ليس هناك خيار ثالث بين ان تتحول ايران الى مركز رئيسي لصناعة القرار الوطني الفلسطيني، أو الى بلد معزول تماما عن هذا القرار، يدفع ثمناً لاحقاً لخسارته الحرب في قطاع غزة، التي تخوضها اسرائيل اليوم تحت شعار معلن هو تصفية حركة حماس، وتحت شعار مُضمر هو تقويض الدور الايراني المنتشر في فلسطين من النهر الى البحر، من دون تفريق بين القطاع والضفة الغربي واراضي ال48.
لم تزعم طهران يوماً أنها تطمح الى رعاية المشروع الوطني الفلسطيني، ولا الى مصادرته. كان تحالفها ودعمها لحركة حماس، وحركة الجهاد الاسلامي، محكوماً على الدوام باعتبارات شديدة الخصوصية، منها ان فلسطين مسؤولية تاريخية كبرى، لا يمكن لأي بلد أن يتحملها وحده، لا سيما اذا كان في حالة صراع مع غالبية البلدان والشعوب العربية الشقيقة للشعب الفلسطيني، واذا كان في حالة اشتباك مع الغرب حول مصالحه ومواقعه في الخريطة الاقليمية.
ولم تزعم حركة حماس، ولا حتى حركة الجهاد، يوماً، أنهما يمكن ان تتعاملا مع ايران باعتبارها وصياً على المشروع الفلسطيني، أو بديلاً عن بقية الحلفاء (والخصوم) العرب والمسلمين، لذلك المشروع، لاسباب عديدة منها ان الحركتين هما وريثتان لتجربة فلسطينية طويلة عنوانها العريض القرار الوطني المستقل، الذي يحفظ لأي تنظيم فلسطيني حرية حركة سياسية وعسكرية لا جدال في أحقيتها وضرورتها في كل الاحوال.
الحرب الراهنة في غزة مثال دقيق: لم تستطع اميركا واسرائيل حتى الآن أن تقدما دليلاً واحداً على ان طهران هي التي اتخذت قرار هذه الحرب او شجعت عليها او حددت موعدها او حتى ساهمت في رسم خطتها او في توفير اسلحتها، التي ثبت انها تكاد تكون بدائية بمعايير الحروب والمواجهات العسكرية التقليدية المعاصرة. قرار الحرب فلسطيني حصراً، وكذلك الامر بالنسبة الى كامل خلفياته وتفاصيله وأهدافه المحددة بناء على استطلاع ميداني لا يعرفه سوى أهل الارض.
التمويل الايراني للحركتين لا جدال فيه، لكنه لا يشبه أبداً تمويل حزب الله او الحركة الحوثية او عصائب العراق، مع أنه بعضه يمر عبر لبنان. وهو لا يؤهل طهران للهيمنة على القرار الفلسطيني، بل فقط يعوض الى حد بعيد انقطاع بعض التمويل العربي، الخليجي تحديداً، عن حركة حماس، ويسمح لها بالاستمرار في المعركة، وخوض هذه الحرب من دون ان تلاحقها الاتهامات مثلا بأنها تقاتل من أجل حماية المشروع النووي الايراني.
التحالف كان ولا يزال يوفر للجانبين فرصاً متكافئة، تواجه الآن واحداً من أخطر التحديات: هل يمكن لحركة حماس ان تخرج من الحرب الحالية بخسائر وأضرار أقل من تلك التي منيت بها حركة فتح بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982؟ وهل يمكن لايران أن تحافظ على روابطها مع مختلف الحركات والتنظيمات الفلسطينية، المهددة هي الاخرى بنزع سلاحها في الداخل الفلسطيني؟
الدبلوماسية التي تعتمدها طهران في التعامل مع الحرب الحالية لا تتسم بالكثير من المهارة والحكمة، ولعلها تضر بحماس الآن أكثر مما تفيدها: نفي التورط في الحرب ، وعلى لسان المرشد علي خامنئي شخصيا، أدى الى عكس المقصود منه، خاصة بغياب الدليل الاميركي والاسرائيلي على هذا التورط. وهو يتناقض مع حملة تهديدات وإنذارات أطلقها وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان خلال جولته العربية الاخيرة بقرب فتح بقية الجبهات مع اسرائيل، في فترة زمنية لا تتعدى الساعات.. وبما يلزم ليس فقط بقية الحلفاء من اعضاء المحور الايراني، بقدر ما يُلزم طهران نفسها بان تجهز صواريخها لاستخدامها مباشرة في نصرة غزة والدفاع عن شعبها، الذي يتعرض في هذه الساعات لحملة إبادة جماعية لا تتطلب غزواً اسرائيلياً برياً، بقدر ما تستدعي ان تطلق صواريخ المحور من مختلف الجبهات والجهات، قبل فوات الاوان.
ليس هناك خيار ايراني ثالث، طالما ان العدو الاسرائيلي ماضٍ في حملة الابادة، بمباركة اميركية واوروبية لم يسبق لها مثيل، من دون أن يحتاج على الارجح الى إجتياح برّي لقطاع غزة الذي يفرغ الآن من سكانه وعمرانه.
كل التفاعلات:
Salah Manla، وAli Shikho وشخصان آخران