يظهر دراسة الصراعات والحروب خلال القرنين المنصرمين حقيقة مدهشة، حقيقة تطرب الأذن وينبض لها القلب حباً بالثورة والتمرد، هي أن النصر ليس دائماً حليف الأكثر عدة والأحدث تسلحاً في جميع المنازلات، بل يمكن للضعيف أيضاً أن ينتصر في معركة غير متكافئة في جوانبها المادية. لقد ارتفعت نسبة الانتصارات التي حققها الضعيف ضد عدوٍ أقوى منه من اثني عشر بالمائة في القرن التاسع عشر إلى أربعة عشر بالمائة خلال القرن العشرين، حيث أن تطور التكنولوجيا العسكرية وأنتشار الرقمية الرخيصة الثمن عززت فرص الضعيف في كسب المنازلات العسكرية غير المتكافئة بمقدار اثنين بالمائة. أعتقد أن نتائج المباريات الرياضية والذهنية كالشطرنج ستظهر نتائج مشابهة، حيث من غير النادر أن نجد منتخباً أفريقياً أو آسيوياً مغموراً لدولة فقيرة يحقق نتيجة مفاجئة ضد خصم مهيب الجانب. بشكل أوضح، يمكن القول أن واحدة من كل ست أو سبعة معارك تنتهي لصالح الضعيف، أي هناك فرصة حقيقية للثوار الحالمين في خوض المزيد من المنازلات للظفر بالحرية والاستقلال وتحقيق أهداف شعوبهم وتطلعاتهم.
انتصار فيتنام الأسطوري على أمريكا وتحييد البشمركة بقيادة البارزاني لربع الجيش العراقي وقتلهم لـ 3200 جندي عراقي في بضع ساعات فقط، وصمود حزب العمال الكوردستاني في مواجهة المنغولي المدعوم من حلف غاشم خلال أربعة عقود أمثلة جيدة على ما ذُكر. الحرية ليست خلف الجبال، إنها على مرمى ستة أو سبعة معارك يخوضها الثوري الأضعف الحالم ضد المتجهز المتغطرس، وكل ماورد مدعوم بالنتائج والإحصائيات الرقمية.
القوي عدداً وتجهيزاً يستخدم تفوقه في الميدان ليجني نصراً سريعاً مباشراً غير مبالٍ بالخسائر في المال والعتاد لوفرتها، بينما حلم الضعيف بالنصر يصبح واقعاً إذا كان نبيهاً وملماً بحيثيات نقاط ضعف عدوه واستثمارها لصالحه. الطرف الأقوى أيضاً يملك نقاط ضعف بالضرورة وعلى الطرف الأضعف إيجادها وتوجيه ضرباته إليها. حيلة ذكية لا يملك كل طرف ثائر فهمها واستثمارها.
لكن من أين يحصل الأضعف على ميزات تفوق ضد الأقوى وهل هي موجودة دائماً وكيف يمكن استثمارها؟
ا لقوة مفهوم مركب من الصلبة المتمثلة بالعتاد العسكري وبنيتها التحتية تضاف إليها القوة المعنوية الناعمة التي تعتبر عاملاً مهماً كذلك، العتاد العسكري المتفوق وحده ليس ضمانة للنصر، فقد حصل وأن هُزم العتاد المتفوق أمام أضعف منه.
القوة الناعمة للمقاتل المتمثلة بالقيم والأخلاق العسكرية والإرادة ذات البعد الإنساني والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان والشعوب التي يتشاركها جميع البشر الطبيعيين تعمل على كسب التعاطف الشعبي العالمي بما فيه تعاطف جمهور العدو وكذلك تفيد في تغيير مواقف حلفاءه وتجلب بالتالي دعماً مادياً مباشراً يساهم في تغيير موازين المنازلات العسكرية.
