تطرح المعطيات بعد الهجوم الذي شنه حزب العمال الكردستاني على مجمع شركة “توساش” للصناعات الدفاعية في أنقرة الأسبوع الماضي، وأدى إلى مقتل خمسة أشخاص وإصابة 22 آخرين، تساؤلات عما إذا كانت تركيا ستكتفي بالحملة الجوية التي شنّتها ضد أهداف لـ”العمال الكردستاني” في شمال العراق وشمال شرقي سورية، أو من الممكن أن يدعم الجيش التركي فصائل سورية معارضة تابعة له للتوغّل في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شرقي الفرات.

وبرز ما نقلته صحيفة الوطن التابعة للنظام السوري عن مصادر وصفتها بـ”المتقاطعة”، يوم الثلاثاء الماضي، رجّحت قيام الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية التابعة له بـ”عملية توغّل محدودة داخل خطوط التماس في ريفي عين عيسى شمال الرقة وفي ريف تل تمر غرب رأس العين”. كما رجحت انسحاب القوات التي ستتوغل إلى خطوط التموضع السابقة “بضغط مشترك من موسكو وواشنطن”. ورأت المصادر أن “الظروف الإقليمية والدولية غير مواتية كي تقوم إدارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعملية غزو جديدة داخل الشريط الحدودي لسورية”، مرجحة عدم حصول أنقرة على ضوء أخضر أميركي للقيام بعملية برية واسعة في شمال سورية.

تعزيزات تركية إلى شرقي الفرات
وكان الجانب التركي قد نقل تعزيزات له إلى خطوط التماس مع “قسد” في شرقي الفرات، في سياق الرد على هجوم أنقرة الذي وقع في 23 أكتوبر/تشرين الأول الحالي. وعن الحشود الأخيرة، قالت مصادر دبلوماسية تركية لـ”العربي الجديد” إن التحركات العسكرية التركية معتادة في المنطقة وهي استعدادات دائمة مستمرة وتحركات في ضوء التفاهمات مع الأطراف المعنية بالشأن السوري، كما أنها في الوقت نفسه تأتي في إطار أي تطورات ميدانية أو سياسية قد تحصل في المستقبل.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في خطاب ألقاه الاثنين الماضي عقب رئاسته اجتماعاً للحكومة التركية في أنقرة، إن الرد على هجوم أنقرة كان “بتدمير أوكار التنظيم الانفصالي (حزب العمال) في سورية والعراق وهدمها فوق رؤوسهم”. وكشف أن القوات التركية استهدفت أكثر من 470 نقطة لـ”العمال” عقب هجوم “توساش”، و”حيّدت 213 إرهابياً”.

من جهته، بحث وزير الدفاع التركي يشار غولر مع نظيره الأميركي لويد أوستن، هاتفياً يوم الثلاثاء الماضي، قضايا أمنية ودفاعية، فضلاً عن مسائل ثنائية وإقليمية. وقال المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر، في مؤتمر صحافي، إن هناك تنسيقاً وتواصلاً جيداً بين واشنطن وأنقرة فيما يتعلق بالعمليات التي نفذتها القوات التركية ضد أهداف في سورية في أعقاب هجوم “توساش”. وأضاف أن الولايات المتحدة “تدرك مجدداً المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا” عقب هجوم أنقرة، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تعتبر “العمال الكردستاني” تنظيماً إرهابياً. وأكد إصرار “الحليفين في ناتو” واشنطن وأنقرة على الحفاظ على خط اتصال مفتوح لدعم بعضهما، لافتاً إلى أن “قنوات الاتصال مفتوحة بشأن ما يجب على تركيا فعله بشأن مخاوفها الأمنية المشروعة”. وقال: “لدينا تنسيق جيد واتصالات جيدة مع حلفائنا الأتراك وسنواصل القيام بذلك في المستقبل”.

