شكلت الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الموقّر المكلّف تصريف الأعمال، يوم الخميس 16 من الشهر الحالي، نموذجاً صارخاً، وفاقعاً في الانحلال والاضمحلال وانعدام القدرة، والتراخي للإدارة الحكومية اللبنانية المكبلة والمصادرة، التي سبق أن اُعلن موتها عبر أكثر من ورقة نعوة في وقت سابق أكثر من مرة. لكن العجز والترهل والتخبط المتنامي أجّل دفنها وإهالة التراب عليها إلى أجل غير معلوم.

فالجلسة المذكورة فشلت في أغلب الملفات، ونجحت في ملف واحد، وهو أنها انعقدت، لكن من دون نتيجة. إذ كان يؤمل أن تبت في موضوع الاتصالات وتلزيم البريد أو تأمين الإنترنت البديل، لكنها فشلت في تأمين وإقرار أو إخراج أي ملف من الملفات سوى إبقاء البريد بيد “ليبان بوست”، وعلى جه الخصوص ملف الشغور في منصب قائد الجيش، والذي تنتهي ولايته مع بداية العام المقبل.

ما من شك، أن جوهر الموضوع في هذا الأمر يتصل بموقف رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، الذي يقف حجر عثرة أمام التمديد أو عدم تسريح قائد الجيش، من أجل الخلاص منه مرشحاً لرئاسة الجمهورية.. لأكثر من سبب وسبب، أبرزها أنه في حال بقي في موقعه، فإن اسمه سيبقى مطروحاً للرئاسة الأولى. وهو يرى فيه عائقاً أمام استمرار طموحه في الزعامة المارونية الحالية بشكل خاص، والمسيحية بشكل عام ولو المتهالكة، بعد أن عطل معترضاً ومفاوضاً رئاسة سليمان فرنجية .

كما أن باسيل يحّمل قائد الجيش الحالي، مسؤولية عدم قمعه لانتفاضة 17 تشرين 2019، وتركه لناشطيها وكوادرها حرية حركتهم، في قطع الطرق وإقامة الاعتصامات. وهي الانتفاضة التي عبرت جماهيرها وفاعلياتها، في أكثر من مناسبة، عن “الحب والإعجاب العارم” بباسيل لدى القطاعات الشعبية.

من هنا، فإن معركة باسيل مع العماد قائد الجيش، معركة حاسمة وأساسية بالنسبة له. وهو كان قد نعته واتهمه سابقاً بالخيانة من قلب البيت.

لكن المشكلة المتفاقمة بالنسبة لباسيل، والتي لن تجد بسهولة حلولاً لها، أن قوى عديدة تتقاطع على العمل للتمديد لقائد الجيش، انطلاقاً من منافسته الأخرى في الساحة المسيحية والمارونية، أي القوات اللبنانية، التي تقدمت بمشروع قانون التمديد، المرفوض والمعرقل حتى الآن من رئيس مجلس النواب نبيه برّي، إضافة إلى كتل وقوى نيابية أخرى، بينها كتلة الاعتدال الوطني.

من هنا، فإن عدم مناقشة الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء التمديد للعماد جوزف عون، لن تكون المحاولة أو التوجه الأخير كما أشيع في وسائل الإعلام، بل ستتبعها مساع ومحاولات أخرى في الأيام الطالعة والمقبلة. إذ أن القوى التي تقدمت بمشاريع قوانين ومحاولات للتمديد له، يبدو أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا الأمر.

يكفي أن يتحول ويتمركز الاستقطاب في قلب الساحة المارونية، لكي يجمع حوله مستفيدين وأخصاماً ومتنافسين كثراً، كل من أجل تأمين مصالحه ورؤيته.

الوقائع التي ظهرت خلال الأيام والساعات الماضية، أكدت ما كان مؤكداً، وهو أن الموقف الفعلي لحزب الله إزاء الملف لم يزل إلى جانب مصالح ورغبات باسيل. إذ أن الحزب لا يزال في هذا الإطار يراعي مصالح ورغبات حليفه السابق، ولن يكسر الجرة معه، ويرجح كفة التمديد أو التجديد لقائد الجيش من دون رضاه.

سبق لحزب الله أن أعاد وصل ما انقطع مع باسيل، ومهد للدخول في محاولة استعادته، بعد أن أعلن الحزب بلسان السيد حسن نصرالله أن تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان يجب أن يكون من قبل رئيس جمهورية منتخب وأصيل.

واليوم، قد لا يختلف موقف الحزب إزاء هذا الملف عن السابق. ففي هذه الظروف الحساسة على المستوى الوطني، يحرص حزب الله على عدم خسارة أحد من القوى المساندة له، وفي مقدمهم باسيل والتيار الوطني الحر، كمكون أساسي في الساحة المسيحية.

كما أن الحزب قد يستفيد من عدم تمرير هذه الورقة بسهولة، وبشكل موارب في الإيحاء لأكثر من طرف أنه ممسك بهذه الورقة وتحت سيطرته، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأميركية، المهتمة بالتمديد للعماد عون تحت شعار دعم المؤسسات والجيش. وهو تشدد وإيحاء متعدد الأوجه والأهداف في هذا الظروف الإقليمية الحساسة، التي تحتمل الأخذ والرد والمناورة من الآن وحتى نهاية ولاية قائد الجيش، الذي قد تتحول ورقته إلى ورقة تلويح وغغراء في أكثر من اتجاه، في جمهورية تحطمت أبوابها وجدرانها مع ما يحميها ويساندها ويعزز شرعيتها من قرارات دولية، بانتظار إعلان موعد دفنها، والذي قد يكون متصلاً بتطورات المنطقة الملتهبة والقابلة للاشتعال والدمار الشامل.

للجيش دوره الحساس والأساسي اليوم، وفي المستقبل، وفي تثبيت القرار 1701 وعلى مختلف المستويات، خصوصاً إذا ما اتسعت حرب غزة. وهي لا يبدو أنها ستتوقف الآن وهنا.