يدخل القصف  العشوائي الهمجي على غزة شهره الثاني، ولا يبدو أن أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو  خيارات كثيرة لإنهاء هذا الكابوس الذي خاض فيه بحاراً من دماء الأبرياء من أطفال ونساء ومدنيين عزل، لكن المؤكد أن جميع الخيارات المرة أمامه ستقوده جميعها حتماً نحو المقصلة السياسية

بلقائه التلفزيوني مع شبكة “أي بي سي” الأميركية، أعلن نتنياهو أنه سيحتل غزة إلى أجل غير مسمى (INDEFINITELY)، وهذا مخالف لما نادى به حليفه الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي طالب بعدم إعادة احتلال غزة، بل إنه يسير ضد توجه حلفائه الغربيين بشكل عام، الذين بدأ حماس تأييدهم لإسرائيل “بالدفاع عن نفسها” يفقد زخمه أمام المناظر المروعة التي تنقلها الشاشات لبيوت البشر في كل مكان، وأمام رأي عالمي يميل – ربما للمرة الأولى – لصالح الشعب الفلسطيني ويتعاطف مع مآسيه في غزة، وهو ما دفع الرئيس الفرنسي ماكرون إلى الإعلان عن مؤتمر “إنساني” بباريس من أجل تقديم المساعدة لضحايا غزة. ووسط مطالب أميركية – لا يعرف مدى جديتها – بهدنة إنسانية موقتة.

قد يكون لإعلان نتنياهو بأنه سيحتل غزة تفسيران: إما أنه يمارس حرباً نفسية و”طمأنة” لجمهوره بأنه سيحتل غزة، في محاولة لخلق انطباع بأن المسألة مسألة وقت قبل السيطرة عليها، على رغم أن الجيش الإسرائيلي يواجه مقاومة شرسة من المقاتلين الفلسطينيين أثارت إعجاب خصومهم قبل مؤيديهم.

 

أو أنه يتخبط كتخبطه في إدارة المعركة منذ اندلاعها بهجمات “طوفان الأقصى” في السابع من الشهر الماضي، فاحتلال غزة مسألة شبه مستحيلة، ولن يكون نتنياهو أكثر دموية وعسكرة من سلفه أرييل شارون الذي انسحب منها يائساً عام 2005، أما وقد سالت دماء كثيرة منذ ذلك العام وحتى اليوم في غزة، فإن الجيش الإسرائيلي الذي يواجه عقبات السيطرة التامة على الضفة، سيجد عقبات أشد وأعتى باحتلال غزة بعد تدميرها وخرابها، وسيجد أكثر من مليوني فلسطيني غاضب وناقم على الحرب وما خلفته من مآس ودمار، فلا يكاد يوجد في غزة اليوم من لم يفقد أحداً من عائلته أو أقربائه أو أصدقائه ومعارفه.

لعل احتمال أن تصريح “احتلال غزة” يعكس تخبطاً هو الأقرب إلى الصحة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن إعلان “احتلال غزة” ثانية لم يردده أعضاء “حكومة الحرب” التي شكلها لشن الحرب على غزة، مما يعكس تضارباً في المواقف حيال تطورات الحرب وكيفية إدارتها، بل وكيفية إنهائها.

تتزايد الضغوط على نتنياهو ساعة بعد ساعة، ففي الداخل أسر وعائلات إسرائيلية تستصرخ إطلاق سراح رهائنها، وعائلات تنتظر أخبار عودة أو مقتل أبنائها في الجيش الذي زج به نتنياهو إلى غزة، وجهات رسمية وإعلامية ومجتمعية “تسن سكاكينها” على نتنياهو وحكومته العنصرية تنتظر أن تضع الحرب أوزارها وينجلي غبارها، كي تبدأ مطالبته بالكشف عن أسرار الاختراق الكبير والمهانة الكبرى، والفضيحة الأمنية المدوية التي قادت إلى عملية “طوفان الأقصى”، ومحاسبة المقصرين الذين سيكون نتنياهو حتماً على رأسهم.

كما ينتظر نتنياهو أعضاء بحكومته تحولوا إلى خصوم، وخصوم تحولوا إلى حلفاء مرحليين لإدارة المعركة، لكنهم سرعان ما سينقلبون عليه للتملص من مسؤولية الكارثة في غزة.

لم تنته المعركة بعد، فما زالت الحرب حامية الوطيس، وما زالت المذبحة مستمرة، ودماء الأبرياء تسفك، لكن المؤكد أن هذه الحرب التي خلفت نعوش الآلاف من الأبرياء، قد دقت آخر مسمار في نعش نتنياهو السياسي مهما كانت نتائجها.