بينما كانت إسرائيل مفجوعة في أعقاب مجزرة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) التي قتل فيها إرهابيو “حماس” أكثر من 1400 مواطن مدني، سافر الرئيس الأميركي إلى تل أبيب للتعهد بالدعم الأميركي، لكن خلال ظهوره إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، نصح بايدن أيضاً بتوخي الحذر، واستذكر قائلاً، بعد هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) “شعرنا بالغضب في الولايات المتحدة، وبينما كنا نسعى إلى تحقيق العدالة، ورأيناها تتحقق بالفعل، ارتكبنا أخطاء أيضاً”.
في الأسابيع الثلاثة الماضية، لم يكن بايدن هو الوحيد الذي شبه السابع من أكتوبر إلى الـ11 من سبتمبر، ولم يكن الوحيد الذي اعتبر أن إسرائيل قد تستفيد من التجربة الأميركية، لكنه حينما أقام هذا التشبيه، أشار في جزء كبير من تعليقه إلى “الحرب على الإرهاب” الواسعة التي تشنها الولايات المتحدة، مما أدى إلى مقارنة غير عملية وغير مناسبة بين أزمة حادة وقصيرة الأمد في إسرائيل، وفترة طويلة في سياسة الأمن القومي الأميركية امتدت لعقود من الزمن، بيد أن ما تواجهه إسرائيل الآن شبيه أكثر بالتحدي الذي واجهته واشنطن في أعقاب هجمات الـ11 من سبتمبر بالتحديد، عندما كانت المهمة الأكثر إلحاحاً هي معرفة ما ينبغي فعله في شأن الملاذ الأمن الذي اتخذه تنظيم القاعدة في أفغانستان. ولا تزال هذه المقارنة الأضيق والأكثر تحديداً تشكل تشبيهاً غير دقيق، لكنها أكثر ملاءمة وإفادة من الناحية التحليلية.
على مدى الأشهر الـ15 الماضية، كنا نحقق في الافتراضات الأساسية التي استندت إليها الجهود الأميركية في أفغانستان، مع التركيز بشكل خاص على القرارات التي اتخذتها إدارة جورج دبليو بوش في الأسابيع والأشهر الأولى بعد صدمة الـ11 من سبتمبر. على رغم وجود اختلافات أساسية بين أحداث عام 2001 وأحداث السابع من أكتوبر، إضافة إلى فوارق أكبر حتى بين قوة عظمى عالمية ودولة يبلغ عدد سكانها 9 ملايين نسمة محاطة بالأعداء من كل الجهات، فإن تجربة الولايات المتحدة في المراحل الأولى من استجابتها لأحداث الـ١١ ايلول تقدم دروساً يمكن أن تكون مفيدة لإسرائيل اليوم.
الدرس الأول هو أهمية التخطيط ووضع أهداف واقعية وغير مبالغ فيها. والدرس الآخر هو الحاجة إلى معرفة نقاط القوة والكفاءات الأساسية لديها، وإدراك وقت قد يكون مناسباً للاعتماد على الآخرين. وأخيراً، بالنسبة إلى دولة في موقع إسرائيل، فمن المهم أن يفكر القادة بشكل استراتيجي من الجهات الحليفة التي تستطيع مساعدتهم في تحقيق أهدافهم، وأن يقيموا بعناية من هم أعداؤهم ويحددوا ما الذي يخشاه هؤلاء الأعداء وما رغباتهم ودوافعهم.
ليس هناك تطابق بل تشابه
ثمة فوارق واضحة بين الوضع الذي واجهته الولايات المتحدة بعد هجمات الـ11 من سبتمبر وذاك الذي تواجهه إسرائيل الآن. في أعقاب أحداث الـ11 من سبتمبر، شبه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الإرهاب الإسلاموي بالنازية والشيوعية، ووصفه بأنه تهديد وجودي للولايات المتحدة والعالم الديمقراطي، لكن ذلك كان مجرد مبالغة خطابية وكلاماً مغالى فيه. أما حركة “حماس” فهي تمثل خطراً أعظم بكثير على إسرائيل من ذاك الذي شكله تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة. طوال 30 عاماً ظلت “حماس” تؤكد بوضوح اعتزامها محو إسرائيل من الخريطة، وفي السابع من أكتوبر أثبتت قدرتها على ارتكاب جرائم قتل جماعي على نطاق غير مقبول يفوق كل التصورات.
بعد أحداث الـ11 من سبتمبر، أعلنت الولايات المتحدة “حرباً شاملة على الإرهاب”، ووسعت نطاق استجابتها لتشمل الدول التي قدمت ملاذاً آمناً للإرهابيين. وقد استخدمت هذه اللهجة لتبرير حرب واسعة بقيادة الولايات المتحدة ضد حركة “طالبان” الأفغانية، التي، على رغم إيوائها تنظيم “القاعدة” فلم يكن لها أي دور مباشر في هجمات الـ11 من سبتمبر، أو وفق ما تقوله معظم الروايات، لم تكن لديها أية معرفة مسبقة بتلك الهجمات. في المقابل، أوضحت إسرائيل أن عدوها الوحيد هو “حماس”.
واستطراداً، اعتمدت المرحلة الأولى من مهمة الولايات المتحدة في أفغانستان على جيش أفغاني بالوكالة، وهو “التحالف الشمالي”، فيما كانت القوات الأميركية تقاتل في الغالب من الجو. وهذا ترف لا تملكه إسرائيل، فهي ستحتاج إلى إرسال قوات برية إلى مناطق خطرة، في بيئة حضرية مكتظة بالسكان، حيث سيكون من الصعب التمييز بين العدو والمدنيين الأبرياء.
وأخيراً، كثيراً ما ننسى أن الحرب الأميركية في أفغانستان لاقت نجاحاً تكتيكياً استثنائياً في البداية. وفي غضون شهرين فحسب، حرم تنظيم “القاعدة” من الملاذ الآمن وأزيحت “طالبان” من السلطة، ولكن من الصعب أن نتصور أن إسرائيل ستكون محظوظة إلى هذا الحد.
الحفاظ على التركيز
لكن تلك الاختلافات والفوارق لا تبطل أهمية هذه المقارنة ولا تلغي أوجه الشبه. فعلى غرار ما حدث مع الولايات المتحدة بعد أحداث الـ11 من سبتمبر، شهدت إسرائيل صدمة وطنية موجعة في السابع من أكتوبر أطاحت افتراضاتها المتعلقة بالأمن القومي واستدعت استجابة فورية وساحقة.
بدأت الحرب في أفغانستان بعد أقل من شهر من أحداث الـ11 من سبتمبر، ولم تبذل إدارة بوش جهداً كبيراً للتفكير في الجهة التي ستحل محل حكومة “طالبان”. وفي الواقع، فوجئ المسؤولون الأميركيون بالسرعة الهائلة التي نجحت فيها القوات الأميركية وقوات التحالف الشمالي في التغلب على حركة “طالبان”. ولم يكونوا الوحيدين الذين تفاجأوا بذلك، فزعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن كان يأمل في أن تتدخل الولايات المتحدة في أفغانستان، معتقداً أن القوات الأميركية ستتورط في صراع طويل الأمد، ولكن بعد أن استسلم مقاتلو “طالبان”، وتمكنت القوات الأميركية وشركاؤها في التحالف الشمالي من محاصرة فلول تنظيم “القاعدة” في مجمع كهفي في تورا بورا، قدم بن لادن اعتذاراً لأتباعه لأنه قادهم إلى حافة الهلاك.
لكن ينبغي على القادة الإسرائيليين أن يضعوا في الاعتبار إلى أنه بعد النجاح الأولي الذي حققته الولايات المتحدة في أفغانستان عام 2001، أفسدت واشنطن الأمر. ولم يكن القرار الأميركي اللاحق بغزو العراق منطقياً على المستوى الاستراتيجي، إذ أدى إلى تنفير حلفاء أساسيين بما في ذلك فرنسا وألمانيا، وضمن ألا تحظى عملية إعادة البناء في مرحلة ما بعد الصراع في أفغانستان بالاهتمام والموارد التي كان يجب أن تحظى بهما. وعلى رغم أن المسؤولين الأميركيين قالوا إنهم يعطون الأولوية لإنشاء أفغانستان مستقرة وآمنة، فإنهم كانوا يفتقرون إلى الكفاءة والموارد من أجل تحقيق هذا الهدف. وفي الحقيقة، كانت الولايات المتحدة لتجد صعوبة في بناء دولة فعالة في أفغانستان حتى في ظل ظروف مثالية، ولكن مع تحول الاهتمام نحو العراق، أصبحت هذه المهمة مستحيلة.
“حماس” تمثل خطراً أعظم بكثير على إسرائيل من ذاك الذي شكله تنظيم “القاعدة” على الولايات المتحدة
إذاً، يجب على إسرائيل أن تتعلم من أخطاء تمادي الولايات المتحدة وجموحها وأن تضبط اندفاعها للاشتباك عسكرياً مع إيران أو “حزب الله” في لبنان. ويتعين على إسرائيل أن تحصر تركيزها على غزة وأن تعطي الأولوية لتقليص التهديد العسكري الذي تشكله “حماس”. إن القضاء على القيادة العسكرية والسياسية لـ”حماس” وتدمير مخابئ الأسلحة وشبكة الأنفاق التابعة للحركة هي مهام منفصلة ويمكن تحقيقها، وأي شيء أبعد من ذلك يمكن أن يحول الوضع إلى مستنقع يجر إسرائيل إلى صراع طويل الأمد لا نهاية له في المدى المنظور.
في أفغانستان، لم يسهم الشعور بالتفاؤل والثقة والقدرة على الإنجاز في تعزيز الاعتقاد أن القوات الأميركية ستتمكن من الفوز بالحرب فحسب، بل بأنها ستحقق السلام أيضاً، بيد أن هذه المهمة كانت خارج مجال الخبرة الأساس للجيش الأميركي أي إنها لم تكن شيئاً كان الجيش الأميركي مجهزاً أو مدرباً للتعامل معه كجزء من وظائفه المعتادة، وحتى الوكالات المدنية مثل وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID. فالوجود الأميركي على الأرض في أفغانستان، على رغم حسن نواياه، كثيراً ما أدى إلى هجمات إرهابية وأعمال انتقامية عسكرية وقع فيها الأفغان الأبرياء في مرمى النيران.
وعلى غرار نظيره الأميركي، فالجيش الإسرائيلي هو قوة قتالية فعالة ويمتلك الأسلحة والتكنولوجيا التي يحتاج إليها من أجل توجيه ضربة موجعة لأعدائه، لكن الجيش الإسرائيلي غير مجهز، لا ثقافياً ولا تكتيكياً، للتعامل مع احتلال عسكري طويل الأمد لقطاع غزة. من ثم فإن إسرائيل تحتاج إلى إدراك نقاط قوتها بوضوح وفهم أي من حلفائها يمكنها الاعتماد عليه للحصول على الدعم. وبالطبع، سيكون دور الولايات المتحدة حاسماً، ولكن كذلك الأمر بالنسبة إلى دور الدول العربية التي وقعت معها إسرائيل اتفاقات سلام أو اتفاقات تطبيع. ويتعين على إسرائيل أيضاً أن تفكر في كيفية العمل مع الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس. في الواقع، إن معظم الإسرائيليين لا يثقون في الأمم المتحدة بسبب ما يرونه من تحامل على إسرائيل، لكنها ربما تكون المنظمة العالمية الوحيدة التي تتمتع بالمعرفة والصدقية اللازمة لقيادة جهود فعالة في سبيل تحقيق الاستقرار في غزة بعد انتهاء الصراع. ولا يمكن لأي خطة “لمرحلة ما بعد النزاع” في غزة أن تستبعد الأمم المتحدة.
اعرف عدوك
كانت إحدى نقاط الضعف الأساسية في حرب الولايات المتحدة في أفغانستان هي عدم القدرة على التركيز بشكل دقيق على العدو الرئيس. ومن خلال التصريح في وقت مبكر بأنه لا يوجد فرق بين الإرهابيين والدول التي تؤويهم، ضمنت واشنطن أن يصار التعامل مع “طالبان” بنفس طريقة التعامل مع تنظيم “القاعدة”، على رغم عدم وجود أرضية مشتركة بين هاتين المجموعتين. وفي الواقع، في السنوات التي سبقت أحداث الـ11 من سبتمبر، كان القادة في كل من “طالبان” و”القاعدة” ينظرون إلى بعضهم بعضاً بحذر وتخوف. وفي حين ركز تنظيم “القاعدة” على الجهاد الدولي، سعت حركة “طالبان” بنشاط إلى الحصول على الاعتراف الدولي، والشرعية، والمساعدة في نهاية المطاف. وفي مراحل مختلفة في أواخر التسعينيات من القرن الـ20، فكر زعيم “طالبان” الملا عمر بجدية في طرد بن لادن من أفغانستان، وهي خطوة أيدها كثير من مساعديه.
