من الانتداب إلى الانقلاب كتاب يؤرخ لفترة من تاريخ سورية، تمتد من عام 1898 إلى عام 1952، من جحافل غورو الفرنسي واستشهاد وزير الدفاع المرحوم يوسف العظمة على سفح ميسلون، علما أن نتيجة مواجهة الجيش الفرنسي معروفة قبل خروج العظمة، لرفضه دخول جيش الاحتلال إلى دمشق إلا بمواجهة غير متكافئة والدفاع عن دمشق.
وتتابع السيدة سعاد جروس تأريخ سورية بظل الانتداب، ومعاناة الشعب السوري من الاحتلال، رغم ذلك نشأت أحزاب وجرائدها وصحف لصحفيين الذين أبت نفسوهم إلا أن يتصدوا للاحتلال، ومن أبرزهم نجيب الريس، وكم تعرض لإغلاق القبس، وكم تعرض للاعتقال، ويسجل لجروس أنها أدانت الريس عندما دافع عن انقلاب عسكري بذريعة الحفاظ على جريدته القبس.
كتاب لاحق النخبة السورية بجناحيها الوطني والجناح المهادن بل المحابي للاستعمار، وميزت جريدة القبس وصاحبها نجيب بقلم لا يرحم، وتصدى لتلك الفئة التي تشتغل خارج السرب الوطني.
وسردت محاولات صوغ دساتير أهمها وأنضجها دستورعام 1950، بعد خروج جيش الاحتلال، وعرس سورية الأكبر وشعبها بنيل الاستقلال عام 1946 ثم تتالت الانقلابات.
وفرض ما يجري في جنوب سورية فلسطين على النخب والأحزاب والجيش الوليد وعلى الشعب، هجرة مكثفة يهودية، و ودعم انكليزي وأوروبي وأمريكي وروسي لجحافل اليهود، واعلان دولة إسرئيل، وتصدت تلك القوى الوطنية لسلخ لواء إسكندرون.
بنظري أهم ما جاء في هذه السفر الكبير، استعراض لعدد من الانقلابات العسكرية ودورها في إضعاف الجيش لوطني والأحزاب والصحف والشعب مما أضاع لواء اسكندرون وفلسطين. وجاء في ثنايا الكتاب علناً وبين السطور:
– مهمة العسكر والجيش حصراً بالدفاع عن الوطن وسيادته لا السياسة.
– مهمة السلطة التشريعية حصراً القضاء لا السياسة.
– لكل وطن دولة عندها حاكم وعسكر، لا حاكم عنده عسكر ودولة.
– الحكام يأتون ويذهبون والأوطان والشعوب هي الباقية لا تأبيد ولا توريث.
هذا ما قرأته في هذا الكتاب وهو زبدته.
لقد غاب أو غيب بيان مؤتمر حمص الذي وقعه هاشم الأتاسي والسلطان باشا الأطرش في 17 أيلول عام 1953، حضره و وقعه 136 شخصاً عيون سورية، وهو صنو دستور عام 1950 تضمن البادئ الآتية :
أولاً – شجب الحكم الفردي، وعدم الاعتراف به، واعتبار ما يصدر عنه غي ملزم للبلاد.
ثانياً – إقامة أوضاع ديموقراطية دستورية جمهورية نيابية، في البلاد تنبثق من انتخابات صحيحة حرة.
ثالثاً – أإطلاق الحريات العامة وضمانها، بحيث يشعر كل فرد من أبناء البلاد أنه في حمى القانون.
رابعاً – حماية الاستقلال والسيادة القومية من المؤامرات الداخلية والخارجية .
خامساً – الجيش ملك الأمة واجبها تقويته وإعداده للقيام بمهمته المقدسة المنحصرة بالدفاع عن حدود الوطن وسلامته.
وفي سبيل الشروع في تحقيق مبادئ هذا الميثاق يعلن موقعوه أنهم يقاطعون انتخابات يوم 9 تشرين الأول 1953.
قراءة عبد الحفيظ الحافظ:
” رغم كل ما قيل عن مسألة الملكية، ما أن وصل عام 1935 حتى باتت ( القبس) على قناعة بأن الملكية لا تحل مشاكل سورية مادامت في ظل الاحتلال. وفي افتتاحية بعنوان ” إبدال الجمهورية بالملكية لا يحل المشاكل ” قال نجيب الريس :
” ماذا جنت الجمهورية على البلاد وما عسى أن تفيد الملكية إذا كان الذين يعلنون النظام الجمهوري أو يوافقون عليه، لا يلبثون أن يوقفوا سير الجمهورية ويعطلوا مظهر الدستور الوحيد، وهو الحياة النيابية، تعطيلاً ليس عليه نص في الدستور.
إن المسألة بيننا وبيت الفرنسيين لم تعد مسألة أشكال وأوضاع، وليس الخلاف على أسماء هذه الأوضاع والأشكال بل الخلاف كله على شيء واحد: هو ايجاد الكيان السوري الصحيح المشروع وفقا لمصلحة السوريين والفرنسيين معاً”.
