مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، تجد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نفسها أمام تحدّيات داخلية عديدة، أبرزها انعدام الثقة بها لدى قطاع واسع من الجمهور الإسرائيلي. ويتحدّد موقف الرأي العام الإسرائيلي من الحكومة ورئيسها بعاملين أساسيين: الانقلاب القضائي الذي شرعت في تنفيذه حكومة نتنياهو منذ تشكيلها في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وعملية طوفان الأقصى التي هزّت، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، المجتمع الإسرائيلي وأفقدت قياداته توازنها.

أولا، تساؤلات حول الفشل

شهد المجتمع الإسرائيلي، منذ بداية سنة 2023، صراعًا طويلًا ومريرًا واستقطابًا سياسيًا واجتماعيًا حادّا لم يعهدهما من قبل، على إثر شروع حكومة نتنياهو في الانقلاب القضائي، الذي هدف إلى إضعاف السلطة القضائية وإخضاعها للسلطة التنفيذية؛ كي تحكم من دون كوابح وتوازنات؛ على الرغم من معارضة أغلبية المجتمع الإسرائيلي ونخبه المختلفة، وخصوصا المؤسسة العسكرية، للانقلاب القضائي. وقد أدّى الصراع الحادّ بين حكومة نتنياهو وحركة الاحتجاج، ومجمل المعسكر المناوئ للحكومة، إلى تراجع شعبية نتنياهو وائتلافه الحكومي.

ولم تؤدّ عملية طوفان الأقصى التي جاءت، حينما كان الصراع في داخل المجتمع الإسرائيلي على أشدّه، إلى انهيار استراتيجية حكومة نتنياهو ومجمل تصوراتها وفرضياتها تجاه قطاع غزّة فحسب، بل أدّت أيضًا إلى زيادة فقدان ثقة الإسرائيليين بالحكومة وبرئيسها، وإلى انخفاض شعبيّتها وشعبيّته ووصولها إلى الحضيض، فقد حمّلتها أغلبية المجتمع الإسرائيلي مسؤولية التقصير والفشل، اللذَين حدثا في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ثم إخفاقها في التعامل مع نتائج عملية طوفان الأقصى في مختلف المجالات: مثل التلكّؤ في الوصول إلى القتلى والجرحى الإسرائيليين، وعدم القدرة على التعرّف على أسمائهم، والتخبّط في تحديد عدد الأسرى والمفقودين الإسرائيليين، والتأخّر في تقديم المساعدات، لا سيما الاقتصادية للكيبوتسات والبلدات التي تعرّضت للهجوم، والواقعة في محاذاة غزة.

سبق وأن أدّى الصراع الحادّ بين حكومة نتنياهو وحركة الاحتجاج، ومجمل المعسكر المناوئ للحكومة، إلى تراجع شعبيّة نتنياهو وائتلافه الحكومي

فما إن اتّضح حجم الخسائر الإسرائيلية في صفوف العسكريين والمدنيين، وظهرت مختلف أشكال تقصير حكومة نتنياهو، حتى انبرى المحللون المختصّون، ولا سيما من كبار الضباط العسكريين المتقاعدين، في القنوات التلفزيونية الإسرائيلية الأساسية وفي وسائل الإعلام الأخرى، ليوجّهوا النقد للحكومة ولنتنياهو، وحمّلوه مسؤولية التقصير والفشل، في مواجهة عملية طوفان الأقصى، وفي التعامل مع نتائجها. وقد ربط محللّون مختصون، ولا سيما من كبار ضباط العسكريين المتقاعدين، بين الانقلاب القضائي الذي قادته حكومة نتنياهو والفشل الكبير، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وركّز هؤلاء على التحذيرات التي وجّهها قادة المؤسّستين، العسكرية والأمنية، لنتنياهو من مخاطر الانقلاب القضائي عليهما، وعلى رفضه هذه التحذيرات، وحمّلوه هو وحكومته المسؤولية، وطالبه بعضهم بالاستقالة فورًا، قبل انتهاء الحرب. وفي هذه الأجواء، وفي الوقت الذي ظلّ فيه خطاب منتقدي الحكومة مهيمنًا في وسائل الإعلام، من المحللين المختصّين أو من أهالي القتلى والمفقودين وسكان الكيبوتسات والبلدات التي تعرّضت للهجوم وللخسائر، تقلص ظهور الوزراء في وسائل الإعلام الإسرائيلية المركزية. ولم يجرؤ نتنياهو أو وزراؤه على زيارة هذه الكيبوتسات والبلدات، أو المشاركة في جنازات القتلى الإسرائيليين، أو زيارة ذويهم لتعزيتهم، أو عيادة الجرحى في المستشفيات.

اتجاهات الرأي العام

أظهر أول استطلاع للرأي العام، أجرته صحيفة معاريف بعد عملية طوفان الأقصى، مدى تأثير العملية ونتائجها في شعبية نتنياهو وحكومته. ويتبيّن من خلال هذا الاستطلاع، الذي أُجري بعد خمسة أيام من العملية، ونُشر في 13 تشرين الأول/ أكتوبر، أن أحزاب الائتلاف الحكومي الذي يقوده نتنياهو، ولها 64 مقعدًا في الكنيست الحالي، ستحصل على 42 مقعدًا فقط، إذا جرت انتخابات الكنيست، أما أحزاب المعارضة فستحصل على 78 مقعدًا، بما في ذلك 10 مقاعد للأحزاب العربية، علمًا أنّ أحزاب الائتلاف الحكومي قد حصلت في استطلاع معاريف السابق، الذي أجرته قبل عملية طوفان الأقصى بعدة أيام، على 55 مقعدًا مقابل 65 مقعدًا لأحزاب المعارضة[1].

وأظهر هذا الاستطلاع أيضًا أن حزب المعسكر الرسمي (الوطني) الذي يقودُه بيني غانتس، حصل على 41 مقعدًا في الكنيست (كان قد حصل في الاستطلاع السابق الذي أُجري قبل عدّة أيام من عملية طوفان الأقصى على 29 مقعدًا)، و19 مقعدًا لحزب الليكود (28 مقعدًا في الاستطلاع السابق)، و15 مقعدًا لحزب يوجد مستقبل (16 مقعدًا في الاستطلاع السابق)، وسبعة مقاعد لحزب شاس (10 مقاعد في الاستطلاع السابق)، وسبعة مقاعد لحزب يهدوت هتوراه (سبعة مقاعد في الاستطلاع السابق)، وستة مقاعد لحزب ميرتس (أربعة مقاعد في الاستطلاع السابق)، و10 مقاعد للأحزاب العربية (10 مقاعد في الاستطلاع السابق). ومن الملاحظ في هذا الاستطلاع أن حزب غانتس، الذي تدعمه المؤسّسة العسكرية، هو الرابح الأكبر بعد عملية طوفان الأقصى؛ فقد زاد عدد مقاعده، خلال أسبوع فقط، بـ 12 مقعدًا، أما الخاسر الأكبر فهو حزب الليكود الذي تراجع بتسعة مقاعد. وتراجع أيضًا عدد مقاعد حزبَي القوة اليهودية والصهيونية الدينية.

القوى الصاعدة هي القومية اليمينية ذات النزعة العلمانية العسكرية، ويقودُها جنرالات سبق أن انتقدوا الحكومات الإسرائيلية، ومن ضمنها حكومات نتنياهو

ويعني ذلك أن القوى الصاعدة هي القومية اليمينية ذات النزعة العلمانية العسكرية، ويقودُها جنرالات سبق أن انتقدوا الحكومات الإسرائيلية، ومن ضمنها حكومات نتنياهو، بالتردّد في الحروب على غزّة، وعدم الإقدام على القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والاكتفاء بتوازن ردع معها.

أما شعبية نتنياهو فقد عرفت انخفاضًا شديدًا؛ ففي الإجابة عن سؤال: “من الأفضل والأكثر ملاءمة لمنصب رئيس الحكومة نتنياهو أم غانتس؟”، أجاب 48% أن غانتس هو الأفضل مقابل 29% لنتنياهو. وفي الإجابة عن سؤال: “من تريد أن يكون رئيسًا للحكومة بعد انتهاء الحرب، نتنياهو أم شخصًا آخر؟”، أفاد 21% فقط بأنهم يريدون نتنياهو مقابل 66% يريدون شخصًا آخر. ومن اللافت أن 46% فقط من بين المصوّتين لحزب الليكود قالوا إنهم يريدون نتنياهو، مقابل 34% منهم يفضلون شخصًا آخر[2].

وأظهر استطلاع آخر للرأي العام نشرته صحيفة معاريف، في 20 تشرين الأول/ أكتوبر، أي بعد أسبوع من استطلاعها السابق، نتائج متشابهة فيما يخصّ أحزاب الائتلاف الحكومي، التي حصلت على 43 مقعدًا، وأحزاب المعارضة التي حصلت على 77 مقعدًا (بما في ذلك 10 مقاعد للأحزاب العربية)[3]. وأظهر هذا الاستطلاع أن 80% من الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو يجب أن يتحمّل مسؤولية الفشل والتقصير في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وقد فعل الأمر نفسه، في الأيام السابقة للاستطلاع، قادة المؤسّستين، العسكرية والأمنية، بمن فيهم وزير الأمن ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي ورئيس الاستخبارات العسكرية (أمان)، ورئيس المخابرات العامة (الشاباك). ووفق هذا الاستطلاع، رأى 48% أن غانتس هو الأكثر ملاءمة لمنصب رئيس الحكومة، مقابل 28% فقط لنتنياهو[4].

