الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقائد القوات الأوكرانية فاليري زالوجني (مكتب الرئاسة الأوكرانية)

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقائد القوات الأوكرانية فاليري زالوجني (مكتب الرئاسة الأوكرانية)

لا تزال أصداء مقابلة قائد القوّات الأوكرانيّة الجنرال فاليري زالوجني مع مجلّة “إيكونوميست” في الأوّل من الشهر الحاليّ تتردّد بقوّة. وهي قوّة قد تكون تصاعديّة. أعلن زالوجني أنّ الحرب مع روسيا دخلت مرحلة مراوحة، وأنّ المطلوب لكسرها تحقيق اختراق تكنولوجيّ في مجالات عسكريّة متنوّعة استبعد أن تحدث قريباً.

فتح هذا التصريح الباب أمام احتمالين: أن يكون مضمون المقابلة منسّقاً مع الحكومة ويمثّل بالتالي تلميحاً إلى استعداد لفتح باب التفاوض مع الروس، أو يكون بمبادرة شخصيّة من زالوجني مع إشارة ذلك إلى انقسامات داخليّة بين القيادتين العسكريّة والسياسيّة. إذا صحّ الاحتمال الثاني، كما ذكر “النهار العربي” في تقرير سابق، فلن يطول الخلاف حتى يخرج إلى العلن. وهكذا حصل.

كرة ثلج تتدحرج

بعد ثلاثة أيّام على نشر المقابلة، ردّ نائب رئيس مكتب زيلينسكي إيهور جوفكا على تقييم زالوجني قائلاً إنّه “يسهّل عمل العدوّ”، بينما نفى الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي هذا الاتّجاه بشدّة في اليوم نفسه. وقبل يوم واحد، أي في 3 تشرين الثاني (نوفمبر)، أقال زيلينسكي أحد نوّاب زالوجني الجنرال فيكتور خورينكو، وهو رئيس وحدة العمليّات الخاصّة، من دون سبب واضح، ما فاجأ قادة عسكريّين أميركيّين عملوا معه كما ذكرت تايمز “. ونقلت الصحيفة عن النائبة الأوكرانيّة سولوميا بوبروفسكا، وهي عضو في اللجنة البرلمانيّة للشؤون الاستخباريّة والدفاعيّة قولها إنّ القرار خاطئ جداً ويمثّل تدخّلاً في الشؤون العسكريّة. لم تتوقّف التقارير عند هذا الحدّ.

في 11 تشرين الثاني، نشرت واشنطن بوست ” و”دير شبيغل” الألمانيّة تقريرين متشابهين نقلاً عن مسؤولين في أوكرانيا وأوروبا، أنّ العقيد رومان شيرفينسكي الذي خدم في قوات العمليات الخاصّة “نسّق” (لكنّه لم يتخذ قرار) الهجوم على خطي أنابيب “نورد ستريم” في أيلول (سبتمبر) 2022. وذكر التقريران نقلاً عن مطّلعين أنّ التخطيط والتنسيق للهجوم تمّ من دون معرفة زيلينسكي.

شبهات

قالبعض المعلقين  إنّ هذين التقريرين يظهران أنّ هناك من سرّب الخبر من داخل أوكرانيا لضرب صورة زالوجني بين الغربيّين. رسالة هذا التسريب هي زيادة الثقة الغربيّة بزيلينسكي وتقويضها حيال زالوجني. لكنّ الجانب السلبيّ الذي تبيّنه هذه الرسالة المفترضة هو أنّه يظهر زيلينسكي غير ممسك بزمام الأمور. إذا كان رئيس الدولة غير قادر لسبب أو لآخر على قيادة دفّة البلاد فسيتساءل الغرب عن جدوى التفاوض معه، إن لم يكن أيضاً عن مخاطر تسليمه أسلحة كاسرة للتوازن يمكن أن يستخدمها جيشه ولو من دون إذنه ضدّ الأراضي الروسيّة. لكن ثمّة تفاصيل إضافيّة مهمّ

الأول أنّ شيرفينسكي نفى للصحيفتين ضلوعه في هذا الهجوم، واصفاً الاتّهامات بأنّها “دعاية روسيّة”. الثاني أنّ هذه الاتّهامات وُجهت في السابق إلى روسيا والولايات المتحدة وأوكرانيا وحتى بولندا. الثالث هو أنّ شيرفينسكي بات في السجن الآن بسبب جذبه طيّاراً روسياً إلى أوكرانيا كي ينشقّ عن موسكو في تمّوز 2022، ما عرّض قاعدة عسكريّة أوكرانيّة لقصف روسيّ. يردّ شيرفينسكي بأنّ قضيّته سياسيّة وتتعلّق بانتقاداته لزيلينسكي بسبب فشله في تحضير البلاد لهجوم روسيّ، واتّهم عدداً من المسؤولين في إدارة زيلينسكي بالتجسّس لمصلحة روسيا.