وبالنظر إلى تناول الصحف في تلك الفترة موضوع الملكية، يمكن القول أن جريدة (القبس ) كانت الأـكثر وعياً ونضجاً في مفاضلتها بين النظامين الجمهوري والملكي، فقد جاء في 1إحدى افتتاحياتها:
” هل صحيح أنهم يبحثون عن ملك لهذه البلاد؟.. هل وجوده هو الذي يرضي الساخطين و يعزّي الخائبين ويشبع الجائعين؟. ماذا يفعل الملك لو جيء به الآن؟. أيكون موظفاً من كبار الموظفين صاحب مرتب ضخم وقصر فخم وموكب كموكب باي تونس؟ إن البلاد التي لا تعيش فيها الحريات لا تعيش فيها الملكية ولا الجمهورية أيضاً.. وإن الوطن الذي لا يملكه أهله ولا يتصرفون بأموره الداخلية على الأقل لا يكون الملك فيه إلا نكبة من نكبات الاحتلال، أو عبئاً من أعباء سياسة الأجنبي تضاف على كواهل هذا الشعب المسكين…” صـ 169 –
اعتبر نجيب الريس صاحب ومفكر وكاتب جريدة القبس الدمشقية بعيد انتخاب البرلمان عام 1943 النيابة عملاً وطنياً لوجه الوطن، فعرّف النيابة بأنها:
” تضحية لا يعرف صاحبها الكسب بل هو يعطيها لا يأخذ منها، ويخسر عليها لا يربح منها.. فإذا كان الذين يطمحون بترشيح أنفسهم من هذا الطراز في وطنيتهم وفي تضحيتهم، فليقدموا طلب النيابة لأنهم أهلها المستحقون لحمل اسمها والاستقلال بشرفها، أما الأكفياء الذين وهبهم الله كثيراً من العلم والعبقرية والفهم السياسي وحرمهم حتى القليل من الوطنية وأفقر نفوسهم من نعمة التضحية ولذة الجهاد الوطني فهؤلاء أشد الناس خطراً على النيابة وعلى البلاد التي يتكلمون باسمها ويقررون مصيرها لأنهم لا يحللون ولا يحرمون يوم تلوح أمام أعينهم المنفعة الخاصة، والغنم الشخصي، فهم دائماً جياع نهمون إلى المال والثروة ولذة الحياة، مفتونون بشهوة المنصب، وجاه الحكم، يتخذون النيابة ليتاجروا بها، ثم ليتخذوها طريقاً إلى المنصب الأعلى، والتجارة الرابحة ولو كان هذا على أشلاء الأمة وأطلال البلاد”. افتتاحية القبس 28/4/1943 صـ289-290 .
الفصل الرابع / فلسطين
في الوقت الذي كانت تتفاعل فيه النزاعات الانفصالية وقضية سلخ لواء اسكندرون مع أزمات أخرى أنهكت الحكومة الوطنية. ” تفاعلت قضية فلسطين الواقعة تحت الانتداب الإنكليزي، كتحد اتصل بالشأن السوري فكانت موضع مساومة لتصديق معاهدة 1936. ” صـ235
” منذ بدء بالعمل الصحافي اهتم نجيب الريس بفلسطين، وكتب نحو 129 مقالاً بين عامي 1921و1951 ، تتعلق بالشأن الفلسطيني، وفي وقت مبكر أجرى مقارنات وقدم إحصاءات تكشف التغلغل المبكر للصهاينة في فلسطين حين كان عدد العرب ( مسلمين ومسيحيين “) عام 1921 ما يقارب600 ألف نسمة يقابلهم نحو ستة آلاف يهودي” صـ236
لم تسمع من أحد المسيحيين كلمة ” أقلية ” ولا من مسلم قول : نحن الأكثرية الساحقة نحن أهل البلاد. ” في فلسطين لهم اسمان فقط، وطني ويهودي، فما أعظم الفرق ! يقف الكاهن المسيحي خطيباً في إحدى الحفلات فيقول: إذا كانت دول أوروبا تدّعي أنها حامية المسيحيين في الشرق وأن إنكترا حاميتهم في فلسطين، فهل تريد أن نعتنق الدين الإسلامي لنتخلص من حمايتها؟!!”صـ237
” لم يكن بوسع السوريين تجاهل أن أقوى دعم مادي ومعنوي تلقوه خلال إضرابهم الستيني جاء من فلسطين ” صـ239
لكن سورية رغم جرحها الدامي في إسكندرون ورغم انشغالها بهذه النكبة الفاجعة …” لم تنس جرح العرب الأكبر فلسطين، ولم تضعف في عطفها على شطرها الجنوبي بل لم تكتم في ساعة من الساعات تأييدها المطلق لجهاد فلسطين العربية، ومقاومتها العنيفة للدولة اليهودية وفكرة إنشائها بل للهجرة الصهيونية إلى فلسطين “صـ241
تتابع الكاتبة والباحثة سعاد جروس في كتابها الموسوعة سيرة ومواقف الصحفي نجيب الريس، الذي شغلته قضية سورية كما شغلته قضية فلسطين وهي جزؤها الجنوبي.
