تحركات وجهود يبذلها ثلاثة أعضاء الكابينت الحربي الإسرائيلي، نتنياهو ويوآف غالانت وبيني غانتس، لطمأنة أهالي الأسرى لدى حركة حماس ” بأنهم يبذلون جهوداً كبيرة من أجل إعادتهم، إلا أن أصوات الأهالي تتعالى ويرتفع أكثر الشعار الداعي إلى وقف العمليات الحربية والتوصل إلى اتفاق يضمن عودة الأسرى أو كما يسمونهم الإسرائيليون “المخطوفين” في غزة
وفي كل يوم تزداد فيه المعارك ويسقط مزيد من الجنود الإسرائيليين مقابل إعلان تل أبيب عن مقتل مزيد من عناصر “حماس” واختراق بعض الاتفاق ، يتزايد القلق لدى أهالي الأسرى وأيضاً لدى أمنيين وعسكريين وسياسيين ممن لا يتوافق رأيهم وما حسمه متخذو القرار “لا إعلان عن انتهاء الحرب قبل القضاء على حماس وبنيته التحتية”.
الأهالي يعتبرون كل يوم من الحرب يهدد حياة مزيد من ذويهم وتدعمهم في ذلك جهات واسعة في إسرائيل فيما القيادة تعلن أن الحرب صعبة وطويلة. ومع استمرار هذا النقاش والخلاف حوله يتصدر اليوم السؤال إذا كان ممكناً حقاً، تحقيق هدف الحرب بالقضاء على “حماس” وتحرير جميع الأسرى الموجودين في غزة وعددهم يتجاوز 240 أسيراً.
الجواب، حتى لدى متخذي القرار، هي مهمة صعبة، هكذا رد وزير الدفاع يوآف غالانت نفسه، على سؤال في مؤتمر صحافي، وكما أوضح أيضاً، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في لقائه الأخير مع أهالي الأسرى، الذين خرجوا غير مطمئنين من اللقاء وصعدوا حملتهم الدولية للضغط على متخذي القرار في إسرائيل وعلى “حماس” لإعادة الأسرى.
الضغط الأميركي على مصر يحل المعضلة
الصوت الأعلى في إسرائيل يدعو إلى وقف القتال وتحديد الفترة الزمنية للحرب لضمان تحرير الأسرى، لكن هناك من لا يتقبلون إنهاء حرب غزة من دون القضاء على “حماس” وبنيتها العسكرية بل عدم إبقاء أي عنصر لها في القطاع. وهؤلاء يحاولون في ذروة النقاش والخلافات التي وصلت إلى حد الشرخ الكبير في المجتمع الإسرائيلي، إيجاد حل أقرب إلى تحقيق الهدفين.
ويرى رئيس معهد بن غوريون لأبحاث إسرائيل والصهيونية، بروفيسور آفي برئيلي، أن المهمة أصعب وأخطر وأطول مما يطرحه متخذو القرار إذ لا يمكن في ظل الوضعية الحالية، حيث الاكتظاظ السكاني وانتشار عناصر “حماس”، تحقيق الهدفين معاً.
ويعتبر أيضاً أن تطهير شمال غزة كلياً من القيادات الأساسية لـ”حماس” سيستغرق وقتاً من الزمن، في حين ستبقى مسألة إنقاذ المخطوفين وموقعهم في شمال القطاع أو في جنوبه تشغل بال جهاز الأمن كله، ولذلك يطرح أولاً السؤال عما يجب فعله في جنوب قطاع غزة”.
هنا يقول بروفيسور برئيلي ويضيف “في هذه المنطقة توجد حماس فوق وتحت الأرض، وهو أمر يجعل المهمة المزدوجة التي كلفت بها الحكومة الجيش وباقي أجهزتها الأمنية، اقتلاع الحركة من كل القطاع وتحرير المخطوفين، مهمة في غاية الصعوبة بل تشكل معضلة لإسرائيل”.
وبرئيلي من الأصوات الداعية إلى عدم إنهاء القتال قبل تطهير غزة من “حماس”، وفق تعبيره، وعليه طرح على متخذي القرار اقتراح توجيه مطلب من الولايات المتحدة للضغط على مصر لتأخذ دورها في إخراج الحركة من غزة والتأكيد أمامها أن الحرب لن تنتهي بل ستزداد حدتها طالما لم يتم اقتلاعها من جنوب القطاع ومواصلة تحرير المخطوفين.
وفي رأيه أن هناك مكاناً للأمل في “أن تطلب الولايات المتحدة من مصر أن تستوعب موقتاً سكان القطاع كلهم في شمال سيناء، أي رفح المصرية وأماكن أخرى، فيما يسند الطلب بروافع ضغط شديدة التأثير ومن ثم إخلاء عناصر ’حماس’ في مقابل إعادة الأسرى الإسرائيليين في القطاع”.
في ذروة النقاش الإسرائيلي حول صعوبة تنفيذ المهمة المزدوجة، قال مصدر رفيع المستوى في تل أبيب، إن صفقة لإعادة الأسرى ما زالت بعيدة عن يوم التنفيذ، مضيفاً “طالما الجيش يواصل عملياته وقصفه المكثف فسيكون من المستحيل تحقيق صفقة تعيد الأسرى. حتى اليوم وعندما يجري الحديث عن صفقة تشمل 80 من النساء والأطفال لدى حماس مقابل الأسرى الأمنيين الفلسطينيين من النساء والأطفال فهناك صعوبة كبيرة جداً، خصوصاً في ظل القصف والتوغل البري في نقل الرسائل بين حماس في الخارج وأصحاب القرار داخل القطاع في الأنفاق”.