تشير استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، منذ عملية طوفان الأقصى وبدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، إلى استمرار فقدان نتنياهو وائتلافه الحكومي ثقة الإسرائيليين، وإلى انخفاض شعبيته

وكانت نتائج استطلاع “معاريف“، الذي نُشر في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مشابهة لاستطلاعها السابق قبل أسبوع، واستطلاعها اللاحق، الذي نُشر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023[5].

وأظهر استطلاعٌ للرأي العام بثّته القناة 13 الإسرائيلية، في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر، أن 56% من الإسرائيليين لا يثقون بنتنياهو في إدارة الحرب على غزّة، مقابل 28 في المئة يثقون به[6]. وحمّل 44% نتنياهو مسؤولية التقصير والفشل، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، في حين حمّل 33% رئيس الأركان وكبار قادة الجيش هذه المسؤولية، وحمّلها 5% فقط لوزير الأمن يوآف غالانت. ورأى 76% أنّ على نتنياهو الاستقالة من رئاسة الحكومة، ورأى 47% أن هذه الاستقالة يجب أن تكون بعد انتهاء الحرب، في حين رأى 29% أنها يجب أن تكون فورًا، ورأى 18% فقط أن على نتنياهو الاستمرار في القيام بمهماته. وعبّر 64% عن وجوب إجراء انتخابات جديدة للكنيست عند انتهاء الحرب، مقابل 26% عارضوا إجراء الانتخابات قبل موعدها. ورأى 68% أن معالجة الحكومة للوضع الاقتصادي بعد عملية طوفان الأقصى ليست جيدة، مقابل 19% قالوا إنها جيدة. وأيّد 74% تشكيل لجنة تحقيق رسمية مستقلة ذات صلاحيات واسعة بعد الحرب لتقصّي الفشل، في مقابل 12% أيّدوا تشكيل لجنة تحقيق حكومية محدودة الصلاحيات[7].

خاتمة

تشير استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، التي أُجريت منذ عملية طوفان الأقصى وبدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، إلى استمرار فقدان نتنياهو وائتلافه الحكومي ثقة الإسرائيليين، وإلى انخفاض شعبيته وشعبية حزب الليكود. وقد باتت الفرضية السائدة في الرأي العام الإسرائيلي، ونخبه المختلفة، أنّ مستقبل نتنياهو السياسي قد شارف على الانتهاء. ويشعر نتنياهو بخطر شديد (لا يزال يُحاكَم في ثلاث قضايا فساد)؛ ليس فقط بسبب انخفاض شعبيّته وشعبيّة حزبه وائتلافه الحكومي، بل أيضًا بسبب تراجع شعبيّته بين أنصار حزب الليكود وناخبيه؛ فاستطلاعات الرأي العام تُظهر أنّ أكثر من ثلث ناخبي الحزب يريدون شخصًا آخر رئيسًا للحكومة بدلًا من نتنياهو، عند انتهاء الحرب. أضف إلى ذلك ازدياد التململ الملحوظ في صفوف عديدين من أعضاء الكنيست من حزب الليكود، وبعض وزرائه الذين ينقدونه ويطالبونه بتحمّل مسؤولية الفشل، من خلال تسريباتٍ عديدةٍ في وسائل الإعلام الإسرائيلية. وفي ضوء الصراع الداخلي الذي يخوضه نتنياهو مع أعضاء حزبه من ناحية، ومع قادة المؤسسة العسكرية من ناحية أخرى، ربما يطول أمد الحرب على غزّة؛ فإذا ما اضطرّت إسرائيل إلى وقف الحرب، يرجّح أن يوجّه وزير الأمن، يوآف غالانت، والمؤسّسة العسكرية اتهامات لنتنياهو بأنه أوقف الحرب قبل أن تحقّق أهدافها في القضاء على “حماس” وعلى حكمها في غزّة. ومن الواضح أن البدائل المطروحة حاليًا تجمع بين المواقف القومية المتطرّفة والعلمانية والنزعة العسكرية.

[1] “الائتلاف ينهار، الليكود 19 فقط، وغانتس في صعود”، معاريف، 13/10/2023. (بالعبرية)

[2] المرجع نفسه.

[3] “معطيات غير مسبوقة: غانتس يفتح فجوة عن نتنياهو في الملاءمة لرئاسة الحكومة”، معاريف، 20/10/2023. (بالعبرية)

[4] المرجع نفسه.

[5] استطلاع معاريف، 3/11/2023.

[6] “استطلاع أخبار قناة 13: من المسؤول عن التقصير، وهل يجب أن يستقيل نتنياهو؟”، القناة 13، 3/11/2023، شوهد في7/11/2023، في:  https://tinyurl.com/2bxmnxs2 (بالعبرية)

[7] المرجع نفسه.