” إنشاء الدولة اليهودية المستقلة، وإدخال مئة وخمسين ألف مهاجر جدد إليها خلال سنتين فوق ما دخل إليها بطرق التهريب، ثم إعطاء هذه الدولة جميع المرافئ الساحلية- بما فيها يافا وساحلها وهما معقل العرب ومقر أكثريتهم الساحقة- إن إنشاء هذه الدولة على سواحل فلسطين وفي أغصب أراضيها الزراعية، وتمكينها من التسلح وإنشاء المطارات والبواخر والبوارج لا يعني إلا إجلاء العرب أو إبادتهم في ديارهم.” صـ354
المؤامرة التي تمت على فلسطين بين روسيا وأميركا وبريطانيا مستغرباً اختلاف الشيوعية والأنكلوسكسونية على كل شيء في الدنيا، واتفاقهما على بيع فلسطين لليهود، ومازالت هذه القاعدة مستمرة ما بعد انهيار الشيوعية والسوفييت.
نجيب الريس: ” لماذا يصرح قادة العرب وساستهم بالاستعداد لإهراق دمائهم من أجل فلسطين، ولا يصرحون بإهراق بترولهم الذي لا يكلف أكثر من جعل الامتياز فيه حبراً على ورق…ومع ذلك فيجب أن نهرق البترول والدم معاً لننقذ فلسطين ” صـ356
” أربع أيام فقط من التقدم على أرض المعارك ثم انقلبت الموازين وأعقبها ستة أيام من الانتكاس، وانتقل الاسرائيليون الذين باتوا أوفر عدةً وعدداً، من الدفاع إلى الهجوم، وبدأ العرب بالتراجع، وخرجت المظاهرات إلى الشوارع في سورية والعراق والأردن ومصر ولبنان في الوقت الذي راح فيه الحزب الشيوعي في سورية ولبنان يوزع بيانات حرب فلسطين ” حرباً أهلية ” صـ 366
ضرب الإسرائيليون عرض الحائط بمساعي الوسيط الدولي الكونت برنادوت، واغتيل على يد مسلحين يرتدون زياً عسكرياً صهيونياً.
إن الدول العربية كلها ” لم تنهزم حربياً ولا عسكرياً ولا مالياً، غير أن المسؤولين عن هذه الدول من ملوك ورؤساء ووزراء وقادة ومن نواب أيضاً قد انهزموا أخلاقياً “صـ 280 ولا زالت هذه هزائمهم أخلاقية زمن التطبيع فوق الطاولة وتحتها.
تمسكت الحكومة السورية في تلك الأيام بخطوط الهدنة حيث هي الجيوش المتقابلة في مواقعها في ذلك الوقت ” وجعل خطوط الهدنة في منتصف سطوح الماء، أي منتصف نهر الأردن ومنتصف بحيرة طبريا” صـ 381، لكن في شهر آذار شهدت سورية الانقلاب العسكري الأول انقلاب حسني الزعيم عام 1949.
الزعيم حسني:
وقع الزعيم اتفاقية الهدنة السورية – الإسرائيلية ” بشروط إسرائيل، التي سبق ورفضتها حكومة خالد العظم، لأنها تعطي لإسرائيل عشرة أمتا شرقي بحيرة طبرية، بعد أن كانت الحدود المرسومة فق سايكس بيكو التي تنص على مرور الحدود من منتصف بحيرتي الحولة وطبرية “.
” سحب جميع مطالب سورية من تركيا بخصوص إسكندرون، كما أطلع أتراكاً على أسرار الجيش السوري…كما وقع اتفاقية أرامكو والتابلين وفق شروط الشركة التي رفضها الرئيس شكري القوتلي ” وكان فد سلم أنطون سعادة لحكومة لبنان فأعدمته، هذه الشكوك عززت أن السفارة الأمريكية هي التي هندست انقلابه صـ 391
” كانت محاولات نجيب الريس لتبرير الديكتاتورية بائسة بل مضحكة ” 393 لكن لم يدم حكم الزعيم ” أكثر من أربعة أشهر وأربعة عشر يوماً، حتى أطاحه القائد العام للجيش والقوات المسلحة العقيد سامي الحناوي” صـ 399
” في 4 آب 1949 تمت الموافقة على منح المرأة حق الانتخاب “صـ 403.
قال أكرم الحوراني ” بأن كل الأراضي التي بيعت لليهود في فلسطين كانت إقطاعيات سورية ولبنانية وفلسطينية ” فأيده مصطفى السباعي صـ 454
بعد إقرار الدستور في 2/9/1950 أذاع الجيش بلاغاً وقعه الزعيم أنور بنود رئيس أركان الجيش السوري في 10|/9/1950 أعلن فيه أن رسالة الجيش السوري ستقتصر على ” الدفاع عن حياض الوطن في ظل الدستور والقوانين، وأنه أداة صالحة لكل حكومة منبثقة عن السلطة التشريعية الممثلة للأمة ” صـ 462
جمص25/9/2020