وبحلول ديسمبر (كانون الأول) 2001، أي بعد شهرين من بدء الحرب، كانت حركة “طالبان” قد استسلمت. ولم يتردد المحيطون بالملا عمر في إخباره بأنهم يعتزمون الاستسلام لرئيس البلاد الجديد حامد كرزاي، وحاولوا مراراً وتكراراً القيام بذلك. وبينما كان إرهابيو تنظيم “القاعدة” يقاتلون حتى الموت في كثير من الأحيان، غالباً ما ألقى مقاتلو “طالبان” أسلحتهم وعادوا إلى قراهم، مرعوبين من القدرات التدميرية للقوات الجوية الأميركية.
وبعد هزيمة “طالبان” لم يظهر قادتها السابقون حماسة كبيرة للقيام بتمرد، وكان هناك غضب كبير تجاه تنظيم “القاعدة”. وتماشياً مع الطريقة الأفغانية القديمة المتبعة في قراءة التغييرات في البيئة السياسية، سعى عدد من أعضاء حركة “طالبان” إلى التكيف مع الواقع السياسي الجديد في البلاد، لكن الولايات المتحدة لم تكن مهتمة بالسماح لـ”طالبان” بالإفلات من الهزيمة والإذلال. لقد أرادت تلقين تلك الحركة درساً، وبالتعاون مع أمراء الحرب القبليين المتوحشين في البلاد، أطلقت مهمة عدوانية لمكافحة الإرهاب استهدفت قادة “طالبان” السابقين. وقد أسهم هذا القرار في تأليب الأفغان، الذين رحبوا بالوجود الأميركي في البداية، ضد الولايات المتحدة وحكومة كرزاي، وأسهم في إعادة إحياء تمرد “طالبان” الذي بدأ بعد بضع سنوات.
ربما تكون الأمم المتحدة المنظمة العالمية الوحيدة التي تتمتع بالمعرفة والصدقية اللازمة لقيادة جهود فعالة في سبيل تحقيق الاستقرار في غزة بعد انتهاء الصراع
هناك دروس محتملة قد تتعلمها إسرائيل إذا فهمت كيف أطلقت الولايات المتحدة أحكاماً خاطئة على “طالبان” وأساءت التعامل معها بعد أحداث الـ11 من سبتمبر. قد لا تكون السلطة الفلسطينية سعيدة بالهجوم الإسرائيلي على غزة وستدينه علناً، لكنها من الممكن أن تكون ذات فائدة محتملة في التعامل مع آثار الحرب. لذا، ينبغي على إسرائيل أن تبذل كل ما في وسعها لتجنب تحويل السلطة الفلسطينية (التي اعترفت بإسرائيل وتعهدت بدعم حل الدولتين) إلى عدو لها. وسيكون من الصعب تحقيق ذلك نظراً إلى الصلاحية المحدودة التي تتمتع بها السلطة الفلسطينية، إضافة إلى الفساد المستشري فيها، ولكن هناك خطوات علنية يمكن اتخاذها لبناء علاقات ودية معها.
ولكن لسوء الحظ، يبدو أن تل أبيب تنوي فعل العكس. قبل السابع من أكتوبر، كانت هناك موجة متصاعدة من أعمال العنف يقودها مستوطنون في الضفة الغربية، وقد تزايدت هذه الموجة منذ الهجوم. ويتجاهل القادة الإسرائيليون هذا العنف عمداً لأن كثيراً منهم يتعاطفون مع المستوطنين، الذين يشكلون جزءاً أساسياً من الائتلاف الحكومي الحالي، بيد أن هذا التقاعس لا يعتبر غير مقبول أخلاقياً فحسب، بل هو خاطئ من الناحية السياسية أيضاً. لا يمكن لإسرائيل أن تأمل في الاعتماد على دعم السلطة الفلسطينية لمساعدتها في إدارة غزة بعد الحرب إذا استمرت في السماح للمستوطنين بمهاجمة القرى الفلسطينية وسكانها من دون عقاب.
إذاً، على إسرائيل أن توقف أعمال العنف في الضفة الغربية على الفور. ويتعين عليها أيضاً أن تنظر في تدابير بناء الثقة، بما في ذلك الإعلان عن قيود على توسع المستوطنات، وإعطاء مزيد من التصاريح للفلسطينيين في الضفة الغربية للعمل في إسرائيل، والإفراج عن العائدات الضريبية التي تجمعها إسرائيل للسلطة الفلسطينية، وإطلاق سراح السجناء السياسيين الفلسطينيين، ولكن في المقام الأول، يتعين على إسرائيل أن تعالج المظالم الأساسية والمشروعة التي تدفع إلى دعم حركة “حماس”. وهذا يعني الجلوس مع السلطة الفلسطينية والتفاوض على حل سياسي لخلافاتهما. ومثلما كان من المفترض أن تتقبل الولايات المتحدة حقيقة أن حركة “طالبان” لديها دور تلعبه في مستقبل أفغانستان، يتعين على إسرائيل أيضاً أن تتخذ خيارات سياسية صعبة لإنهاء صراعها مع الفلسطينيين. وفي نهاية المطاف، هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان سلامة البلاد.
