعمال الإيراني، سيد جعفر آغايي، إن «الوفاة المأساوية لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد إبراهيم رئيسي ومن معه، صدمتنا، وهي خسارة كبيرة لم تؤثّر على شعب إيران ودولتها فقط، بل أثّرت أيضاً على العالم الإسلامي بأكمله». وأضاف: «كان السيد إبراهيم رئيسي رجل دولة عظيماً وسياسيّاً بارزاً وشخصية عظيمة نالت ثقة الشعب الإيراني. اجتماعاتي العديدة معه تركت دائماً انطباعاً كبيراً لدي. وكان لقائي الأخير معه، لقاءً تاريخيّاً»، لافتاً إلى أن «مشاركتنا معاً في افتتاح مشروع كبير للبنية التحتية على حدود الدولتَين، تشير إلى مدى قوّة العلاقات الإيرانية – الآذربيجانية، وكانت رسالة واضحة جداً إلى شعبَينا والعالم أجمع، بأنّنا أصدقاء وإخوة وسنستمرّ لنكون معاً». وتابع: «وفي الوقت نفسه، أجرينا تبادلاً واسع النطاق للأفكار حول مشاريع محدّدة للبنية التحتية، وتمّ اتّخاذ قرارات مهمّة. وأنا متأكد من أن الأشخاص الذين شاركوا في الاجتماع، سينقلون ما حدث إلى القيادة الجديدة في إيران. وأنا متأكد من أن جميع الاتفاقات التي تم التوصّل إليها، سيتمّ تنفيذها، لأن هذا يعتمد على إرادة شعبَي إيران وآذربيجان. ومع ذلك، أقول مرّة أخرى، العامل المطمئن هو أن رئيسي ضحّى بحياته من أجل تنمية إيران، وسيبقى في ذاكرتنا، في ذاكرة شعب إيران وشعب آذربيجان، شخصية مشرقة وعظيمة ورجل دولة وصديقاً عظيماً لدولة وشعب آذربيجان. أرقد في سلام».
ووفقاً لما يورد غفار سفرلي، في صحيفة «يني مساوات» الآذربيجانية، «نجح (الرئيس الراحل) في تبريد العلاقات مع دول كانت العلاقات معها توتّرت في السنوات الأخيرة، مثل العراق وباكستان وأفغانستان». أما بالنسبة إلى آذربيجان، فإن علاقة إيران معها «كانت تشهد مدّاً وجزراً، لكنها عرفت بعد الحرب ضدّ أرمينيا عام 2020 مرحلة من البرودة القوية. وبدأت دوائر مختلفة في إيران تطلق التهم يميناً وشمالاً ضد آذربيجان. بل إن الجيش الإيراني أجرى مناورات على الحدود مع آذربيجان. وفي كانون الثاني من العام الماضي، وصلت العلاقات إلى نقطة الانكسار بالهجوم على السفارة الآذربيجانية في طهران ومقتل موظفين فيها. ومع ذلك، فإن الرئيس إلهام علييف لم يوجّه إصبع الاتهام إلى السلطات الإيرانية»، متّهماً قوى مخرّبة بالعمل على إفساد العلاقات بين البلدَين. وأضاف الكاتب أن «مسؤولي البلدَين عملا على تبريد الأجواء، والتقيا أكثر من مرّة، آخرها لقاء رئيسي مع علييف قبل مقتله بساعات في افتتاح سدين على نهر آراس، وكانا بذلك يطلقان رسالة سلام بتجاوز المشكلات». وذكر أيضاً أن «باكو أبلغت السلطات الإيرانية نيّتها شراء قطعة أرض في باسداران في طهران لبناء سفارة جديدة عليها، وبالفعل تم ذلك وبدأت بالبناء، على أن تنتقل إليها في تموز المقبل»، مستنتجاً أن «التوتّر في العلاقات الثنائية بات من الماضي».