شكل حسن نصرالله عبر ثلاثين عاما ابا رمزيا للطائفة الشيعية، أو القسم الاكبر منها، ولقسم من اليساريين الذين يبحثون عن اب غير ابيهم الحقيقي، لان ذاك الاب لم ينتج الا السراب والخراب. والمفارقة التي تحتاج الى دراسة سيكيولوجية عميقة هو هذه الظاهرة، تعلق اليساري سواء كان شيوعيا ام قوميا برجل دين يكفرهم اولا واخيرا ويسخر من افكارهم وقناعاتهم وهو نفسه اغتال مفكريهم في ثمانينات القرن الماضي.
لنعد الى نصرالله، فهو الاب الذي منح الطائفة الشيعية او اغلبها الامان، ودافع عنها، واصبحت كلمتها مسموعة في المجتمع اللبناني، وقدم لها كل المساعدات المالية والعينية، وأمن لها طبابة مجانية، بل جعل لها يدا طولى ضد باقي الطوائف والمذاهب في لبنان. وبالمقابل اصبح رمزا “كفاحيا” لبعض اليساريين الذين يعانون مع عقدة الخصاء لأن التاريخ حكم على افكارهم بالعقم وعرى فحولتهم الكاذبة. ويمكن ان اضيف أنه يمكن فهم سلوك افراد الطائفة تجاه زعيمها وابيها، ولكن كيف يمكن فهم سلوك يساريين وشيوعيين وقوميين تجاه زعيم ديني ينكر ويسخر من كل افكارهم وايديولوجياتهم؟
قتل نصرالله يذكرنا بحادثة قتل الاب بالمعنى الرمزي. لن انظر لجريمة قتل الاب كتمرد على السلطة الأبوية أو التخلص منها (رمزيًا)، ولكن، وفي اطار علم النفس الجماعي، فان قتل الاب يمكن أن ينظر اليه من زاوية اخرى، او الوجه الاخر للقتل، وهو اليتم، يتم الابناء.
الشعور باليتم هو جانب مهم وحيوي من رمزية “قتل الأب” في علم النفس الجماعي. ويشكل الشعور باليتم إحساس بالفراغ والضياع، حيث أن الشخص أو المجتمع الذي كان يعتمد على تلك السلطة يجد نفسه فجأة بلا مرشد أو إطار واضح للهوية والانتماء. هذا ما نراه حاليا بين افراد الطائفة الشيعية، المؤمنين به، الذين يهيمون على وجوههم داخل وخارج لبنان، غير مصدقين ما حدث لابيها الرمزي، وما يحدث لها، وهذا ما يفسر تصرفات الكثيرين منهم وهم يظهرون مهددين ومتوعدين كل من ينال او يسخر من مقتل حسن نصرالله، وهذا ما يفسر شتائم وسباب بعض اليسار المخصي لكل من ينتقد او يسخر او يشير اية اشارة سلبية لمقتل نصرالله او لمقتل قيادة حزب الله. ونلاحظ أن هؤلاء اليساريين يخرجون عن طورهم متهمين ايا كان بانه صهيوني وعميل وامبريالي.
ان الشعور باليتم يظهر على عدة مستويات:
١ــ فقدان الاب بالمعنى الرمزي يجعل الناس تشعر بفقدان الشخصية التي كانت توفر لهم الإرشاد والأمان. السلطة الأبوية كانت تمثل الاستقرار، وعند انهيارها، يظهر شعور بالضياع أو التيه.
2 ــ يجد المجتمع نفسه في حالة من اللايقين، ويبدأ البحث عن بدائل، مما قد يؤدي إلى توترات داخلية حول ما يجب أن يحل محل هذا الإطار القديم.
3 ـــ هذا الانتقال من الاعتماد على “الأب” إلى تحمل المسؤولية الكاملة يمكن أن يولد شعورًا بالقلق والخوف من الاستقلال غير الموجه والخوف من المستقبل.
4 ــ الشعور بالحزن أو الأسى، إذ يعبر عن تدمير علاقة قديمة مليئة بالذكريات والانتماء. الفقدان الناتج عن هذه العملية يمكن أن يترك جرحًا عميقًا في النفس أو المجتمع، يظهر بشكل شعور باليتم العاطفي أو النفسي.
كل التفاعلات:
أنت و٣ أشخاص آخرين