ما هو أهمّ من “نورد ستريم”

بصرف النظر عمّا إذا كانت أوكرانيا نفّذت الهجوم على خطوط “نورد ستريم” أم لا، تبقى قضيّة كثرة الإقالات في صفوف الجيش مشكلة بالنسبة إلى كييف. وسط تعثّر الهجوم الأوكرانيّ المضاد، لا ترسل الخلافات بين القيادتين السياسيّة والعسكريّة تطمينات كبيرة إلى الحلفاء الغربيّين. صحيح أنّ أوكرانيا لا تزال تسجّل نقاطاً قويّة عبر ضرب الأسطول الروسيّ في شبه جزيرة القرم، لكنّ شطر القوّات الروسيّة عبر الوصول إلى بحر آزوف كان ولا يزال الهدف الأهمّ بالنسبة إلى كييف. ومع مخاوف من خطف الحرب على غزّة الاهتمام الأميركيّ في سنة مفصليّة، إن لم تكن سنة فوضويّة أيضاً في الكونغرس، تصبح تداعيات هذا الخلاف المرجّح أكثر تأثيراً على صنّاع القرار الغربيّين. بمعنى ما، إذا كان الغربيّون قد اتّصلوا فعلاً بالأوكرانيّين ليستفسروا عن حقيقة تقييم زالوجني كما قال نائب رئيس مكتب زيلينسكي، فالتصدّعات في كييف لن ترسل إشارات طمأنة إلى هؤلاء.

وقضيّة التباينات بين الرجلين قديمة نسبياً بحسب بعض التقارير. في آذار (مارس) 2023، ذكرت مجلة “بيلد” الألمانيّة نقلاً عن مصادر أنّ خلافات برزت بين زيلينسكي وزالوجني حول إدارة معركة باخموت، حين أيّد قائد القوّات الأوكرانيّة الانسحاب من المدينة قبل أسابيع مقابل تأييد الرئيس الأوكرانيّ البقاء فيها لاستنزاف المهاجمين الروس. وقال محلّل عسكريّ أوكرانيّ إنّ فكرة البقاء في المدينة كانت جيّدة لأنّ نسبة الاستنزاف كانت 1 إلى 7 مقاتلين، لكنّ كييف بالغت في تطبيقها.

“فتح زجاجة شمبانيا”

يعتقد الصحافيّ سيغورا  أنّ عدوّ روسيا الأوّل ليس زيلينسكي بل زالوجني. زيلينسكي رجل ذو شعبيّة واسعة و”محترم” لكنّ زالوجني “مصدر إلهام” كما كتب. ليس واضحاً ما إذا كان ذلك سبباً جزئياً للخلافات بين الرجلين. لكنّ الانتخابات مؤجّلة الآن بفعل الحرب، ومن غير المرجّح، أو المفترض، أن يكون الاهتمام منصباً على التنافس السياسيّ في واحدة من أصعب اللحظات على أوكرانيا.

لكن وسط التعثّر الميدانيّ تحديداً، تستعر نار التوتّرات الداخليّة، أو كما يكتب بافلو كازارين في صحيفة برافدا ” الأوكرانيّة، حين تهدأ الأخبار على الجبهات تزداد الأنباء السلبيّة الآتية من المناطق الداخليّة البعيدة منها. يشير كازارين إلى استطلاع رأي يظهر أنّ 32 في المئة من الأوكرانيّين يعتقدون بوجود خلافات بين الجيش والسلطة السياسيّة، وهو استطلاع يدفع السلطات في موسكو إلى “فتح زجاجة شمبانيا” للاحتفال.

لهذا السبب، يعتقد الكاتب أنّ أصعب تحدّ على أوكرانيا في فصل الشتاء المقبل هو “البقاء موحّدة”.