استطاع هجوم حماس على مناطق ما يعرف بغلاف غزة أن يعيد القضية الفلسطينية الى الواجهة التي أصابها الضمور خلال السنوات الأخيرة. فقد ساهم تدخل حزب الله في أن يجعل الغزو البري أكثر تكلفة، حيث ستضطر تل أبيب إلى تخصيص قوات وموارد للدفاع عن حدودها الشمالية، فضلاً عن شمال البلاد بأكمله، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف سيكون تأثير الصراع على حزب الله.

أولا، أعادت الحرب الحزب الى الواجهة على أنه حركة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي. خلال الحرب السورية حاولت القوى المناوئة له في الداخل والخارج ان تشوه صورته على أنه  والسعي الى إجهاض محاولتهم لإسقاط “النظام العلوي” في دمشق. تدخل حزب الله في الحرب الحالية لمنع إسرائيل من التدخل البري في غزة أعاد له شعبيته وعادت له في المظاهرات المناصرة للقضية الفلسطينية في العالم العربي.

ثانيا، يسعى حزب الله إلى تغيير قواعد الاشتباك مع إسرائيل وضرب البنية التحتية للمواقع العسكرية الإسرائيلية، فقد دمر أجهزة التنصت والتشويش والمراقبة لهذه المواقع بشكل ممنهج وضمن رؤية مدروسة بإتقان وبذلك يكون أضعف من قدرة إسرائيل التجسسية وأعطى الحزب مساحة حرية أكبر في التحرك على الحدود. فهذه المواقع تضم أبراج مراقبة وأجهزة تنصت وتشويش متطورة جدا. ومن المتوقع ان يلجأ الحزب الى تدمير هذه المنصات في حال أعادت إسرائيل بناءها بعد انتهاء الحرب. كما لجأ إلى استهداف المواقع الإسرائيلية على طول الشريط الحدودي بعد أن كان سابقا يلجأ الى استهداف المواقع الإسرائيلية ضمن الأراضي اللبنانية المحتلة أي مزارع شبعا وتلال كفر شوبا.

ثالثا، استطاع الصراع الدائر حاليا تعزيز أواصر محور المقاومة الذي ترأسه إيران، فهذا المحور أصبح كتلة واحدة بحيث إذا نشب صراع مع أي من أطرافه سوف تتدخل باقي الأطراف لمساندته، هذا سوف يؤمن مظلة حماية للمقاومة في لبنان ضد أي اعتداء إسرائيلي في المستقبل وسوف يعزز من اندفاعتها لمواجهة المواقع العسكرية الإسرائيلية في الأراضي اللبنانية المحتلة. فقد كان ملفتا الضربات  التي وجهتها حركات مسلحة قريبة من إيران للقواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا وقصف الحوثيين صواريخ على إسرائيل اعترضتها سفن حربية أميركية في البحر الأحمر.

رابعا، استطاع الحزب من خلال تدخله أن يعزز شعبيته على المستوى الداخلي بعد معاناته لفترة طويلة من انقسام طائفي (سني-شيعي)، فقد وقفت الطائفتان الدرزية والسنية معه في هذه المواجهة.اعلن  الزعيم الدرزي، وليد جنبلاط، أنه سوف يقف مع الحزب في حال نشبت الحرب وطالب أبناء الجبل ذات الغالبية الدرزية التجهيز والتحضير لاستقبال النازحين الشيعة في مناطقهم في حال تطور الصراع على الحدود. كذلك الامر بالنسبة الى الشيخ حسن مرعب، أحد علماء الدين السنّة في لبنان والمعروف بانتقاده الشديد للحزب بسبب تدخله في الحرب السورية، فقد اعلن  دعمه له وأن الطائفة السُنية سوف تقف معه في حال تطور الصراع مع إسرائيل.

أما الطائفة المسيحية فيسكنها هاجسان ، الهاجس الأول هو أنه في حال استطاعت إسرائيل هزيمة حماس فهناك احتمال أن تشن تل أبيب حربا على حزب الله في لبنان وتترك آثارا كبيرة على الاقتصاد اللبناني الذي يعاني أصلا من أزمة عميقة، والهاجس الثاني هو في حال تمكنت إسرائيل من ترحيل الفلسطينيين من غزة فهذا يعني أن عودة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى بلادهم سوف تصبح مستحيلة، وبالتالي سوف يصبح تجنسيهم أمرا محتوما، هذا سوف يزيد أعداد المسلمين بشكل كبير ويُضعف تأثير الأقلية المسيحية التي تعاني أصلا من تراجع حجمها الديمغرافي.

لا شك أن موقف حزب الله من الصراع الدائر في غزة سوف يرتبط بشكل وثيق بتطوره. تتمثل الخطوط الحمراء بالنسبة لحزب الله في منع إنهاء أو القضاء على حماس في قطاع غزة والحفاظ على إدارتها له ومنع تهجير الفلسطينيين منه. وهذا ما يجعل الصراع قابل للتطور لأن توسيع نطاق عمليات حزب الله في الجنوب اللبناني سوف يزداد بشكل يترافق مع تطور المعركة في غزة.

عباس عاصي، حاصل على الدكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة ليدز. عمل سابقا في مركز دراسات الوحدة العربية والمجلس العربي للعلوم الاجتماعية. لمتابعته على تويتر: