في 7 تشرين الأول/أكتوبر، استيقظ الفلسطينيون في غزة على نبأ الهجوم الذي شنّته حماس على إسرائيل. وقد فوجئوا بالخبر شأنهم في ذلك شأن باقي دول العالم، بما فيها إسرائيل نفسها التي تُعرَف باستخباراتها ونظمها الأمنية المتطورة. ولكنهم سرعان ما وجدوا أنفسهم على أعتاب حرب خامسة مع إسرائيل، مع اعلان  وزير الدفاع الإسرائيلي فرض “حصار كامل” على غزة في معركة ضد “الحيوانات البشرية”.

تستخدم إسرائيل الآن قوتها على نحو غير مسبوق ضد المدنيين العزّل في غزة، منتهكةً بذلك القانون الإنساني الدولي مع إفلات تام من العقاب. غالبًا ما يُستخدَم استهداف حماس ذريعةً لتبرير القتل العشوائي لشرائح واسعة من السكان والتسبب لهم بإصابات وتهجيرهم من منازلهم، بالإضافة إلى الهجمات المتواصلة على الأحياء السكنية، ويُصوَّر سقوط المدنيين على أنه أضرار جانبية للحرب. ولكن الناس في غزة ليسوا مجرد أرقام، ولا شيء يبرر إبادة عائلات بأكملها عن وجه الأرض. وفي الوقت نفسه، تُعرّض الهجمات الجوية المكثّفة التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة حياة المدتيين  الإسرائيليين وسائر المدنيين الأجانب المحتجزين في غزة للخطر. وقد اوردت  قناة الجزيرة نقلًا عن حركة حماس أن هذه الأخيرة عرضت الإفراج عن رهينتَين، ولكن إسرائيل رفضت استقبالهما، الأمر الذي نفته إسرائيل معتبرة أنه مجرد حملة دعائية ضدها. بهذا المعنى، فإن استخدام إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين الأبرياء بمثابة سلاح في يدها يذهب على ما يبدو أبعد من المنطق المعلن للحرب المتمثل في القضاء على حماس، وينطوي على مسعى لتنفيذ أجندة سياسية يمينية متشددة أوسع نطاقًا قد تشمل عرقيا  للفلسطينيين عن طريق طردهم من غزة.

حتى قبل اندلاع الحرب، كان قطاع غزة يوصَف بأنه غير صالح للسكن، ولكن تضييق الحصار يُحكم الخناق أكثر فأكثر على سكّانه. تعتبر إسرائيل أن هذا النوع من العقاب الجماعي هو بمثابة تكتيك عسكري. فالحصار الكامل لا يقطع الوقود والكهرباء عن حماس فحسب، بل قد يؤدي أيضًا إلى إضعاف معنويات المقاتلين وقدرتهم البدنية على الاستمرار في خوض المواجهة العسكرية. ويمكن أن يقود الحصار المطوّل أيضًا إلى التفكيك التدريجي للنسيج الاجتماعي في غزة من خلال الدفع بالأشخاص إلى التزاحم على الموارد الشحيحة. والأهم هو أن سيطرة إسرائيل الكاملة على قرار السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة أو منعها من الدخول يساعد أيضًا على تشتيت الأنظار عن الفظائع التي ترتكبها ضد المدنيين. على سبيل المثال، بعيد الهجوم على المشفى في غزة في 17 تشرين الأول/أكتوبر، وفيما كانت المصادر تعمل على التحقق من هوية الجهة المسؤولة عن الاعتداء، أعلنت إسرائيل عن التوصل إلى اتفاق مع مصر للسماح بدخول شاحنات المساعدات الإنسانية عن طريق معبر رفح. وهذه كانت خطوة سياسية على وجه التحديد، لأن حجم المساعدات لم يكن كافيًا على الإطلاق، وقد وصفه مسؤول في منظمة الصحة العالمية بأنه “نقطة في محيط من الاحتياجات”، فقد كان الهدف تشتيت أنظار وسائل الإعلام عن الفظائع عبر تحويل اهتمامها نحو مسألة المساعدات.

ختامًا، يكشف الحصار الكامل على غزة، بالإضافة إلى إمكانية حدوث اجتياح برّي إسرائيلي، عن محاولة إسرائيل خلق ظروف حيث يُضطر الفلسطينيون إلى الاختيار بين الموت أو إخلاء القطاع، في خطوة هي بمثابة طرد “توافقي”. فيما تواصل القوات الإسرائيلية هجومها البرّي والجوي، يُتوقَّع حدوث دمار إضافي في المناطق الشمالية والوسطى في غزة لتفكيك شبكة الأنفاق التي بنتها حماس تحت الأرض وتدمير قدراتها العسكرية. لقد اصدرت  إسرائيل بالفعل أوامر لأكثر من مليون فلسطيني لإخلاء شمال غزة، وتواصل شن هجمات جوية على كامل القطاع . ولكن من المحتمل جدًا أن يمتد الغزو البري إلى جنوب غزة، بهدف دفع أكبر عدد ممكن من العائلات الفلسطينية إلى الفرار إلى صحراء سيناء.

الحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة وانتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي هي دليلٌ على الفشل الذريع للوسائل القانونية والسياسية والدبلوماسية الدولية في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وإرساء العدالة والسلام في المنطقة. يصعب توقّع التطورات في الأيام والأسابيع المقبلة، ولكن الأكيد هو أن المدنيين الأبرياء يدفعون الثمن الأكبر. يجب أن يكفّ المجتمع الدولي عن غض النظر عن موت الفلسطينيين ونزوحهم، وينبغي عليه العمل من أجل حماية المدنيين، الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء، من خلال التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإلى تسوية سلمية عن طريق التفاوض. يجب وضع حد لدورة العنف، قبل بلوغ نقطة اللاعودة.

الدكتورة منى جبريل باحثة مشاركة في مركز أبحاث الأعمال في جامعة كامبريدج. وهي عالمة اجتماعية متعددة الاختصاصات تركّز على غزة والمناطق المتأثّرة بالنزاعات في الشرق الأوسط. لمتابعتها على منصة “إكس”: