في زيارة خاطفة لم تستغرق سوى مسافة الطريق بين مطار بغداد الدولي والقصر الحكومي، وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى العاصمة العراقية بغداد. واقتصرت محادثاته الخاطفة على اللقاء مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
وبينما كانت أخبار الزيارة متداولة قبل يوم من وصول بلينكن، فإنها جوبهت برفض شديد من قبل بعض الفصائل العراقية القريبة من إيران، فضلاً عن إطلاق زعيم التيار مقتدى الصدر شعارات حاشدة لأنصاره وسط ساحة التحرير في بغداد احتجاجاً على الزيارة.
الصدر الذي يعلن خصومته الدائمة مع الفصائل المسلحة الأخرى التي يطلق عليها تسمية «الميليشيات الوقحة»، وجد نفسه عشية زيارة بلينكن الخاطفة إلى العاصمة العراقية منسجماً معها في الموقف المتعلق بزيارة بلينكن إلى بغداد.
وبينما اكتفى بحشد أنصاره لمدة ساعتين في ساحة التحرير، ومن ثم دعاهم إلى «العودة سالمين» إلى بيوتهم، على حد قوله، فإن مسؤولاً كبيراً في كتائب «حزب الله» العراقية هدد بلينكن وتوعده إذا قام بالزيارة، قائلاً في تغريدة إنهم سوف يدخلون السفارة الأميركية «بطريقة غير سلمية».
وانشغل العراقيون لحظة نشر الصورة الخاصة بوصول بلينكن إلى مطار بغداد مرتدياً الدرع بالأبعاد الواقعية أو الرمزية لهذه الصورة؛ فمواقع التواصل الاجتماعي والمدونون والمحللون والمراقبون انشغلوا في ما إذا كان الوزير الأميركي أخذ تهديدات أبو علي العسكري، على محمل الجد، أم أنه أراد من خلال هذه الصورة إرسال رسالة ذات بعد رمزي مؤداها أن الأميركيين لم يأبهوا بهذه التهديدات، ودليل المدونين والمراقبين على ذلك أنه لو كان بلينكن خائفاً بالفعل لكان اعتمر خوذة فولاذية لا يخترقها الرصاص لحماية الرأس.
بل إن بلينكن الذي التقى السوداني وبحث معه واقع ما يجري في المنطقة بعد حرب غزة، أعلن فور مغادرته بغداد إلى العاصمة التركية أنقرة التي أمضى فيها ما تبقى من ليلته الشرق أوسطية، أنه أبلغ السوداني رفض واشنطن التهديدات الصادرة عن بعض الفصائل العراقية.
وبينما لم تعلن المصادر الرسمية العراقية بوضوح طبيعة محادثات بلينكن مع السوداني، فإن مقربين من رئيس الوزراء العراقي أكدوا أن الأخير كان حاسماً في التعبير عن الموقف العراقي الرافض لما يجري من عدوان إسرائيلي على غزة.
إلى ذلك، ورغم كل الملابسات التي أحاطت بزيارة الوزير الأميركي إلى بغداد وهيمنة درعه الواقية على ما تبقى من مشهد الزيارة، فإن لقاءه مع السوداني تبعته اليوم زيارة السوداني إلى طهران حيث كان في استقباله الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
وكرست المحادثات التي أجراها بلينكن في بغداد في شقها المهم بعيداً عن تهديدات الفصائل المسلحة، الرؤية الأميركية بشأن دعوة إيران إلى عدم التصعيد، وهي الرسالة التي حملها السوداني في حقيبته إلى الرئيس الإيراني، علماً أن زيارة السوداني لن تقتصر على إيران، بل تشمل دولاً أخرى في المنطقة، لكن الناطق باسم الحكومة العراقية باسم العوادي لم يفصح عنها لأسباب تتعلق بتقديم وتأخير الدول التي تشملها الجولة.