لا يعتبر التقاعس الإسرائيلي غير مقبول أخلاقياً فحسب، بل إنه خاطئ أيضاً من الناحية السياسية
لن يكون أي من هذا سهلاً. لقد أمضى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سنوات في التشهير بالسلطة الفلسطينية وإذلالها. في حال استقال نتنياهو، علماً أن غالبية الإسرائيليين يريدون منه فعل ذلك بعد انتهاء الحرب، وفق ما أظهرته استطلاعات الرأي الأخيرة، فإن ذلك سيساعد في عملية إصلاح العلاقات.
وفي الوقت نفسه من المرجح أن عدداً كبيراً من الفلسطينيين سينظر إلى إدارة تقودها السلطة الفلسطينية في غزة باعتبارها نظاماً عميلاً. على رغم ذلك، فمن الجدير أن نأخذ في الاعتبار أنه عندما ذهبت الولايات المتحدة إلى الحرب في أفغانستان، كان الرأي الشائع في واشنطن هي أن الأفغان سيمتعضون من الوجود الأميركي، لكن ما حدث هو العكس تماماً، إذ رحب معظم الأفغان بالقوات الأميركية واعتبروا أنها أتت لتحريرهم. في منحى مقابل، من المستبعد أن تتطور الأمور بالطريقة نفسها في غزة، على رغم أن بعض الفلسطينيين سيكونون سعداء بالتخلص من “حماس”.
وقد تكون أقلية ضئيلة فحسب من الفلسطينيين عازمة على قتل الإسرائيليين في أعمال إرهابية، بيد أن معظمهم يريدون أن يعيشوا حياة طبيعية. إذاً، يجب على إسرائيل ألا تزيد من تنفيرهم. ويذكر أن الاحتلال القاسي والعنيف لن يؤدي إلا إلى توليد مزيد من الاستياء. ربما يكون بعض الصبية الصغار الذين كانوا يبحثون في أنقاض غزة عن أشلاء أفراد عائلاتهم بعد الغارات الجوية الإسرائيلية عام 2014، قد كبروا ليكونوا من بين الشباب الذين قتلوا عائلات إسرائيلية في السابع من أكتوبر.
لن يكون هناك شيء سهل في ما يتعلق بالحرب في غزة. سيعاني كثير من الجنود الإسرائيليين والمدنيين الفلسطينيين وسيلاقون حتفهم، ولكن من حق كل دولة أن تدافع عن نفسها ضد الإرهاب، وهذا ينطبق على إسرائيل أيضاً. بعد أحداث الـ11 من سبتمبر، خاضت الولايات المتحدة حرباً مع تنظيم “القاعدة”، وعلى حد تعبير بايدن، “رأينا العدالة تتحقق بالفعل”، ثم تخلى زعماء أميركا عن مزاياهم السياسية والأخلاقية متخذين سلسلة من القرارات غير البناءة وغير المدروسة، فأهدروا النجاح المبكر الذي حققوه في أفغانستان وخلقوا مستنقعاً هناك. وإذا ارتكبت إسرائيل أخطاء مماثلة في حربها ضد “حماس”، فإنها تخاطر بالوصول إلى نتيجة كارثية مماثلة.
مايكل أ. كوهين هو زميل بارز غير مقيم في مركز الدراسات الاستراتيجية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس.
كريستوفر بريبل هو باحث بارز غير مقيم في مركز الدراسات الاستراتيجية في كلية فليتشر وزميل بارز ومدير برنامج إعادة تصميم الاستراتيجية الأميركية الكبرى في مركز ستيمسون.
مونيكا دافي توفت هي العميدة الأكاديمية وأستاذة السياسة الدولية في كلية فليتشر ومديرة مركز الدراسات الاستراتيجية بالكلية.
إنهم الباحثون الرئيسون في كلية فليتشر في “مشروع الافتراضات المتعلقة بالوجود الأميركي في أفغانستان” بجامعة تافتس.
مترجم عن “فورين أفيرز” 1 نوفمبر 2023