في ظل الترقب المستمر لنتائج الانتخابات الأميركية خلال الأشهر القليلة المقبلة، تتباين مواقف دول الشرق الأوسط تجاه المرشحين، إذ تسعى كل دولة الى تحقيق مصالحها وتطلعاتها الخاصة من خلال نتائج الانتخابات. ومع ذلك، يبقى التساؤل: ماذا ستغيّر المرشحة المناهضة لترامب إذا تم انتخابها؟

بينما ينحاز الإعلام السعودي إلى المرشح الجمهوري دونالد ترامب لسدّة الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، يظهر بوضوح القلق الأردني والفلسطيني من هذا الاحتمال باعتباره تهديداً وجوديّاً للقضية الفلسطينية.

وبينما يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تمديد أجل الحرب بانتظار وصول ترامب الى الرئاسة، ينتظر الفلسطينيون تنفيذ وعود إدارة بايدن الحالية التي تعمل فيها المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، بالاعتراف بدولة فلسطينية.

فما مصير الحرب على غزة؟ القضية الفلسطينية وملف التطبيع؟ الاتفاق النووي مع إيران؟ قضايا محورية كثيرة في الشرق الأوسط مطروحة على الطاولة اليوم، وكلها تدور حول محور واحد: من سيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة؟

تتباين مصالح دول المنطقة وتطلعاتها بشكل كبير حول نتائج الانتخابات الأميركية من الخليج العربي إلى تركيا وإيران مروراً بالأردن وفلسطين. فبينما تفضل السعودية والإمارات فوز دونالد ترامب في الانتخابات باعتباره حليفاً استراتيجياً، يشكل فوز ترامب تهديداً وجودياً حقيقياً للقضية والسلطة الفلسطينيتين، ويثير أزمة لكل من الأردن وإيران. في ظل هذا الترقب، تظل التساؤلات قائمة حول كيفية تأثير نتائج الانتخابات على مستقبل الشرق الأوسط.

على رغم أنّ انسحاب جو بايدن من السباق الرئاسي لصالح نائبته كامالا هاريس شكّل مفاجأة كبيرة على الصعيد السياسي، إلا أنّه من المستبعد أن يؤثر ذلك على مواقف دول الشرق الأوسط.

“أول نائبة رئيس سوداء، من أصل جنوب آسيوي، أو امرأة مقابل رجل أبيض. أقدم مرشح رئاسي في تاريخ الولايات المتحدة مقابل مرشحة أصغر منه بنحو 20 عاماً. الملياردير العقاري الذي ورث ثروة من والده مقابل ابنة عالم أحياء وأستاذة جامعية في الاقتصاد، كليهما مهاجرين… سيواجه ترامب “ترامب مضاد””، بحسب The Guardian.

السلطة الفلسطينية والأردن: الخطر الأكبر!
تتشارك السلطة الفلسطينية والأردن التخوّف من وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة الأميركية، وذلك لشراسة دفاعه عن إسرائيل ودفعه باتجاه التطبيع وإنهاء القضية الفلسطينية. فمن ينسى أنّ ترامب هو الرئيس الأميركي الذي أمر بنقل البعثة الدبلوماسية الأميركية إلى القدس من تل أبيب، وافتتح السفارة الأميركية في القدس؟!

يقول الباحث ونائب مديرة المركز لشؤون الأبحاث في مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، مهند الحاج علي، في مقابلة لموقع “درج”، إنّ “السلطة الوطنية الفلسطينية تشعر بالرعب من إدارة ترامب والاندفاع نحو التطبيع من دون تقديم أي تنازلات للفلسطينيين. عملياً، هذه السياسة مؤذية لهم. لذلك، بالطبع، يفضلون هاريس، خصوصاً أن هناك وعوداً من إدارة بايدن الحالية التي تعمل فيها هاريس بإعادة إطلاق عملية السلام والاعتراف بدولة فلسطينية”.

أما الأردن، فيواجه تهديداً جدياً هو الأخطر بين الدول العربية، بحسب الحاج علي، “فالمشكلة مع إدارة ترامب تتعلق بالاعتراف بالمستوطنات في الضفة الغربية، ولها علاقة باللجوء إلى الأردن كدولة بديلة لفلسطين في حال وصوله. هذا الطرح موجود بقوة في اليمين المتطرف الإسرائيلي الممثّل اليوم بقوة في الحكومة”.

إذاً في حال وصول ترامب، “السلطة الفلسطينية ستواجه سياسات أميركية متنكرة للحق الفلسطيني في تقرير المصير، وتؤيد إسرائيل بشكل مطلق وتوسعها، وتضفي عليها شرعية، وتحارب في المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومحكمة العدل والأونروا. هذا كله سيضع السلطة الوطنية الفلسطينية والأردن تحت ضغط شديد، ما يؤثر عليهما بشكل كبير”، وفقاً للحاج علي.

ماذا عن الحرب على غزة؟
في المناظرة الرئاسية الأخيرة، انتقد ترامب بشدّة سياسات جو بايدن بما يخص الحرب الإسرائيلية على غزة. وصف ترامب بايدن بأنه “مثل الفلسطيني السيئ”، معتبراً أن بايدن يمنع إسرائيل من “إنهاء المهمة” ضد حماس. خلال المناظرة، اتهم ترامب بايدن بعرقلة جهود إسرائيل في محاربة حماس، قائلاً إن إدارة بايدن لم تقدم الدعم الكافي لإسرائيل.

على الرغم من أن هاريس تتبع نهج بايدن بشأن غزة، إلا أنها تُعتبر أكثر حدّة في نقدها لإسرائيل والتعاطف مع الفلسطينيين. وقالت في آذار/ مارس الماضي: “الناس في غزة

يتضورون جوعاً. الظروف غير إنسانية. وإنسانيتنا المشتركة تلزمنا بالعمل”. وأضافت: “نظراً الى حجم المعاناة الهائل في غزة، يجب أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار لمدة ستة أسابيع على الأقل”.

تدعم هاريس حل الدولتين، وتعارض الضم وتدين عنف المستوطنين في الضفة الغربية. لكنّ هاريس داعمة لإسرائيل أيضاً، فهي ألقت خطاباً في مؤتمر السياسة للجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية (AIPAC) في عام 2017، وقالت فيه: “دعوني أكون واضحة بشأن ما أؤمن به، أنا أقف مع إسرائيل”. كما خاطبت AIPAC مرة أخرى في عام 2018، ولكن في لقاء خارج التغطية الإعلامية off-record، وفقًا لما كشفت The Intercept.

اليوم، تحتاج هاريس إلى الأصوات العربية والمسلمة، خصوصاً مع تصويت عدد كبير منهم لخيار “غير ملتزم” في استطلاعات الرأي بسبب موقف الإدارة الأميركية من الحرب على غزة.

كما ذكرنا في تحقيق سابق بعنوان: “أصوات مسلمي أميركا: هل يخسرها بايدن في الانتخابات الرئاسيّة دفاعاً عن إسرائيل؟”، بحسب موقع معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم ISPU، “ارتفع تسجيل الناخبين المسلمين الأميركيين من 60 في المئة في عام 2016 إلى 75 في المئة في عام 2018 وإلى 78 في المئة في عام 2020. وفي عام 2020، كانت هناك فجوة بنسبة 3 في المئة بين أولئك الذين يعتزمون التصويت والذين تم تسجيلهم للتصويت، بانخفاض قدره 21 في المئة في عام 2016 و8 في المئة في عام 2018”.

صرّح نحو 3.5 مليون أميركي بأنّ أصلهم من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهم نحو 1 في المئة من إجمالي عدد السكان في أميركا البالغ حوالى 335 مليوناً، وفقاً للتعداد السكاني لعام 2020 – وهو أول عام تم فيه تسجيل مثل هذه البيانات، بحسب The Conversation.

قد تعتمد نتيجة الانتخابات الرئاسيّة لعام 2024 على نتائج الانتخابات في بعض الولايات المتأرجحة التي تتركز فيها الجاليات العربية والمسلمة الأميركية، مثل ميشيغان وفرجينيا وجورجيا وبنسلفانيا وأريزونا.

وتعد ولاية ميشيغان موطناً لمجموعات متداخلة تزيد عن 200 ألف ناخب مسلم و300 ألف من أصول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحسب The Conversation.

يقول المعهد العربي الأميركي إن دعم العرب الأميركيين للحزب الديمقراطي انخفض من 59 في المئة في عام 2020 إلى 17 في المئة فقط منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزّة. أما بالنسبة الى المسلمين الأميركيين، فقد تراجع الدعم من 70 في المئة في عام 2020 إلى نحو 10 في المئة في نهاية عام 2023. وإذا بقي الوضع على حاله حتى تاريخ الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، “فستكون المرة الأولى منذ نحو 30 عاماً التي لا يكون فيها الديمقراطيون الحزب الأول للناخبين الأميركيين من أصل عربي. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن هؤلاء الناخبين سيتجهون إلى الحزب الجمهوري”، بحسب تحقيق The Conversation.

تنقسم دول الخليج العربي في ما بينها بشأن المرشح المفضل للوصول إلى الرئاسة الأميركية. علماً أن الدول الخليجية تلعب دوراً فاعلاً في الانتخابات الأميركية من خلال دعم حملات المرشحين مالياً.

حديثاً، كشف تحقيق للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ) كيف ساهم مساعد سابق للرئيس جو بايدن وقائد مجموعة جمع الأموال لدعم حملة إعادة انتخابه، مارك دويل، في تنظيم اجتماع بين السيناتور روبرت مينينديز وأحد أفراد العائلة الحاكمة القطرية، ما أثار اهتمام المدعين الفيدراليين.

وُجد مينينديز مذنباً بتهم فساد فيدرالية، بما في ذلك الرشوة والابتزاز والعمل كعميل أجنبي غير مسجل، ويواجه الآن عقوبة سجن طويلة محتملة، وسيتم الحكم عليه في 29 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. من بين التهم الأخرى، تم العثور على مينينديز مذنباً، باستخدام منصبه القوي لصالح قطر، مقابل المال وسبائك الذهب.

أمّا الإمارات والسعودية، فقد اتُهمتا بالتورط في جهود مختلفة للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية، باستخدام وسائل قانونية وغير قانونية لتشكيل السياسة الخارجية الأميركية لصالحهما، فمثلاً شاركتا في جهود ضغط في الولايات المتحدة، حيث أنفقتا ملايين الدولارات على جماعات الضغط وشركات العلاقات العامة للتأثير على أعضاء الكونغرس والسلطة التنفيذية ومراكز الأبحاث.

تناول تحقيق سابق لموقع “درج” بعنوان: “قصّـة الملـيارديـر اللبناني الـذي مـوّل حملة ترامـب لمصلحة الإمـارات والسـعـودية”، إحدى هذه الحالات التي وُصفت بـ”واحدة من أكثر المحاولات الوقحة من قوة أجنبية لشراء النفوذ خلال الانتخابات الأميركيّة” وفقاً لـ New York Times. تمّ على أساسها اعتقال أحمد خواجة في ليتوانيا بعد صدور 53 تهمة بحقّه من وزارة العدل الأميركيّة، من بينها التآمر لإخفاء 3.5 مليون دولار أميركي، كتبرّعات سياسيّة لمرشّحين ديمقراطيّين وجمهوريّين خلال الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة عام 2016 برعاية الإمارات العربيّة المتّحدة ومن خلفها المملكة العربيّة السعوديّة.

يقول الباحث مهند الحاج علي، في مقابلة لموقع “درج”: “المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لديهما علاقات تاريخية مع ترامب، ولكن السياسة الإماراتية والسعودية تأخذ بالاعتبار الحساسيات الأميركية الداخلية، وبالتالي لديهما هذا الوعي. إذا فاز ترامب، فهذا سيكون مفيداً لهما في المرحلة المقبلة، وإذا فازت هاريس، فلديهما نوع من الترتيبات المقبولة مع الإدارة الأميركية. اليوم، هناك مفاوضات شاقة مع المملكة السعودية حول موضوع التطبيع، وهناك شروط مهمة حصلت عليها السعودية من الجانب الأميركي. إذا عاد ترامب، سيكون ذلك بمثابة احتفال بالنسبة الى السعودية، فالفروقات ستكون كبيرة بالنسبة إليها”.