والأخلاق العالية والمبادئ الإنسانية العظيمة التي يتحلى بها المقاتل الكردي في كل من جنوب وغرب كردستان جلبت له من الدعم الغربي ما لا يملكه دول من العتاد ومن المهم جدا إضافة ان هناك عشرة آلاف مقاتل متطوع اغلبهم من الغرب شاركهم جهودهم في إسقاط دولة الظلام وحماية العالم من الإره.. اب. ليست هناك امرأة واحدة اشتكت من تحرش مقاتل كردي بها خلال عقد ونصف في اية شهادة حية موثقة ولا قبلها. البارزاني حصل على فرصة مريحة للقصاص والانتقام من كل جمهور الطاغية وجلاوزته عن حملات الكيماوي الأنفال بعيد لوذ المجرم وجنوده بالحفر والأوكار، لقد كانت تلك مهمة بسيطة فقوات البيشمركة كانت الأكثر خبرة وتنظيماً عندما ذاب جيش صدام وقوامه مليوني مقاتل كفص جليد في صحراء الأنبار مع ظهور دبابتين فقط على جسر في بغداد، كان بإمكانهم حصد العدد نفسه او اضعافه ولكن عظمة أخلاقه ومبادئه منعته من الأنتقام في سابقة إنسانية نادرة عبر تاريخ الصراعات من أجل الحرية.
الرئيس هو شي منه حرص على حماية الشعب الفيتنامي في منظومة انفاق عميقة ومعقدة تم إنشاءها لمقاومة المحتل، وتم تزويدها بضروريات الحياة من غذاء ودواء لأستمرار المقاومة، بالإضافة لذلك أصر على متابعة التعليم والتثقيف الوطني والأخلاقي وهي جزء من القوة الناعمة التي مثلت مكونا هاما في المقاومة والأنتصار لاحقا، ساهم في كسب تعاطف الشارع الأمريكي نفسه الذي ضغط على حكومته بالمظاهرات التي لعبت دوراً في إنهاء الحرب. ادهشت الانفاق الفيتنامية العالم بتخطيطها ووظيفتها ودورها في كسب معركة تختل فيها موازين القوى بشكل هائل لصالح المحتل، لقد كان هو شي منه يحصن شعبه في الأنفاق ويطعمهم ويثقفهم بالمبادئ بينما يخرج أنصاره لمحاربة الجيش الأمريكي وإيقاعهم في الافخاخ المحفورة والمموهة بالتراب وأوراق الأشجار، في غزة نجد أن مقاتلي السنوار تحصنوا في الأنفاق بينما يستخدمون الأطفال والشيوخ والنساء كتمويه لها، تماما كما استخدم هو شي منه التراب واوراق الأشجار في فيتنام. في حالة السيد نجد أن مقاتليه الطائفينن يستخدمون المناطق السكنية للمسيحيين اللبنانين كقواعد للقصف، في رسالة واضحة للغرب بأن مواليهم في لبنان أسرى يمكن استخدامهم كدروع بشرية او لنقل كستائر ترابية وبيتونية لقواته. يكاد يغيب تصريح واحد من الطرفين تظهر حرصهما و اهتمامها بحياة المدنيين، ننتظر الغرب وندينه على معايره المزدوجة واستخافه بحياتنا ونتباهى بالفوز بالجنة عند سقوط الضحايا الأبرياء.
لقد هاجم مقاتلو السنوار يوم السابع من أكتوبر ابناء عمومته في غفلة أحتفالاتهم وفتكوا بكل من طالتهم أيديهم دون تميز وانتشوا بالنصر، سمى المصفقون لهم في العالم الإسلامي مطاعمهم ومحالهم التجارية بسبعة أكتوبر وعندما رد أبناء عمومتهم باستهداف المدنيين ومنازلهم بالمثل صاروا فجأة يتحدثون عن اللإنسانية في تعامل المجتمع الدولي وإدعائه الكاذب لحقوق الإنسان ومعايره المزدوجة. أقول ومع كل تأييدي وتعاطفي مع هذا الشعب المظلوم الرهين لدى السنوار والسيد واقول لهم اشكروا ربكم ان سيد البيت الأبيض يتحلى بحد أدنى من المسؤولية تجاه حقوق الإنسان وقليل من طيبة القلب، لو كان هناك جمهوري جلف كترامب في البيت الأبيض لكان حزننا ودموعنا لا تقاس بما هو عليه مع بايدن، ولو اطلق يد أبناء عمومتكم عليكم وردوا عليكم بالمثل واستهدفكم دون تميز كما بادرتم أنتم لأنتهت هذه الحرب في أسبوع وبعدد هائل غير مسبوق من الضحايا. لازال الرئيس بايدن ومعه قادة أوربا كذلك يفعلون ما بوسعهم لتقليل اعداد الضحايا، إيقاف الحرب وإدخال المساعدات الطبية والإنسانية هذا عدا عن تموبلهم للانوروا التي أبقت سكان القطاع على قيد الحياة لأربعين عاماً. واما السنوار وقيادته فلا يهتمون لكم وتذكروا أنهم شنوا حربا شعواء على فتح جماعة عباس في مخيم عين الحلوة في لبنان واسقطوا منهم ضحايا وتسببوا بنزوحهم وذلك قبيل هذه الحرب، هذا عدا إنقلابهم اللاشرعي في غزة على الشرعية.
