تزين اللوحات الإعلانية والملصقات التي تكرّم المقاتلين “الشهداء” العراقيين شوارع بغداد منذ فترة طويلة، وغالبا ما تظهر هذه اللوحات صور المسجد الأقصى في القدس إلى جانب صورهم، ليكون بمثابة تذكير مؤثر بالقضية التي قضوا من أجلها.
ولكن التوغل الهائل وإطلاق الصواريخ من مقاتلي “حماس” الذي بدأ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وخلف عددا من القتلى الإسرائيليين في يوم واحد أكثر من عدد القتلى في الانتفاضة الثانية بأكملها- على بُعد ألف كيلومتر تقريبا من بغداد– قد أدى إلى موجة من الدعوات الدبلوماسية والمواقف المتشددة في جميع أنحاء المنطقة.
وفي العراق، كانت الاستجابة داعمة بشكل ملحوظ. وقد حظيت “مسيرة 13 أكتوبر/تشرين الأول المليونية” من أجل فلسطين بدعم الفصائل الشيعية العراقية المتنافسة التي انخرطت في صراعات دامية في السنوات الأخيرة. وكانت الشوارع المركزية في بغداد وساحة التحرير الشهيرة بحلول منتصف الصباح تعج بالمتظاهرين.
وفي الوقت نفسه، تستمر الهجمات الإسرائيلية على غزة، ومعها ترتفع بشكل كبير أعداد القتلى المدنيين، فيما أعلنت إسرائيل الحرب رسميا على حماس يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول. وتعارض حماس، وهي فصيل سياسي ومسلح تدعمه إيران، بشدة وجود إسرائيل وتسعى إلى إقامة دولة فلسطينية. وعلى الرغم من تصنيفها منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة عام 1997، فقد فازت في الانتخابات التشريعية في قطاع غزة المكتظ بالسكان عام 2006.
يزعم أن عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حماس كانت مبررة، على الرغم من الأدلة التي تشير إلى سقوط ضحايا مدنيين إسرائيليين بطريقة وحشية. ويشيرون إلى وضع غزة منذ فترة طويلة باعتباره “سجنا مفتوحا” والانتهاكات العديدة التي عانى منها سكانها على مر السنين كمبرر. واحتفل البعض بتفكيك الحواجز والمعابر الحدودية، مؤكدين أن الثأر والمجازر كانت متوقعة.
وتلقى عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حماس تبريرات، صريحة أو مضمرة، لدى كثير من الأفراد في العالم العربي وخارجه، على الرغم من الأدلة التي تشير إلى سقوط ضحايا مدنيين إسرائيليين بطريقة وحشية. ويشير هؤلاء إلى وضع غزة منذ فترة طويلة باعتباره “سجنا مفتوحا” والانتهاكات العديدة التي عانى منها سكانها على مر السنين كمبرر. واحتفى البعض بتفكيك الحواجز والمعابر الحدودية، مؤكدين أن الثأر والمجازر كانت متوقعة.
في العراق، كانت الاستجابة داعمة بشكل ملحوظ. وقد حظيت “مسيرة 13 أكتوبر/تشرين الأول المليونية” من أجل فلسطين بدعم الفصائل الشيعية العراقية المتنافسة التي انخرطت في صراعات دامية في السنوات الأخيرة
وتلقى عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حماس تبريرات، صريحة أو مضمنة، لدى كثير من الأفراد في العالم العربي وخارجه، على الرغم من الأدلة التي تشير إلى سقوط ضحايا مدنيين إسرائيليين بطريقة وحشية. ويشير هؤلاء إلى وضع غزة منذ فترة طويلة باعتباره “سجنا مفتوحا” والانتهاكات العديدة التي عانى منها سكانها على مر السنين كمبرر. واحتفى البعض بتفكيك الحواجز والمعابر الحدودية، مؤكدين أن الثأر والمجازر كانت متوقعة.
ووسط مخاوف بشأن مصير المدنيين الفلسطينيين في الأيام المقبلة، ومع ترديد دعوات إسرائيلية إلى “إبادة” سكان غزة، وفي غياب أي مكان يفر إليه سكان القطاع الساحلي، يرى البعض في ذلك كله فرصة لتحقيق وحدة إقليمية أكبر.
وفي بغداد أعربت الحكومة العراقية والجماعات التي غالبا ما تكون على خلاف معها، بشكل لا لبس فيه، عن دعمها لفلسطين. وصرح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في إعلان صدر يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول أن “ما يحدث في فلسطين هو نتيجة طبيعية لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه، وعلى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن مسؤولية أخلاقية لوقف الانتهاكات وإنهاء الحصار على غزة”.
وسواء قرر “شركاء” حماس الإقليميون ضمن “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، فتح جبهات إضافية ضد إسرائيل أم لا، فإن ذلك قد يحمل تداعيات كبيرة في الأيام والأسابيع المقبلة. ونقلت تقارير عن وزير الخارجية الإيراني قوله إن ذلك يظل احتمالا واردا، وذلك بعد وصوله إلى بيروت في 12 أكتوبر/تشرين الأول، عقب محادثات في بغداد.
مسيرة مليونية مدعومة من الطرفين
أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين كانوا يحاولون الوصول إلى الحدود الأردنية مع إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وجرى تداول مقاطع فيديو لشبان يحاولون تسلق الجدار الحدودي بين لبنان وشمال إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي، على نطاق واسع، يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول.
وفي الوقت نفسه، رُسم علم إسرائيلي كبير على الأرض في ساحة التحرير ببغداد، وداس عليه آلاف المشاركين كعلامة على الازدراء.
وفي السابق، كانت الاحتجاجات في العراق سببا لتحريض الفصائل المحلية بعضها ضد بعض أو ضد الحكومة أو وجود القوات الأجنبية في البلاد. وفي أواخر عام 2019، أدت الاحتجاجات التي بدأت في مدينة الصدر الفقيرة شرق بغداد، ثم امتدت إلى معظم أنحاء وسط وجنوب العراق واستمرت لعدة أشهر، إلى إسقاط الحكومة في ذلك الوقت. ويومها، قُتل مئات المتظاهرين، وألقى كثيرون باللوم على الفصائل الشيعية المسلحة المتنافسة.
AFPAFP
متظاهرون مؤيديون لفلسطين في مدينة الموصل في 14 اكتوبر
وفي أغسطس/آب 2022، انزلق احتجاج أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ليتحول إلى بعض من أسوأ أعمال العنف في بغداد منذ سنوات عديدة، حيث اشتبك رجال مسلحون من فصائل مرتبطة بالمقاومة مع أنصار الصدر.
أما هذه المرة، فحتى المسؤولون العراقيون قدموا دعمهم للمظاهرات في ساحة التحرير بشكل مباشر.
“المقاومة” تتوعد برد فعل قوي
حظي الاحتجاج بدعم من فصائل الصدر و”المقاومة”، مثل: حركة حزب الله -النجباء. وعلى حساب حركة حزب الله النجباء باللغة الفارسية على منصة التواصل الاجتماعي “إكس”، كانت صور المظاهرات المؤيدة لفلسطين مصحوبة بتعليق “الكل على قلب رجل واحد: من طهران إلى بغداد وصنعاء، الصوت المدوي للمحور الموحد”.
وفي تصريحات لـ”المجلة” يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الشيخ كاظم الفرطوسي، وهو شخصية بارزة من فصيل كتائب سيد الشهداء من أنه “إذا تورطت القوات الأميركية في الشأن الفلسطيني، فإن جميع المنشآت العسكرية الأميركية ستصبح أهدافا”، مؤكدا أن الرد سيكون أقوى من أي شيء شوهد من قبل.
وتحتفظ “كتائب سيد الشهداء” بارتباطات مع “كتائب حزب الله”، و”الحرس الثوري الإيراني”، وقد تأسست في عام 2013 وشاركت في البداية إلى جانب قوات الحكومة السورية ضد فصائل المعارضة المسلحة في المنطقة الغربية المجاورة للعراق.
في بغداد أعربت الحكومة العراقية والجماعات التي غالبا ما تكون على خلاف معها، بشكل لا لبس فيه، عن دعمها لفلسطين. وصرح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في إعلان صدر يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول أن “ما يحدث في فلسطين هو نتيجة طبيعية لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه
وقد تعرض مقاتلو “كتائب سيد الشهداء” العاملون في سوريا بالقرب من الحدود العراقية لهجومين على الأقل من قبل القوات الأميركية عام 2021، بما في ذلك حادثة وقعت في فبراير/شباط من ذلك العام. وكان ذلك أول عمل عسكري هجومي معروف تتخذه الإدارة الأميركية في عهد الرئيس جو بايدن.
“متحدون في سبيل الحق”
وكان أنصار مقتدى الصدر قد تجمعوا في ساحة التحرير في مظاهرة سابقة ببغداد عام 2021، وأعربوا عن استعدادهم للسفر إلى فلسطين والقتال إذا أصدر الصدر مثل هذا الأمر.
وقال وسام السلام، وهو صحافي عراقي مؤيد لمقتدى الصدر، لـ”المجلة” في 13 أكتوبر/تشرين الأول أن الصدر يولي أهمية كبيرة للقضية الفلسطينية لأن لها مكانة كبيرة لدى لشعب بأكمله. ولهذا السبب دعا الصدر إلى مسيرة مليونية نصرة لفلسطين.
ووصف السلام علاقة الصدر بالمقاومة الفلسطينية بأنها متجذرة في الدين والإنسانية والتضامن العربي. وزعم أن الصدر يقف مع كل من يطالب بحقوقه، سواء داخل العراق (مثل إعادة الممتلكات للطوائف المسيحية والصابئة) أو خارجه، بما في ذلك القضية الفلسطينية. وشدد السلام على أن هذا الدعم لا يقوم على علاقات شخصية، فليس من الضروري أن تكون هناك علاقة شخصية مع شخص ما لتقف معه عندما يكون على حق.
ومع ذلك، أعرب السلام عن شكوكه حول ما إذا كان الصدر سيأمر أتباعه بالسفر والقتال إلى جانب الفلسطينيين، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى القيود الجغرافية، حيث تقع سوريا بين العراق وإسرائيل. والمعروف أن الكثير من خصوم الصدر داخل المقاومة شاركوا في القتال داخل سوريا، إلى جانب قوات الحكومة السورية والجماعات المتحالفة مع إيران، فيما امتنع أتباع الصدر عن فعل ذلك.
وبشكل عام، كان موقف الصدر بشأن الصراع السوري، الذي بدأ عام 2011 بعد احتجاجات حاشدة، هو أن العراقيين لا ينبغي أن يشاركوا في القتال خارج حدود بلادهم وأن الشعب السوري له الحق في الاحتجاج.
وهناك فصائل كثيرة ترتبط بإيران داخل تيار المقاومة، وتم دمج بعض أجزائها في القوات الرسمية للعراق كجزء من وحدات التحرير الشعبية، كانت قد بدأت كجماعات متشعبة من “جيش الإمام المهدي” التابع للصدر الذي شكل بعد الغزو الأميركي عام 2003. قبل أن يحل رسميا عام 2008. وفي عام 2014، أعاد الصدر تشكيل جزء منه تحت اسم “سرايا السلام”.
ومن الجدير بالذكر أن فصائل المقاومة انخرطت في صراعات ضد أنصار الصدر في السنوات الأخيرة واتهم بعضهم بعضا بتدبير اغتيالات استهدفت أعضاءهم.
إيران والمساعدات
وردا على الوضع القائم، أصدر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول، أمرا بإرسال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة الواقع تحت حصار القوات الإسرائيلية. ويجري تنسيق عملية المساعدات مع السلطات المصرية وتشمل إمدادات طبية ومساعدات إنسانية عاجلة للشعب الفلسطيني.
وفي اليوم نفسه، زار وزير الخارجية الإيراني بغداد قبل أن يتوجه إلى لبنان. وتلعب إيران دورا مهما باعتبارها الداعم المالي الرئيس لحماس، حيث تقدم ما يقدر بنحو 70 مليون دولار سنويا، وتساهم أيضا بمبلغ 30 مليون دولار لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية. وهي أيضا الداعم الأكبر لحزب الله اللبناني، الذي تعتبره أحد أقرب حلفائها الإقليميين.
وعلى الرغم من التقارير الإعلامية التي تشير إلى تورط إيران في هجوم حماس ضد إسرائيل، فقد نفى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وغيره من المسؤولين الإيرانيين أي تورط من هذا القبيل.