وأضاف “في كابينت الحرب لا يستبعدون أي صفقة، بما في ذلك تحرير عدد كبير جداً من الأسرى الفلسطينيين مقابل كل المخطوفين، لكن حالياً، في إسرائيل يوجد إجماع على أن تحرير المخطوفين في أولوية عليا وغير مسبوقة. كيف يمكن عمل ذلك بالتوازي مع المحاولة (المبررة) لقتل المفاوضين من الطرف الآخر، أي داخل القطاع؟ هذه هي المشكلة ولا حل لها في الوضع الحالي”.
وفي تصريحات أخيرة بعد انعقاد الكابينت الحربي مع رؤساء الأجهزة الأمنية، تبين أن القيادة العسكرية ما زالت على قناعة، وعلى رغم كل ما قيل، فإنه يمكن تحقيق الهدفين معاً. وبحسب مسؤول عسكري “كلما أعطي للجيش الوقت لزيادة الضغط العسكري على حماس فستتحسن احتمالية أن يتم إجبار الحركة على إبداء مرونة أكبر في المفاوضات على إطلاق سراح المخطوفين”.
من جهة أخرى، ووفق مسؤولين في قيادة هيئة الأركان، فإن البعد الزمني يتحول الآن إلى بعد حاسم أكثر فإذا انتهى القتال بعد أسبوعين، وفق الضغوط الأميركية، فلن يكون بالإمكان تحقيق أهداف الحرب إنما صفقة للأسرى وهذا هو الوضع الحالي، أي إن الخيار القائم هو إما الحرب حتى النهاية وإما الأسرى”.
صفقتا جبريل وشاليط… ضعف وطني لإسرائيل
إزاء صعوبة القتال في غزة والفترة الزمنية الطويلة المتوقعة لإنهائه في مقابل التصريحات التي تخرج بين الفينة والأخرى من قبل قادة “حماس” بأن القصف الإسرائيلي أدى إلى قتل عشرات الأسرى الإسرائيليين، بات أمام تل أبيب واحد من الخيارين إما صورة نصر في غزة خالية من “حماس” أو ضمان إعادة الأسرى مع أكبر عدد من الأحياء بينهم، حتى وإن كان الشرط “الكل مقابل الكل”، وهذا الشرط الذي يسيطر على حديث الإسرائيليين ووسائل الإعلام ويكرره من يفضلون خيار الأسرى على استمرار القتال.
وذهب بعض المفضلين لخيار صفقة الأسرى إلى الدعوة للإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين حتى من يعتبر الأخطر على أمن إسرائيل، بشرط نقلهم إلى غزة واقترح أكثر من مسؤول أمني وعسكري سابق على القيادة وضع خطة لتصفية الأسرى الفلسطينيين المحررين في ما بعد في القطاع، ويضيفون في حديثهم بأن تل أبيب تمكنت من القضاء على جميع الأسرى الأمنيين الذين تم تحريرهم في صفقة “جلعاد شاليط”.
بدوره، يرى عضو الكنيست السابق عن حزب “الليكود” والمحامي أوريئيل لين، أن “من يقول إننا سنواصل الحرب من دون توقف حتى لو تطلب الأمر أسابيع أخرى بل وحتى أشهر مخطئون”.
ويضيف محذراً “من السهل جداً التماثل مع هذه الرغبة وافترض أننا كلنا نتماثل معها، لكن في نظرة أوسع، ملزمون بأن نفهم بأنه توجد قيود للقوة. استمرار القتال في غزة من دون أن تكون لنا في هذه اللحظة نقطة نهاية محددة لا يمكنه أن يصمد”.
والمحامي لين هو من الأصوات الداعمة لمطلب عائلات الأسرى بالإفراج عن ذويهم بشكل فوري وهو يعبر عن عدم ثقته في صحة ما يقوله نتنياهو وغانتس حول عدم التوصل إلى أي هدنة قبل أن تحرر “حماس” كل الأسرى، إذ يقول في هذا الجانب، “لست واثقاً من أن استمرار الصراع بشكل لا يتوقف هو الذي سيولد تحرير المخطوفين. يوجد لدينا اليوم كثير من الخبراء الذين يفهمون حماس جيداً بعد السابع من أكتوبر، فقبله لم يكن لدينا خبراء فهموا نوايا واستعداد الحركة لهجومها الكبير”.
ومضى في حديثها، “الحقيقة هي أننا علمنا حركة حماس ما هي نقطة ضعفنا الوطنية… بدأ الأمر بصفقة (جبريل) التي قادها أريئيل شارون وتواصل مع صفقة شاليط التي أقرها بنيامين نتنياهو”.
ما التوقعات؟
في تقدير المحامي لين فإنه “بعد بضعة أيام ستتمكن إسرائيل من أن تشير إلى إنجازات عسكرية عظيمة المعنى في الحرب ضد حماس. في هذه المرحلة علينا أن نتوقف وأن نفعل هذا بحكمة. وأن نثبت خطوة على دوافع إنسانية. أن نوافق على هدنة إنسانية كما تقترح الولايات المتحدة. أن نستثمر مقدرات أكثر، قوات وجهود في الإعلام الخارجي وأن نبذل محاولة حقيقية لتحرير المخطوفين حتى بثمن باهظ، هذا بالطبع يجب أن يتم ضمن حدود زمنية”.
وقال، “حماس تفهم جيداً أن المخطوفين هم السلاح الأقوى الذي في أيديها وبالتأكيد لن ترغب في الوصول إلى وضع تحرر فيه المخطوفين كي تسهل علينا إبادتها. هي سترغب في أن تتلقى مقابلاً حقيقياً، لكن هذه المحاولة علينا أن نقوم بها لأن واجبنا تجاه عائلات المخطوفين هو الهدف الأسمى الآن. لقد وصلنا إلى مرحلة علينا فيها أن نفكر جيداً في ثمن استمرار القتال في غزة”.