تركيا تعزز نقاطها في إدلب بآليات عسكرية ثقيلة
وتتعامل أنقرة مع “قسد” على أنها النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني الذي أعلن وقوفه وراء التفجير المذكور. وقال الحزب في بيان إن العملية تم تنفيذها عن طريق رجل وامرأة، وأكد أردوغان أنهما تسللا من سورية إلى الأراضي التركية للقيام بالعملية. وكان الطيران التركي قد شن حملة قصف على أهداف ومواقع ومراكز حيوية في شمال شرقي سورية رداً على هجوم أنقرة، في تكرار لرده على مقتل جنود أتراك نهاية العام الماضي في شمال العراق على يد مسلحي “العمال الكردستاني”.

ضياء قدور: المؤشرات الحالية تشير إلى أن تركيا قد تكون على وشك بدء عملية عسكرية جديدة ضد “قسد” في شمال سورية

ورأى المحلل العسكري ضياء قدور، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “المؤشرات الحالية تشير إلى أن تركيا قد تكون على وشك بدء عملية عسكرية جديدة ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال سورية”. وأعرب عن اعتقاده بأن هجوم أنقرة “يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الوضع في المنطقة، ويصعّد من التوترات، ويعزز من احتمالية قيام تركيا بعملية عسكرية في سورية”. وتابع: اعتراف حزب العمال الكردستاني أنه وراء التفجير يعزز التكهنات حول احتمال بدء عملية برية قريباً، ووصول التعزيزات العسكرية التركية إلى المناطق الحدودية مع سورية يشير إلى استعدادات مكثفة لعملية عسكرية محتملة في أي لحظة.

وأعرب قدور عن قناعته بأن هجوم أنقرة “زاد من الضغط على الحكومة التركية لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الجماعات المسلحة المرتبطة بحزب العمال شمال سورية”. وتابع: “تركيا كانت قد أبدت تردداً في شن عمليات عسكرية برية ضد قسد في وقت سابق لأسباب عدة، أهمها الضغوط الداخلية، والتوازنات الدولية المعقّدة في سورية، لكن هناك عدة عوامل قد تدفع تركيا لتغيير موقفها والاستعداد لعملية عسكرية برية، لا سيما في أعقاب التحالفات الإقليمية، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج والدول الإقليمية الأخرى، مما قد يسهم في توفير دعم لوجستي أو سياسي لتركيا في حال أقدمت على شن أي عمل ضد قوات قسد”.

حدود التحرك التركي الممكن
من جهته، قال مصدر قيادي في فصائل المعارضة السورية، طلب عدم ذكر اسمه، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “شرقي الفرات هي المنطقة التي يُسمح لأنقرة بالتحرك فيها بناء على تفاهمات سابقة مع الجانب الأميركي تتيح للجيش التركي التوغل لعمق 30 كيلومتراً على طول الحدود، بينما تفاهمات أنقرة وموسكو غربي الفرات تقتصر على ثمانية كيلومترات فقط”. وأعرب عن اعتقاده بأن الجانب التركي “لا يريد الاصطدام بالإيرانيين في غربي نهر الفرات والذين يساندون النظام في محيط مدينة حلب، كي لا يتحول الصراع في سورية من صراع بين وكلاء إلى صراع بين دول”، مضيفاً: “لا أعتقد أن موسكو تعارض أي عمل تركي ضد تل رفعت شمال حلب، ولكن أنقرة تريد التوسع في شرقي الفرات لقطع خطوط الإمداد لحزب العمال الكردستاني بين العراق وسورية”.

مصدر في المعارضة السورية: الجانب التركي لا يريد الاصطدام بالإيرانيين في غربي نهر الفرات

وكان الجيش التركي قد شن في أكتوبر 2019، عملية عسكرية ضد “قسد” في شرقي الفرات، بعد ضوء أخضر من الجانب الأميركي، والتي انتهت سريعاً بسيطرة الأتراك على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر وعمق 33 كيلومتراً، يضم منطقة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ومنطقة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.