لا شك أن الحرب الدينية التي يخوضها السنوار مستخدما المدنيين الغزاويين اوراقا وأتربة لتمويه الأنفاق لن تصل بالشعب إلى الحرية، ولا حتى إلى كسب التعاطف الدولي الرسمي مع مقاتليه والسبب أن الجهاد والشهادة ليست قيما عالمية بل عقيدة دينية للظفر بالحوريات والخمر في الجنة وهي لا تندرج ضمن معطيات القوة الناعمة كذلك. لا تشاهده كذلك ينازل أبناء عمومته في ساحة المعركة رجلاً لرجل بالقوة الصلبة، حيث تتوفر فرصة حقيقة لإبراز شجاعته وبطولته في الميدان، إن فعل فهو يحييد الأسلحة الأستراتيجية لعدوه وهي القبة الحديدية والسلاح النووي والطيران التي لا يمكن أستخدامها في المنازلات المباشرة بل تكون الكلمة الفصل للجندي الشجاع بسلاحه الفردي، لكن لا تجد كل ذلك فلا منازلات على الجبهات ولا وحدة ساحات بين غزة وجنوب لبنان، لم تظهر جتى الآن مجموعة واحدة تخوض معركة وجها لوجه، استراتيجتهم العسكرية هي استخدام مدنييهم دروعا بشرية والرمي من خلفهم والقول بان الله رمى وهذه هي بعض من قوتهم الناعمة، كما أن إطلاق التصريحات من قبيل بأن هناك خمسون الف إمراة حامل ستعوضن الخسائر اليشرية لا تعتبر تميزاً على أرض المعركة.
نقطة اخيرة، لاشك ان الجمهور الغربي الذي تظاهر قدم مشهداً إنسانيا مؤثراً في التعاطف مع الضحايا المدنيين وليس إعجاباً بمغامرات السنوار والسيد، كان الأسبان في صدارتهم بمائة مظاهرة واعتقد ان الأسبان لم يسمعوا تصريحات محمود الزهار التي قال فيها بان فلس.. تين صغيرة جدا على الخارطة ومشروعه اكبر من ذلك بكثير ملمحا إلى إعادة فتح الأندلس وإقامة الخلافة المزعومة، بينما النظام السوري منع ادنى نشاط في الشارع يعكر صفوة وهدوء علاقانه السرية مع أبناء عمومته ومن خلفهم سادة البيت الأبيض طبعاً، بينما السوريون الفارون من الميليشيات الحمساوية وهم جزء من البلاء الذي حل بسوريا انضموا للمظاهرات التخريبية في مدن اوربا وامريكا مع أترابهم العرب والمسلمون دعماً للسنوار وهنية والزهار يشيدون بثقافتهم السياسية مقدمين قوتهم الناعمة على شكل قوة تخريبية صلبة ومعارك مع البوليس في المدن الأوربية المسالمة ما دفع بالبوليس إلى استخدام القوة ضدهم بما فيه الجرافات.
النتيجة النهائية لاقوة صلبة تتفوق بها على عدوك وتستعيد بها حقك، ولا ناعمة تسحر بها الشعوب وتكسب تأييدهم ولا حتى سلوك قويم في شوارعهم، فقط مناجاة دينية وخطاب لا يخلو من التهديد والعنصرية مع تخريب وفوضى متعمدة في دول أسنضافتكم واعطتكم كامل حقوقك بما فيها السياسية والتي لاتحلم بها ببلدك، كيف تتوقع ان يتعامل العالم معك؟