أما بالنسبة الى قطر، فهي تميل أكثر الى الديمقراطيين تاريخياً، بحسب المحلل السياسي والصحافي المتخصص بالشؤون التركية – القطرية صهيب جوهر، في مقابلة لموقع “درج”. تتعزز الأدوار التي تلعبها قطر في المنطقة كوسيط أو وكيل للسياسة الأميركية تحت الديمقراطيين”. أضاف جوهر، “على عكس الدول الخليجية الأخرى، حيث ساءت علاقة السعودية ببايدن بسبب التعويل السعودي على الجمهوريين، قطر لديها القدرة على لعب دور بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي”.

لا بدّ من التذكير أنّ هاريس صوّتت سابقًا لتقييد مبيعات الأسلحة والمبيعات العسكرية للسعودية بسبب أفعالها في اليمن ودورها في مقتل صحافي واشنطن بوست جمال خاشقجي، كما شاركت في رعاية مشاريع قوانين في عامي 2018 و2019 كانت ستنهي الدعم الأمريكي لعمليات التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، بحسب The National.

الموقف الايراني
الموقف الإيراني من الانتخابات الأميركية يتأثر بعوامل عدة، أهمها الخوف من فوز الجمهوريين تحت قيادة دونالد ترامب، الذي انسحب سابقاً من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 (JCPOA)، وبالتالي أوقف الاتفاق النووي.

بحسب موقع Iran International Newsroom، “فإن الحكام المتشددين في إيران يزدادون قلقاً بشأن احتمالية فوز الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ما يؤدي إلى موقف أكثر صرامة تجاه طهران… منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من أن إدارة بايدن كانت لطيفة جداً مع طهران وغضت الطرف في كثير من الأحيان عن تجاوزاتها، إلا أن السياسيين في طهران ما زالوا يعتقدون أن بايدن كان يمكنه فعل أكثر من مجرد منح مليارات الدولارات لإيران مقابل إطلاق سراح الرهائن الأميركيين والإفراج عن الأصول المجمدة لإيران في كوريا الجنوبية والعراق وأماكن أخرى”. لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أنّ إدارة بايدن أتاحت لإيران إدارة مراكز التصويت للناخبين الإيرانيين على الأراضي الأميركية.

انتُخب مسعود بزشكيان، المرشح الإصلاحي، كرئيس جديد لإيران، وأبدى استعداداً أكبر للانخراط الدبلوماسي مع الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، وبالتالي وصول شخصية كترامب قد يحبط هذه المساعي في حين هناك أمل بنهج دبلوماسي أكثر تحت إدارة ديمقراطية.

الموقف التركي
يقول جوهر في مقابلة لموقع “درج”، “في الانتخابات الماضية، استخدم بايدن الكثير من الشعارات الانتخابية، من بينها محاسبة أردوغان على أدائه في سوريا وعلاقته مع المعارضة. لكن بعد الانتخابات، عادت الأمور إلى سابق عهدها بين أي إدارة أميركية وتركية، والدليل على ذلك أن الكونغرس أقرّ بيع طائرات الـ F16 إلى تركيا. ومع ذلك، كانت العلاقة الشخصية أقوى بين أردوغان وترامب، وتحديداً بين صهر ترامب جارد كوشنر وصهر أردوغان، بيرات البيرق، وزير المالية السابق في تركيا”، مضيفًا أنّه على مستوى الكيمياء الشخصية، العلاقة أفضل بين أردوغان وترامب، ولكن على مستوى الاستقرار، العلاقة مع الديمقراطيين أفضل على المدى البعيد. ولفت جوهر إلى العلاقة المميزة التي تجمع كمالا هاريس مع وزير الخارجية ورئيس المخابرات التركي.

تبقى أولويات السياسة الخارجية الأميركية متشابهة جداً بين الديمقراطيين والجمهوريين، على رغم اختلاف توجهاتهم وحدّتهم في التعامل مع القضايا. في ظل الترقب المستمر لنتائج الانتخابات الأميركية خلال الأشهر القليلة المقبلة، تتباين مواقف دول الشرق الأوسط تجاه المرشحين، إذ تسعى كل دولة الى تحقيق مصالحها وتطلعاتها الخاصة من خلال نتائج الانتخابات. ومع ذلك، يبقى التساؤل: ماذا ستغيّر المرشحة المناهضة لترامب إذا تم انتخابها؟